من أجل التوصل إلى فهم أكثر دقة لعلاقات المسلمين الهنود مع الدولة العثمانية، لا بد من النظر إلى الخريطة السياسية لغرب ووسط آسيا خلال القرون الوسطى، وكذلك في العصر الحديث، حيث كانت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الحكام الهنود والدولة العثمانية ودية للغاية على مدى قرون.
كان البهمنيون أول حكام الهند يقيمون اتصالات دبلوماسية مع العثمانيين، وفي وقت لاحق تبعهم الحكام المسلمون من كجرات، يليها حكام المغول من الهند، ونظام حيدر آباد، وتيبو سلطان ميسور، ونواب من آركوت (مدراس)، وحتى خلال الاحتلال البريطاني للهند كان هناك تبادل ثنائي للبعثات الدبلوماسية بين الهند والدولة العثمانية.
لقد اختلف الموقف الدبلوماسي للدولة العثمانية تجاه الحكام الهنود خاصة الحكام المسلمين، واختلاف العلاقات بين البلدين من حاكم إلى حاكم ومن وقت لآخر، على سبيل المثال: الملوك البهمنية محمد شاه (1463 – 1482م)، ومحمود شاه (1482 – 1518م)، والسلطان العثماني محمد الثاني (1451 -1481م)، وبايزيد الثاني (1481 – 1512م)، فقد تبادلا الرسائل والسفارات الملكية.
مسلمو الهند اعترفوا طوال الوقت بسلطان الدولة العثمانية كخليفة لهم
لا سيما وجد الحاكم المغولي الهندي أكبر أن عرشه غير آمن، لذلك بدأ بالذهاب إلى أبعد من ذلك في الود تجاه العثمانيين، وكتب رسالة ودية إلى السلطان سليمان القانوني، ولكن مع نمو قوة أكبر، نما لديه موقف معادٍ ضد العثمانيين، فقد رفض الاعتراف بالسلطان كخليفة، كما اتبع جهانجير نفس السياسة، وتبادل الحكام المغول اللاحقون شاهجهان، وأورنجزيب، ومحمد شاه رسائلهم وسفاراتهم مع السلاطين العثمانيين، وأعقب هذه العلاقات تيبو سلطان ميسور، ونظام حيدر آباد، فقد أرسل كلا الحاكمين سفاراتهما إلى إسطنبول، وحصلا على ردود إيجابية من السلاطين العثمانيين.
اعتراف بالخليفة
وقد اعترف مسلمو الهند طوال الوقت بسلطان الدولة العثمانية كخليفة لهم، حيث كانت السلطة الدينية والزمنية للخليفة العثماني مثيرة للاهتمام بما فيه الكفاية، لا سيما كان للعدوان الإمبريالي على الدولة العثمانية عواقب بعيدة المدى، حيث تبنت القوات الإمبريالية جميع الوسائل الممكنة لقمع الموجة الثورية.
لم يتقدم المسلمون فقط في الهند، بل الهندوس أيضاً، ودعموا العثمانيين في نضالهم ضد الأوروبيين بكل الطرق والوسائل الممكنة، وكانت حركة القومية الإسلامية تمثل الشعور بالأخوة بين مسلمي العالم، حيث كان لها تأثير هائل على التفكير السياسي للمسلمين الهنود، وتسبب في تغيير واضح في موقفهم تجاه الحكم البريطاني، فقد كان الموقف البريطاني من الأحداث التي شملت الدولة العثمانية، أيقظهم إلى الدوافع الشريرة للإمبريالية البريطانية.
ولقد تسببت الحروب التي تعرضت لها الدولة العثمانية في توحيد مسلمي الهند صفاً واحداً نتيجة شعورهم بالخطر المحدق بمستقبل الدولة العثمانية، وعلاوة على ذلك فإن مواطني الهند من الهندوس، الذين لم يكن في نيتهم المكوث طويلاً تحت ربقة الاستعمار البريطاني، كانوا يقفون في صف الدولة العثمانية، والتنسيق والوعي اللذان نشأ ما بين مسلمي الهند أثناء تلك الحرب شكلا البنية التحتية لنشوء تعاون أكثر فعالية وتنظيماً لدعم الدولة العثمانية أثناء نشوب الحرب العالمية الأولى.
