بقدر حرص القوى الأوروبية على إسقاط الإمبراطورية العثمانية وإلغاء نظام الخلافة الإسلامية في بداية القرن العشرين، كان حرصها (أوروبا) على وحدتها بعد الدمار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الثانية.
ويعتبر روبار شومان، وزير خارجية فرنسا في الخمسينيات من القرن العشرين، الأب المؤسس للاتحاد الأوروبي، ومن أقواله: «لن يتم بناء أوروبا دفعة واحدة، ولا في إطار بناء كامل شامل، بل سيتم بناؤها من خلال إنجازات ملموسة تُحدث التضامن الفعلي بالدجة الأولى»، ويقول أيضاً: «إن أوروبا، قبل أن تكون تحالفاً عسكرياً أو كياناً اقتصادياً، يجب أن تكون مجتمعاً ثقافياً بالمعنى الأسمى لهذا المصطلح».
وبناء عليه؛ فإن من مميزات الاتحاد الأوروبي السعي إلى تحقيق المصلحة العامة للكتلة الأوروبية، لتكون كتلة وازنة في القرار الدولي، شعاره «الوحدة في إطار التنوع».
ولا يكون ذلك إلا عن طريق توحيد الرؤى والمواقف في القضايا المصيرية، والتعاون في القواسم المشتركة رغم الاختلافات في اللغة والأنظمة السياسية والثقافات، وتوحيد الصف الداخلي لرفع التحديات.
وتم فتح الحدود الأوروبية الداخلية بعد اتفاقية «شنغن» عام 1985م التي أقرت حرية انتقال الأشخاص والبضائع، بحيث يمكن للفرد أن يتنقل بين عدة عواصم أوروبية في اليوم نفسه دون المرور بجمارك أو شرطة حدود، إلى جانب وضع مؤسسات ذات بُعد إقليمي أوروبي، دون المساس بسيادة الدول الأعضاء في الاتحاد، ويمكنها اتخاذ قرارات لصالح الأفراد والمجموعات، بحيث يمكن للمواطن الأوروبي أن يتحاكم إلى المحكمة الأوروبية إذا لم يجد حقه في محكمة بلده.
وأهم إنجاز للاتحاد الأوروبي إرساء عقلية التجاوز عن الخلافات ورواسب الماضي؛ بما فتح الطريق لدولة مثل ألمانيا لتكون قطباً اقتصادياً أوروبياً وازناً.
ولو تأملنا في فلسفة الاتحاد الأوروبي، لوجدناها أقرب ما يكون إلى نظام الخلافة الإسلامية الذي قام على أساس توحيد الصف الإسلامي وإرساء وحدة إسلامية في إطار التنوع، مع فارق مهم في المرجعية؛ وهو أن الخلافة الإسلامية ترتكز نظرياً في سياستها وقوانينها إلى الشريعة الإسلامية، في حين أن فكرة الاتحاد الأوروبي تقوم على أساس قوانين وضعية علمانية.