أعلن حزب «تواصل»، الحزب الإسلامي المعارض في موريتانيا، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمون، في 3 مايو 2024م، أنه سيقدم مرشحاً لأول مرة في تاريخه منذ عام 2009م لينافس الرئيس المنتهية ولايته ولد الغزواني.
والمرشح للرئاسة هو رئيس الحزب الحالي حمادي ولد سيدي المختار، وهو خريج الجامعة الإسلامية في لعيون، وثالث رئيس لحزب تواصل الإسلامي منذ تشكيله عام 2007م، وتولى رئاسته في 25 ديسمبر 2022م، ولمدة 5 سنوات، وهو أيضاً نائب سابق لرئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، وعضو برلماني منذ عام 2013م، وعضو في محكمة العدل السامية، ويتولى زعامة المعارضة منذ سبتمبر 2023م، كما يحمل شهادة الماجستير في فقه المعاملات المالية المعاصرة، ويحضر للدكتوراة من جامعة الزيتونة في تونس.
وبرر الحزب الإسلامي تقديم مرشح للرئاسة بعد عزوف لفترة طويلة بأنه أمر أملته أولوية تغيير الواقع المزري في البلاد، حيث تعاني موريتانيا من مشكلات عديده أبرزها الفقر.
وأعلن نحو 10 سياسيين ترشحهم للانتخابات الرئاسية، من بينهم خصوصاً المعارض والناشط ضد الرق بيرام ولد الداه أعبيد، الذي حل في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ومن المقرر أن تُجرى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في 29 يونيو 2024م، على أن تُجرى جولة ثانية إذا ما اقتضى الأمر ذلك، في 14 يوليو 2024م.
وشهدت موريتانيا سلسلة انقلابات، من عام 1978 إلى 2008م، قبل أن تشكل انتخابات عام 2019م التعددية أول انتقال ديمقراطي بين رئيسين منتخبين.
لماذا الآن؟
لم يدفع حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) بأي مرشح في الانتخابات الرئاسية منذ عام 2009م، فقد كان جميل منصور آخر مرشح دفع به في السباق الرئاسي، وحينها حل منصور رابعاً وحصل على 4.76% فقط من أصوات الناخبين.
وقد قاطع حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الانتخابات الرئاسية، التي أجريت عام 2014م، ثم انتهج خيار دعم مرشح من خارج الحزب في انتخابات عام 2019م، هو رئيس الوزراء السابق سيدي محمد ولد بوبكر، الذي حل ثالثاً بحصوله على 17.58% من الأصوات.
لكن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) عاد هذا العام 2024م ليقول: إنه قرر بعد التداول والنقاش المستفيض ترشيح رئيس الحزب لرئاسة الجمهورية على ضوء تعلق المواطن الموريتاني الكبير بالتغيير.
وقال، في بيان إعلان ترشيح رئيس الحزب لانتخابات رئاسة موريتانيا: إن ذلك أمر أمْلتْه أولوية تغيير الواقع المزري الذي تعيشه البلاد على مختلف الصعد، وانسداد آفاق الإصلاح الذي بشر به رئيس النظام المواطنين في بداية انتخابه واستحال سراباً ووعوداً فارغة.
وفي يناير 2024م، اشتكي ولد سيدي المختار المرشح الإسلامي للرئاسة، من تراجع مستوى الشفافية والنزاهة بشكل كبير في انتخابات موريتانيا، عقب الانتخابات الماضية 2019م، وطالب بضمانات لشفافية ونزاهة العملية الانتخابية، وحتى لا تتكرر في الاستحقاقات القادمة وبصورة أفدح.
وقال رئيس حزب «تواصل»: إنهم في قيادة الحزب نظموا ملتقى تشاورياً حول آفاق وخيارات الاستحقاق الرئاسي 2024م، وقد خلص المشاركون فيه إلى ضرورة أخذ زمام المبادرة والتحرك سريعاً لبلورة الموقف المناسب، والسعي مع قوى المعارضة الأخرى وغيرها من القوى الساعية للتغيير للحسم في الخيار الأنسب.
