إنه يوم السبت الثاني والعشرين من ربيع الأول 1445هـ/ السابع من أكتوبر 2023م
يوم تكحلت فيه عيوننا، وانشرحت فيه صدورنا، وذهب الكثير من غيظ قلوبنا، رأينا مناظر ما صدقتها عيوننا، يوم اعتدلت فيه الموازين، واتجهت فيه البوصلة وجهتها السليمة، يوم فرح فيه المؤمنون، واغتاظ فيه الكافرون، وتحير وتردد فيه المنافقون، إنه يوم ذكرنا الانتصارات، والفتوحات؛ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ) (الروم)، وهذا والله هو نصر الله سبحانه وتعالى.
لقد تعودنا أن نرى أهلنا وأبناءنا في فلسطين وغيرها هاربين مشردين لاجئين تاركين بلادهم ودورهم خلف ظهورهم من هول ما يرونه من قمع وظلم وقتل وتشريد، واليوم نفس مشهد الفزع والفرار والهروب ولكنَّه من جانب الغاصبين والمعتدين، الحمد لله والله أكبر، هل هذا حقاً ما تراه عيوننا؟! نقلب الشاشات نبحث عن الأخبار فتأتينا تترا من كل ناحية كلها يؤيد بعضها بعضاً.
إن المجاهدين في فلسطين ينتصرون، صواريخهم تدك مواقع العدو، عطلوا خطوط اتصالات العدو، عطلوا كاميرات تصويره، استطاعوا تعجيز كل هذه التكنولوجيا الحديثة التي أنفقوا عليها المليارات، ثم اقتحموا عليه المنازل والأرض التي اغتصبها، قتلوا الكثير من جنوده، وأسروا الكثير أيضاً، وشردوا الآلاف منهم.
إن للمجاهدين طائرات تنزل على المغتصبين، ولهم زوارق تدخل على العدو بحراً، وفرق «الكوماندوز» وجيش المشاة يقتحم بلا خوف ولا تردد، شهامة ورجولة وجلد وإيمان راسخ في القلوب، شعارهم (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) (المائدة: 23)؛ إي وربي إنكم غالبون، صدق الله العظيم، إنكم غالبون، غالبون بأمر الله، غالبون لأن الله معكم.
أين العدو الذي لا يُقهر؟! أين «الموساد»؟! وأين «الشاباك»؟! أين أقوى الأسلحة التي لا تُقَاوَم؟! أين «القبة الحديدية» التي لا تُثْقَب؟! أين الدبابات والطائرات والمصفحات والمجنزرات والرشاشات والمدفعيات؟! وأين المجندون والمجندات، والمستوطنون والمستوطنات؟!
كان منتهى أملنا سابقاً أن لو بدأ العدو حرباً علينا أن نصمد ونصبر ونتحمل حتى ينتهي من حربه بتدخل هذا أو ذاك، وأحياناً يسعدنا أننا نرد على العدو برشقات ورشقات، ونقاومه بما يجبره على وقف النار التي يصبها على رؤوسنا ورؤوس أهالينا ليل نهار، وتوسلات إليه من هنا وهناك أن يعطينا حقوقنا التي استلبها منا منذ عشرات السنين، يفتح لنا ويغلق متى شاء، يعطينا أو يمنعنا متى شاء، وما شاء، يقتلنا ويدعي أنه يحمينا، ويريد منا أن نعطيه تعظيم سلام، وأن نرفع له القبعة، وأن نتسول منه السلام والأمان!
ولكن يوم السبت السابع من أكتوبر 2023م، ذكرنا بعويلهم يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م، يوم أن تحطم «خط بارليف»، وعُبِرَت القناة، وأزيل الساتر الترابي، ودُمِّرت خطوط العدو، وأسقطت طائراته، الله أكبر إن انتصارات اليوم أكبر وأعظم نظراً للإمكانيات، اليوم يولولون ويهربون، وبالآلاف في المطارات يقفون، ينتظرون دورهم للهرب خارج الكيان الغاصب، إنه يوم هزيمتهم وذلتهم، إنه يوم من أيام الله تعالى.
إنها مرحلة فارقة في حياة الأمة، مرحلة لا تردد بعدها، ولا تراجع مرة أخرى، مرحلة الانطلاق التي بدأها الرجال في فلسطين للتحرير، ولا بد أن تبدأها الأمة للتحرير أيضاً، وللوحدة والعزة والكرامة.
و«طوفان الأقصى» تذكرنا بدروس مهمة:
أولها: أن الجهاد في سبيل الله ماض إلى قيام الساعة، وأنه الطريق الوحيد الذي تسترد به الحقوق، وأن الأمة ما ذُلَّتْ إلا منذ أن تركت الجهاد، وأنه آن الأوان أن تنادي الأمة كل الأمة بالجهاد في سبيل الله تعالى، إذا كانت تريد العزة والكرامة والنصر على عدوها.
ثانيها: أن التطبيع خيانة وجريمة، أي جريمة، وأن المطبع محب والمحب قد نقض إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»، فمن أحب أعداء الله فقد والاهم، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة: 51)، فليحذر كل مسلم على دينه.
ثالثاً: أن العدو الغاصب هش ضعيف، جبان عرديد، لا يقوى على أي مواجهة مباشرة، يخاف الناس ولا يخاف الله، مختلفون فيما بينهم، متفرقون، ليسوا على قلب رجل واحد، وتلك حقيقة أنبأنا بها ربنا وغفلت عنها الأمة دهراً، قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (الحشر: 14).
رابعاً: أننا بقليل جهد -لكنه مبارك من الله تعالى- ومن ثلة محاصرة وبإمكانات ضعيفة جداً -لكن بمجاهدين عظماء- استطعنا أن نصنع هذا النصر العظيم، فكيف لو توحدت الأمة وسخرت إمكاناتها في سبيل الله تعالى؟! والله لصرنا القطب الأوحد والأعظم في الأرض، لا يدانيه شيء خاصة مع عزة الإيمان وعزة الإسلام وعزة الله تعالى لهذه الأمة، فهلم ثم هلم ثم هلم للوحدة والألفة ونزع الشقاقات والخلافات، وعلينا الالتفات لمستقبل الأمة.
خامساً: ما أقرب نصر الله تعالى! قال تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، والله إنه لقريب إذا صدقت القلوب، وحسنت النوايا، وأُطِيع الله تعالى، وعُظِّمت السُّنة المحمدية، وعلت الهمم، وتوحدت الشعوب والأمم، وتضرع الناس لرب الناس، ساعتها إن نصر الله قريب، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).