يعد العيد فرصة كبيرة لتجديد التواصل بين الناس، وتوطيد الروابط الاجتماعية بينهم، حيث يسارعون إلى التصالح والتغافل عن الأخطاء، كما يبادرون إلى إفشاء السلام فيما بينهم، ويحرصون على تبادل التهاني بالعيد، مما يسهم في غرس العديد من القيم الاجتماعية بين الناس، ومن هذه القيم:
أولا: إشاعة الفرح والسرور.
فقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن إدخال السرور على الناس من أحب الأعمال إلى الله، حيث روى الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ”.
ويظهر الفرح والسرور في العيد من خلال الاجتماع في ساحات الصلاة، والتزين بأجمل الثياب، والذهاب من طريق والعودة من غيره، لملاقاة الناس وتهنئتهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حثّ على ذلك، حيث روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. قال ابن حجر: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك: ليعمهم في السرور به، أو التبرك بمروره وبرؤيته، والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء، أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم، وغير ذلك..([1])
أما فرحة الأطفال فمتنوعة، حيث يفرحون بالجديد من ملابسهم، والشهي من طعامهم، والمال الذي يأخذونه من أهاليهم وذويهم..
وقد حث الإسلام أتباعه أن يشيعوا الفرحة فيما بينهم، فدعاهم إلى إفشاء السلام، وتبادل الابتسام، ففي الحديث الشريف: “تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ”.([2])
وفي الحديث: “لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ”.([3])
فما أجمل فرحة العيد حين تشيع بين الناس، فترتسم الابتسامة على الشفاه، وتعلو السعادة على الوجوه، وتملأ الطمأنينة القلوب.
ثانيا: صلة الأرحام
فصلة الرحم واجبة في كل وقت، لكنها في العيد أوجب، لأن أيام العيد هي أيام التواصل والتزاور والالتقاء بين الناس، وهنا تشتاق كل رحم إلى أهلها، فتأنس بهم وتسعد، وقد حث الإسلام على هذه الصلة، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه”. وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. فعلى كل مسلم أن يحرص على صلة رحمه، وذلك بأي وسيلة ممكنة، مثل: الاتصال الهاتفي، أو الزيارة الفردية أو العائلية، أو غيرها..
ثالثا: التوسعة على المحتاجين.
فالأعياد في الإسلام مرتبطة بشعيرتين عظيمتين، هما: زكاة الفطر في عيد الفطر، والأضحية في عيد الأضحى، وتسهم هاتان الشعيرتان في مراعاة أحوال الفقراء والتوسعة على المحتاجين، فالزكاة واجبة قبل صلاة عيد الفطر، من أجل إغناء كل محتاج عن مذلة السؤال والطواف على الناس في هذا اليوم، والأضحية في عيد الأضحى يخرج منها جزء للفقراء، من أجل تخفيف معاناتهم وجبر خواطرهم، ومشاركتهم في طعامنا وشرابنا.
وإذا كانت هذه الشعائر مأمور بها؛ فإن الإسلام قد فتح الأبواب أمام معتنقيه أن يبسطوا أيديهم بالعطاء، وأن يكفلوا الأيتام والفقراء، وخاصة في أيام الفرح والسرور، وهي أيام العيدين. ففي هذا دليل على حرص الإسلام على كفالة الفقراء ورعايتهم، والتوسعة على المحتاجين والمساكين.
رابعا: الشعور بالوحدة بين المسلمين.
حيث يجتمع المسلمون في صلاة العيد، ويحرصون على تبادل التهنئة والمصافحة فيما بينهم، كأنهم الجسد الواحد، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “مثلُ المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى منْهُ عضوٌ تَداعَى له سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”.([4]) ولتحقيق هذه الوحدة بين المسلمين في العيد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم جميع المسلمين بالخروج إلى المصلى، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وذوات الخدور، فيشهدان جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ، قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: “لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا”. ففي الحديث دعوة إلى الاجتماع في صلاة العيد، وشهود الرجال والنساء لها، وفرحة الصغار والكبار بها، في مشهد يرسم صورة واضحة للالتقاء على الطاعة والاجتماع على الفرحة، عسى أن تكون فرحة العيد من الركائز التي تتوحد عليها الأمة الإسلامية، وتتخلى عن الفرقة والنزاع فيما بين أبنائها.
([1]) فتح الباري: لابن حجر العسقلاني، (2/ 473).
([2]) أخرجه الترمذي في سننه، (1956).
([3]) أخرجه مسلم في صحيحه، (2626). عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
([4]) متفق عليه.. أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586). عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.