افتتحت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الندوة الدولية «الطباعة الحيوية.. الفرص والتحديات من منظور إسلامي»، بمشاركة 15 دولة وأكثر من 400 شخص من داخل وخارج الكويت، وتستمر حتى الـ25 الجاري.
ما الطباعة الحيوية؟
وقال رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية د. محمد الجارالله: إن هذه الندوة تأتي في إطار حرص المنظمة على رصد المستجدات وتأطيرها من الناحية الشرعية والممارسة الأخلاقية والمهنية في مجتمعاتنا الإسلامية.
وأضاف الجارالله، في كلمة له: لعلها تكون أول ندوة من نوعها؛ إذ لم يصدر حتى الآن ما يخص الطباعة الحيوية أي آراء شرعية من المجامع الفقهية المعتبرة، ولم يتم إرساء قواعد قانونية تنظم استخدامها حتى الآن.
وأشار إلى أن الطباعة الحيوية دخلت حيز التطبيق الإكلينيكي ونجحت خطواتها الأولى على البشر على أجزاء من أنسجة الجلد وصوان الأذن الخارجية وأجزاء صغيرة من الكبد، إلا أن الطباعة الكاملة للأعضاء ما زالت في بداية الطريق وفي طور الأبحاث، مؤكداً أن العلماء يعملون حالياً على طباعة قلب بشري بحجم قلب الأرنب.
وأكد الجارالله أهمية الندوة والنقاش المطروح للوصول إلى الرأي الشرعي حول استخدام الطباعة الحيوية، وللموازنة بين الفرص والتحديات والتقنية الطبية من ناحية والضوابط الأخلاقية والشرعية والقانونية من ناحية أخرى.
وأوضح أن هذه التكنولوجيا تستخدم لعلاج الأعضاء والخلايا والأنسجة المريضة وتحسين الوظائف الحيوية للأجهزة وتعزيز القدرات البشرية؛ الأمر الذي قد يسهم في إنقاذ حياة الملايين.
وقال الجارالله: إن الطباعة الحيوية عملية بيولوجية متكاملة، ونوع حديث من أنواع الطب التعويضي تستخدم مكونات الأنسجة، وفرع متخصص من الطباعة ثلاثية الأبعاد، وبذلك فهي تعتبر منصة لتصنيع وطباعة الأنسجة الحية والأعضاء البشرية.
وأعرب عن أمله أن تحقق الطباعة الحيوية انفراجات كثيرة في عالم الطب، حيث ستتيح هذه التكنولوجيا أموراً عدة، منها: طباعة أنسجة وأعضاء بشرية من الخلايا البشرية في المختبر بالشكل ذاته والوظيفة نفسها، وتستخدم في علاج الأعضاء والخلايا والأنسجة المريضة لدى الإنسان، وتحسن الوظائف الحيوية لأعضاء الجسم وتعزز القدرات الحيوية البشرية.
تحقيق المقصد
من جهته، أكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردني سابقاً د. عبدالناصر أبو البصل، أن الأمة مطالبة اليوم بأن تكون قيمها وتشريعاتها ونظمها قدوة للعالم في ضبط حركة الحياة، مشيراً إلى أن عجلة التقدم العلمي والتقني ومن ضمنه ما تدفعه مراكز الأبحاث الطبية العالمية من نتاج متسارع في التقدم والتطور توجب على الأمة أن تشارك في هذا المضمار، وأن تتهيأ لما للمستجدات عبر تحديد الضوابط والأحكام الشرعية.
وأوضح أبو البصل أن تبيان الحكم الشرعي أو الأخلاقي في استعمال هذه التقنية متوقف على نتاج الحوار الفاعل المتخصص الذي تحركه هذه المنظمة.
وأكد الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في جدة د. قطب مصطفى سانو أهمية هذه التقنية، وقال: إنها ليست استنساخاً، ولكنها تحقيق لمبدأ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، مشيراً إلى أن كل شيء يؤدي ويحقق هذا المقصد فإنه شرعي معتبر.
وأضاف: نحن بحاجة إلى هذا الطب التجديدي الذي يلتزم بأخلاقيات المهنة، وذلك الميثاق الذي صاغته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
من جانبها، قالت أمين عام الجمعية السعودية للدراسات الطبية الفقهية د. حنان سلطان: إن الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد للأنسجة والأعضاء البشرية تعد نواة علمية واعدة وتقنية رائدة بإمكانها المساعدة في إنقاذ الأرواح وتطوير مجال البحوث والعلاجات الطبية.
وأشارت إلى أن هناك العديد من التحديات قبل إيجاد التقنية الفنية المناسبة لكل عضو ونجاح زراعة الأعضاء والأنسجة بعد طباعتها خاصة الأعضاء التناسلية، إضافة إلى العديد من التحديات من النواحي الدينية والأخلاقية والاجتماعية والقانونية.
تفاقم الفجوة الاجتماعية
وقال أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر د. نظير عياد: يشهد الإنسان المعاصر نقلة هائلة في قطاعات الطب والصحة والدواء لم ير مثلها عبر التاريخ.
وأشار إلى أن الطباعة الحيوية تمثل ثورة في عالم الطب تبشر بمستقبل مليء بالعديد من الغرائب والأمور المستغربة.
وبين أن الإسلام جاء لصالح الإنسان والعمل على حفظ نفسه وبدنه، لكن هذا النوع من الطباعة باعتبار أن شأنه شأن كثير من المستجدات الطبية الحديثة التي لا تقف آثارها عند حدود الطب والتداوي فحسب؛ فإن لها أبعادها الدينية والأخلاقية والفلسفية والاجتماعية والقانونية.
وتساءل عياد: هل الطباعة الحيوية وقبلها الاستنساخ تتعارض مع الاعتقاد الديني بانفراد الله بالخلق والإيجاد والتدبير؟ مجيباً: بالقطع لا تتعارض.
معللاً أن الإنسان لا يحق له الزعم بأنه خلق إلا إذا حقق أمرين؛ الأول: استقلال الإيجاد من العدم، والثاني استقلال التدبير حتى الاكتمال والنهاية، وهذا بعيد كل البعد وخارج عن حدود العلم ووسائله.
ولفت أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إلى أن الطباعة الحيوية تتطلب استثمارات مالية كبيرة في البحث والتطوير وشراء الآلات وتدريب الكوادر الفنية المتخصصة، وهذا ما يجعلها ذات كلفة عالية، ويحُول دون توفرها في المستشفيات والمرافق الطبية ذات الموارد المحدودة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء وظهور الطبقية وحرمان الفقراء من الحق العادل في التداوي.
وأكد الحاجة لصياغة سياسات حكومية جديدة وبرامج تمويلية متخصصة تعمل على تعزيز العدالة والمساواة، وتضمن للإنسان حق العيش الكريم وحصوله على التداوي دون أي شكل من أشكال العنصرية والتمييز.