شن الكيان الصهيوني حملة عسكرية، فجر اليوم، على قطاع غزة، أطلق عليها حملة «الدرع والسهم»، تستهدف بشكل خاص القيادات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، حيث اغتال جيش الاحتلال حتى الآن أربعة من قادتها العسكريين.
ويراهن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو على شن هذه الحملة في تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
وتعد الاعتبارات الداخلية مركباً مهماً في الاعتبارات التي دفعت نتنياهو لشن الحملة العسكرية، فقد شنت هذه العملية في ظل الاحتجاجات الداخلية الواسعة ضد «الإصلاحات القضائية» التي تعكف عليها حكومة «تل أبيب»، والهادفة بشكل خاص إلى توفير مسار يفضي إلى إفلات نتنياهو من المحاكمة في قضايا الفساد الخطيرة المتهم بها.
فشن العملية العسكرية يساعده على صياغة سلم الأوليات الداخلي في الكيان الصهيوني، بحيث يتم صبغ الجدل الداخلي بالصبغة الأمنية بشكل يفضي إلى تقليص الاهتمام بالاحتجاجات على الإصلاحات القضائية.
ولا حاجة للتذكير أن استطلاعات الرأي العام المتواترة التي أجريت مؤخراً دلت على تهاوي شعبية نتنياهو وشعبية الأحزاب المشاركة في حكومته، مما جعل شن هذه العملية محاولة لترميم هذه الشعبية، حيث إن نتنياهو يعي الطابع العنصري والإجرامي للمجتمع الصهيوني الذي يمكن إرضاؤه فقط في حال دفع الفلسطينيون فاتورة دم كبيرة.
وهذا يفسر الدعم الذي قدمته قوى المعارضة وقادة الاحتجاجات على الإصلاحات القضائية للعملية العسكرية الإجرامية التي كانت الأغلبية الساحقة من الذين قتلوا فيها هم من الأطفال والنساء والمدنيين غير المنتمين إلى العمل العسكري.
وراهن نتنياهو على توظيف العملية في محاولة ضمان استقرار حكومته ولاسترضاء حركة «المنعة اليهودية» التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، التي أعلنت مؤخراً التوقف عن دعمها الحكومة في الكنيست عبر عدم التصويت لصالح القوانين التي تقدمها؛ احتجاجاً على ما أسماه بن غفير «الرد الضعيف» على الصواريخ التي أطلقت من غزة في أعقاب استشهاد الأسير خضر عدنان متأثراً بالإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال، وبالفعل فقد أعلنت حركة «المنعة اليهودية» عودتها للتصويت إلى صالح الحكومة في أعقاب الإعلان عن العملية العسكرية.
وبكل تأكيد، لا يمكن تجاهل الرهانات العسكرية على شن العملية، سيما رغبة الكيان الصهيوني في تعزيز قوة ردعه التي تهاوت في أعقاب إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان، وفي ظل تواصل عمليات المقاومة المنظمة والفردية في الضفة الغربية.
مع العلم أن الكيان الصهيوني لم يتمكن في يوم من الأيام من مراكمة قوة الردع تجاه قطاع غزة، حيث إن قوة الردع يمكن قياس مستوى تحققها بعدم اضطراره لشن عمل حربي ضد نفس العدو في أوقات متقاربة، ولو تحقق الردع لما شنت «إسرائيل» على غزة 4 حروب وعشرات الحملات العسكرية في عقد ونصف عقد.
إلى جانب ذلك، فإن الكيان الصهيوني بادر إلى شن هذه العملية العسكرية ليدفع المقاومة إلى استنفاد قدراتها قبل حلول مناسبات ذات حساسية خاصة، سيما «يوم القدس»، الذي تحتفي به «إسرائيل» بمناسبة احتلالها للمدينة، الذي تنظم خلاله الجماعات اليهودية المتطرفة «مسيرة الأعلام»، يقلص من قدرة الفصائل الفلسطينية للتدخل والردود على الاستفزازات الصهيونية عند حلول هذه المناسبة.
ويذكر أن مايو 2021 شهد اندلاع مواجهة عسكرية بين حركة «حماس» و«إسرائيل» بسبب تنظيم التنظيمات اليهودية «مسيرة الأعلام»؛ وهي ما قادت إلى انضمام فلسطينيي الداخل إليها بشكل غير مسبوق.
كما توظف «إسرائيل» هذه الحملة في إرسال رسائل إلى أطراف خارج حدود فلسطين، كإيران و«حزب الله»، تحديداً بعد إظهار «حزب الله» تحديه لها في أكثر من مناسبة خلال السنوات الخمس الماضية، إلى جانب ذلك، فإن «إسرائيل» توظف شن الحملة العسكرية في اختبار مدى موضوعية ودقة مخاوفها من إمكانية تفجر مواجهة على عدة مواجهات، سيما بعد صدور تهديدات بهذه الروح بشكل صريح من ممثلي المحور الذي يضم إيران و«حزب الله» والمقاومة الفلسطينية.
لكن التجربة دللت على أنه يمكن للكيان الصهيوني تحديد موعد بدء المواجهات العسكرية ضد غزة، لكنه في الغالب لا يستطيع إملاء موعد إنهائها، كما حدث كثيراً.
فليس بوسع الكيان الصهيوني تقصير أمد المواجهة الحالية التي يمكن أن تمتد بشكل يفضي إلى المس بقدرة المجتمع الصهيوني على الصمود مما يحيل «الإنجازات» التي يدعيها نتنياهو إلى خسارة كبيرة.