يحتفل العالم في يوم 8 مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة تكريمًا لها والإشادة بدورها في مسيرة الحياة، والحد من الجرائم التي تنتهك بحقهن في أماكن مختلفة من العالم. والغريب أن المرأة الفلسطينية ومعاناتها لم تنل اهتمام المجتمع الدولي علي مسار تاريخها، وخاصة بعد حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في حربه علي غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي مدة خمسة أشهر مضت.
إن التمييز العنصري الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية ليس من قبل الاحتلال الصهيوني فقط، بل من قبل المجتمع الدولي الذي يغض إعلامه الطرف عن المعاناة والانتهاكات ضدها ما يساهم في التعتيم الإعلامي علي جرائم الاحتلال.
وقد راعت الأديان والمواثيق الدولية التخفيف علي المرأة في أحوالها المختلفة، ومعاملتها بإنسانية وكرامة حتي في حالة النزاعات غير الدولية ووقوعها في الأسر، ومن الحقوق التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتنتهكها سلطة الاحتلال اعتقال المرأة الفلسطينية وتعذيبها بدنيا ونفسيا؛ حيث تنص المادة الخامسة إلى “عدم جواز التعرض لأي إنسان بالتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو التي تحط من الكرامة”. والمادة التاسعة ” لا يجوز القبض علي أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا.”
معاناة المرأة في غزة
إن وسائل الإعلام المختلفة تنقل إلينا كل ساعة مشاهد متنوعة من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة والتي يقع العبء الأكبر فيها علي المرأة التي تتحمل أضعاف مضاعفة فوق قدرة تحملها.
إن الحرب الصهيونية علي غزة التي تجاوزت خمسة أشهر حتي الآن، خلفت أكثر من مائة ألف شهيد وجريح، ومنه أكثر من عشرة آلاف امرأة شهيدة، وما يقرب من ثلاثين ألف منهن جرحي.
قالت ريم السالم المقررة الأممية الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات وأسبابه وعواقبه: إن النساء والفتيات من جميع الأعمار هن من بين اللواتي قتلن، وأن المرأة الفلسطينية تعرضت علي مدي عقود متعدد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع، وأن الاعتداء علي كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعادًا جديدة ومرعبة منذ 7 أكتوبر الماضي حيث أصبح الآلاف منهن ضحايا لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
ويرى العالم اليوم المرأة الفلسطينية وهي شهيدة بأسلحة العدو الفتاكة أو جريحه أو أم فقد بعض أبنائها أو جميعهم بسبب القصف الصهيوني، شاهدها العالم وهي مخضبة اليدين من دماء أبنائها الذين استشهدوا، وهي تفر من جحيم الإبادة الجماعية إلي مكان آمن، لكن لا أمان لها في غزة، يشاهدها العالم صامدة صابرة ضد حرب الجوع التي تمارس ضد شعب غزة الأبيّ والتي لا يمكن أن تتكفل بها سطور، بل إن مشاهد التنكيل ضد المرأة في غزة ما زالت حصرية.
وقد أعلنت المقاومة الفلسطينية أن الهدف من عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بموجب صفقة تبادل، ويتم إنهاء ملف الأسري تمامًا، والذي تم جزء منه في عقب الهدنة في الرابع من ديسمبر الماضي تم خلالها تبادل جزئي للنساء والأطفال، وخرجت بموجبه النساء الفلسطينيات حسب الأقدمية، ولا تزال طائفة منهن حتى الآن في سجون الاحتلال تعاني ألواناً مختلفة من التعذيب، والتي سنلقي بعض الضوء عليها، ويتجاهلها المجتمع الدوليّ.
المرأة الفلسطينية في سجون الاحتلال
يبلغ أعداد النساء اللاتي اعتقلن في سجون الاحتلال “الإسرائيلي” منذ سنة 1967حتى اليوم قرابة 16 ألف فلسطينية؛ وقد شهدت فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) سنة 1987م أكبر عملية اعتقال بحق المرأة الفلسطينية بلغت نحو 3000 فلسطينية؛ واعتقل عقب الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) سنة 2000م نحو 900 امرأة منهن تسع قاصرات؛ حيث لا تفرق سلطة الاحتلال في الاعتقال بين فتاة قاصر أو امرأة حامل أو أم لأطفال أو مسنة أو مريضة، ويتم الاعتقال بوحشية مفرطة دون مراعاة طبيعة المرأة أو الالتزام بالمواثيق الدولية في معاملة الأسيرة؛ فيتعمد انتهاك كرامتها الإنسانية بأقسى وسائل التعذيب البدني والنفسي.
ويتم اعتقال المرأة الفلسطينية عند الحواجز العسكرية أو المنزل أو عند المواجهات مع قوات الاحتلال، ويستخدم الاحتلال القضاء كوسيلة من وسائل تحقيق أهدافه في إسباغ المشروعية القانونية علي وسائله القمعية وانتهاكاته بحق الفلسطينيين رجالًا ونساءً، فيخضعهم لمحاكمة هزلية تقضي عليهم بأحكام جائرة التي تصل إلي عشر سنوات وخمس عشرة سنة وخمس وعشرين سنة، وأحكام بالمؤبد.
عند اعتقال الأسيرة الفلسطينية يبدأ التعذيب فتقيد رجلاها ويديها بالسلاسل وتعصب عيناها، وتلقى في الزنزانة التي لا يتعدى مساحتها 2 متر، وتخضع لأساليب تحقيق قاسية، ويتبع معها وسائل تعذيب كثيرة ومتنوعة، ومنها علي سبيل المثال: الصعق بالكهرباء، والكي بالنار بين الكتفين، وإطفاء السجائر بالثديين، والوقوف لساعات طويلة مع حمل كرسي كبير، أو الجلوس علي كرسي مدة طويلة تصل لأيام، والشبح، والمنع من النوم لأيام والحرمان من الطعام، وفتح نوافذ الزنزانة شتاء وإغلاقها النوافذ صيفًا، والنوم علي الأرض بلا غطاء، وشد الشعر وقصّه أحيانًا مما تسبب لبعضهن أمراضًا مزمنة كالضغط والروماتيزم والقرح.
وتلك السجون تم تصميمها لتكون في ذاتها قطعة من العذاب تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية؛ فغالبية غرفها سيئة التهوية، تنتشر فيها الحشرات والرطوبة؛ باردة جدًا شتاء، حارة جدًا صيفًا.
إن قائمة الانتهاكات “الإسرائيلية” بحق المرأة الفلسطينية طويلة لا تتوقف عند هذا الحد، ولا يمكن حصرها، وتستخدمها كوسيلة من وسائل كسر الإرادة للشعب الفلسطيني، ولا يوجد لها نظيرها في العالم.
____________________________
1- باسل منصور؛ مريم عمار مصاروة :الحماية الدولية للنساء في أثناء النزاعات المسلحة :واقع المرأة الفلسطينية نموذجًا، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد14، يناير،2020م، ص356-392.
2- خالدة جرار؛ لينا الجربوني: الحركة الأسيرة النسوية دراسة بحثية عن واقع الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، هيئة شئون الأسرى والمحررين،2016م.
3- لنا محمد ناجح عبده بولص: الأسيرات الفلسطينيات المحررات بين الدور النضالي والواقع الاجتماعي في الضفة الغربية، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2018، ص1-103.
4- د. محسن صالح (تحرير وآخرون): معاناة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، مركز الزيتونة للدراسات، بيروت،1429ه/2008م.
5- مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا): الأسيرات، https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=9666
6- ميس أبو غوش : سجن الدامون: واقع الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، على الرابط: https://www.palestine-studies.org/ar/node/1652317