الحروب التي تعرضت لها الدولة العثمانية وحَّدت مسلمي الهند صفاً واحداً
وفي يوم 15 فبراير 1915م ثار 850 مسلماً هندياً (جندياً سيبوياً) ضد القادة البريطانيين؛ مما أسفر عن مقتل 40 ضابطاً بريطانياً والاستيلاء على أسلحتهم وذخائرهم، استمرت الانتفاضة نحو 7 أيام، إذ انقسم المنتفضون إلى 3 مجموعات ولم ينجحوا بالسيطرة على الحصون والترسانات وحسب، بل أطلقوا سراح سجناء ألمان نمساويين محتجزين في السجون ومعسكرات الاعتقال البريطانية.
معركة «كوت العمارة»
كما تجدر الإشارة إلى أن حادثة أخرى تمرد فيها الجنود الهنود المسلمون، وهي معركة «كوت العمارة»، حيث رفض الجنود الهنود في الفرقة السادسة الذين أُخذوا إلى البصرة لغزو العراق عام 1916م، وبدلاً من مهاجمة الأتراك بدأ الجنود مهاجمة زملائهم البريطانيين، وهربوا كلما وجدوا الفرصة من أجل الانضمام إلى الجيش العثماني.
وتجدر الإشارة إلى تأثير حرب الاستقلال التركية على حركة الخلافة في الهند، فقد أصبحت الحركات الإسلامية المؤيدة للخليفة العثماني مناهضة لبريطانيا في الهند، كما كان لاندلاع وعواقب الحرب العالمية الأولى دور في حسم مصير الدولة العثمانية، وأصبح من الواضح جداً أن هذه الحرب قد جلبت الدولة العثمانية على حافة الدمار.
الحركات الإسلامية المؤيدة للخليفة العثماني قاومت الاحتلال البريطاني للهند
وانتهت بهزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى في هدنة مودروس الموقعة في 30 أكتوبر 1918م، فقد كان مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه يرون أنه إذا أرادت تركيا أن تعيش وأن تجد مكاناً بين الأمم المتحضرة في العالم، فيجب أن تنسى حلم إحياء الإمبراطورية، وبدأ أتاتورك حرب الاستقلال لتركيا، وشن مقاومة ضد قوات الحلفاء بعد أن تطورت إلى حرب أهلية، حيث ترك القرار الذي اتخذه الأتراك في تحدي القوى الغربية انطباعاً عميقاً على المقاتلين الهنود من أجل الحرية، في ذلك الوقت، أخذت الطبقة المثقفة الهندية اهتماماً كبيراً في التطورات التي كانت تحدث في الدولة العثمانية.
وفي الواقع، كانت حركة الخلافة تمثل رد فعل المسلمين الهنود على نتائج الحرب التي أثرت على تركيا، ونشأت حركة الخلافة عندما أصبح من الواضح أن البريطانيين لا يميلون إلى الوفاء بوعدهم فيما يتعلق بمصير الدولة العثمانية وموقف الخليفة، ولكن مع إلغاء الخلافة العثمانية، فقدت حركة الخلافة في الهند هدفها الرئيس.
______________________
1- الحسني (عبدالحي بن فخر الدين، ت 1341هـ / 1923م)، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1420هـ.
2- عبدالباري محمد الطاهر: دولة الخلافة العثمانية قراءة في نشأتها ومظاهر حضارتها وعوامل سقوطها، زرقاء اليمامة للنشر والتوزيع، (د.ت).
3- عبدالمنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة، ط 3، 1410هـ/ 1990م.
4- محمد فريد وجدي: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، ط 8، 1419هـ/ 1998م.
5- Aziz Ahmad, studies in Islamic Culture in the Indian Enyironment, London, 1964.
6- H. Qureshi, Muslims in India, Delhi, 1985.
7- Sadig, The Turkish Revolution and Indian Freedom Movement, Delhi, 1983.
- Palme Dutt, India Today and Tomorrow, London, 1955.
- Syed Mahmood, The Khilafat and England, London, 1920.