سيظل ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم النقطة الفاصلة في التاريخ الإنساني كله بين زمانين؛ زمان الظلمة وزمان النور.
ولاحظ في هذا الذي نقرر للمجاز، فلقد جاء الذكر الحكيم أنه النور، يقول تعالى: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ) (المائدة: 15)، وقد قرر السيوطي في «الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة» (ص 256): قال جماعة: النور هنا محمد صلى الله عليه وسلم.
شمائل النبي صلى الله عليه وسلم
1- المفهوم:
عرف علماء الحديث أن الشمائل هي أخلاقه وأحواله المعيشية، وهي أوصافه صلى الله عليه وسلم الخلقية والخلقية كما قرر د. عبدالرحمن الخميسي في «معجم علوم الحديث» (ص 132)، وكما قال مجمع اللغة العربية بالقاهرة في «معجم مصطلح الحديث النبوي» (ص 45).
وهو ما يعني أنها موزعة على 3 مجموعات، هي:
أولاً: صفات النبي صلى الله عليه وسلم في بدنه وأعضائه.
ثانياً: صفات النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه وأخلاقه.
ثالثاً: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية.
2- مصادر الشمائل وأدبياتها:
ويتوقف التشغيل الحضاري لمجموع شمائله صلى الله عليه وسلم في الأمة على الوعي –أولاً- بمصادرها وتوثيقها، وقد جاءت شمائله صلى الله عليه وسلم في المصادر التالية:
أولاً: الكتاب العزيز، وهو أوثق مصدر تحدث عنه صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: كتب السُّنة الصحاح التي أوردت أحاديث كثيرة عن شمائله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: كتب السُّنة المستقلة التي استقلت بجمع أحاديث الشمائل وغطت المساحات التالية:
أ- كتب الشمائل النبوية.
ب- كتب حلية النبي وصفته صلى الله عليه وسلم.
جـ-كتب أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
د- كتب خصائصه صلى الله عليه وسلم.
هـ- كتب فضائله، ومناقبه، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ز- الكتب المفردة في بعض محاسنه صلى الله عليه، من مثل ما أفرد حول:
– شجاعة الرسول الله عليه وسلم، المصطفى أبي سيف.
– صدق الرسول الله عليه وسلم، لأبي هذيل العلاف.
– شرف الرسول الله عليه وسلم، لابن الجوزي.
– فروسيته صلى الله عليه وسلم، لابن القيم، إلى غير ذلك.
رابعاً: كتب السيرة الموسعة على الاختلاف مناهجها وحجومها.
وقد وصلت إلينا قائمة ممتازة من كتب للشمائل؛ للترمذي (ت 279هـ)، والبغوي (ت 516هـ)، والسيوطي (ت 911هـ)، والقاري (ت 1014هـ)، والمناوي (ت 1031هـ)، والشرنوبي (ت 1348هـ).
التشغيل الحضاري لشمائل النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة
إن الواقع المأزوم أخلاقياً وحضارياً يفرض علينا استدعاء شمائل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتكون منهجاً وخطة عمل تنفيذية للتخلص من هذا الواقع المأزوم.
وفي هذا السياق نتوقف أمام جملة من الوظائف يمكن استلهامها وتطبيقها في الأمة، وهي كما يلي:
أولاً: الوظيفة الإيمانية؛ ذلك أن تأسيس الإيمان بالله يكون إلا من طريق الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه، وتحكيم ما ورد عنه، يقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (آل عمران: 164).
ثانياً: الوظيفة التعبدية؛ ذلك أن الله أمرنا أن نتابعه ونتبعه فيما يقوم به، وقد صح عنه ضرورة متابعته في التعبد بوصف تلك المتابعة ركناً في صحة العبادة وتمامها.
ثالثاً: الوظيفة الأخلاقية (التزكية)؛ لقد أخبر القرآن الكريم عن النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، والتزكية مقصد أعلى من مقاصد الإسلام، وهي الترجمة العملية للتوحيد الإيجابي والزاكية في الوجود الإنساني، وقد أخبر عن نفسه، كما جاء في حديث أبي هريرة، كما أخرج صاحب الشمائل (حديث 676، ص 61): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
رابعاً: الوظيفة التربوية؛ لقد عكس تحليل أحاديث الشمائل حقيقة كون النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من دل على ما به تربية الأجيال، وتعليمهم ما يقيم الحضارة، ويضمن النجاة يوم القيامة، ومن ذلك قوله:
– «خيركم خيركم لأهله» (حديث 936، ص 212).
– «كان النبي صلى الله عليه وسلم بشراً من البشر.. يحلب شاته ويخدم نفسه» (حديث 935، ص 212).
خامساً: الوظيفة الاجتماعية؛ تأمل أحاديث الشمائل يكشف عن رعاية بالنهوض بالمجتمع من خلال ما يلي:
أ- تنظيم المجتمع.
ب- الخدمة الاجتماعية.
جـ- رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة.
د- أخلاق الرعاية لمناطق الضعف، عموماً ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
– «كان رسول الله قبل الهدية ويحبب عليها» (ص 254، حديث 6108).
– «ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (ص 257، رقم 114).
سادساً: الوظيفة الحضارية؛ تتحرك أحاديث الشمائل في الأمة حضارياً، فترسي فيها ما يلي:
أ- تنظيم متاع البيت وأثاثه.
ب- ضبط أمور الأطعمة والأغذية.
جـ- الطب والعلاج.
د- العطور والزينة.
هـ -الثياب والملابس.
و- الفنون والجماليات.
ز- آداب التواصل.
والحقيقة أن العلماء على امتداد تاريخ الأمة رأوا في شمائله صلى الله عليه وسلم مصدراً ثرياً للحضارة، من حيث فحص تنوع متاع بيته، وتنوع طعامه وشرابه، وتنوع أشكال عنايته بنظافته الخاصة وتطبيبه، وعلاجاته.. إلخ.
سابعاً الوظيفة السياسية؛ لقد كان رسول الله رئيس الأمة والدولة، ودخل في مفاوضات ومعارك بدا فيها سياسياً حكيماً ونبيلاً مما يحتاج معه إلى دراسة فنون السياسة والتفاوض كما وردت في أحاديث شمائله صلى الله عليه وسلم.
ثامناً: الوظيفة البيانية (اللغوية)؛ جاء في شمائله صلى الله عليه وسلم أنه «أوتي جوامع الكلم»، وقد تنبهت الأمة فأولت لفقه العناية الباذخة مما كان له عائده على تطوير الدرس اللغوي للعربية.
لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم نوراً أضاء للأمة جنبات حياتها، ولم يزل وسيظل هو نبع النور على امتداد الزمان، والاهتداء بهذه الشمائل مانع من أي انحراف أو شطط عند الاحتفال بمولده الأنور.