ومنذ حصوله على رخصة حزب سياسي في عام 2007م، أصبح حزب «تواصل» منذ ذلك الحين أول حزب معارض في البرلمان الموريتاني، ولديه حالياً 11 نائباً من أصل 176 في البرلمان، ولديه شعبية كبيرة ما شجعه على المنافسة على الرئاسة.
وفاز حزب الرئيس الحالي الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية) في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2023م بـ107 مقاعد من أصل 176 في البرلمان، متقدماً بفارق كبير على حزب «تواصل» الإسلامي الذي حصل على 11 مقعداً.
وفي تبريره لنزول زعيم الحزب الإسلامي مرشحاً رئاسياً عام 2024م، قال أكناته ولد النقرة، الأمين الوطني للإعلام والاتصال بحزب «تواصل»: إن اختيار الدفع بولد سيدي المختار قرار طبيعي، وعُرْف متبع في المؤسسات الحزبية، معتبراً أن رئيس الحزب يمتلك كل المؤهلات القيادية ليكون مرشحهم في الرئاسيات.
وأضاف ولد النقرة، في تصريح لموقع «صحراء ميديا»، في 2 مايو 2024م، أن رئيس الحزب لم يجد منافسة تُذكر خلال التصويت الذي أجراه المكتب السياسي للحزب على اختيار المرشح للانتخابات الرئاسية، لكن الموقع ألمح إلى أن ترشيح حزب «تواصل» رئيسه جاء لتجنب الانقسامات الداخلية داخل الحزب الإسلامي، وأراد هذه المرة التهدئة وألا يدخل في صراع الأجنحة، فأعلن ترشيح رئيسه حمادي ولد سيدي المختار للرئاسة ولا أحد غيره.
فقد شهد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية في السنوات الأخيرة خلافات قوية أدت إلى استقالة قيادات من الصف الأول، أبرزها رئيس الحزب الأسبق، أحد مؤسسيه؛ وهو جميل منصور.
وكان عدد من الشخصيات التي أعلنت عزمها الترشح للرئاسيات التقت بقيادة «تواصل»، وذلك من أجل الحصول على دعمها في الانتخابات بكونه يملك قاعدة شعبية كبيرة، والعدد الكافي من المستشارين البلديين والعمد لتزكيتهم.
غير أن الخلافات في الحزب حول دعم أحد المرشحين المعارضين جعلت المكتب السياسي يرفض هذا الخيار وإعلان دفع بولد سيدي المختار، وذلك من أجل تهدئة الأوضاع الداخلية وتجنب حدوث مشكلات تؤثر سلباً على وحدة الحزب.
وقال الحزب، في بيان: إن قرار ترشيح ولد سيدي المختار جاء تلبية للمطالب الجماهيرية العارمة في التغيير، وصنع مستقبل أفضل يستحقه الشعب الموريتاني الذي عانى كثيراً من تضييق على الحريات وغلاء المعيشة واستشراء الفساد على اختلاف تمظهراته.
لكن الأمين الوطني للإعلام والاتصال في «تواصل» نفي وجود خلافات داخل الحزب حول خياراته في الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن هذا القرار لم يأتِ كوسيلة لتجنب الخلافات الداخلية، ولفت إلى أنه لا توجد خلافات داخلية تذكر، بل هناك تدافع طبيعي للآراء من أجل الوصول إلى القرار الأمثل والأفضل لصالح الحزب والبلاد.
تداعيات ترشيح إسلامي
قيام الحزب الإسلامي بتقديم مرشح لأول مرة منذ عام 2029م أثار جدالاً ومناقشات حول أهمية هذه الخطوة، خاصة أن الرئيس الحالي قام بخطوات إيجابية في مجال حرية الصحافة، ويضع خططاً لحل مشكلة الفقر، وله شعبية معقولة، وترشحه التوقعات للفوز مجدداً.
وكان الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي انتخب في عام 2019م أعلن، في 24 أبريل 2024م ترشحه لولاية ثانية، إذ يسمح له الدستور بالترشح لولايتين رئاسيتين، وتقول «وكالة الأنباء الفرنسية»: إنه المرشح الأوفر حظاً للفوز.
فقد أبدى محللون ونشطاء خشيتهم من تكرار تجربة مصر حين ترشح د. محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين لأول مرة للرئاسة، وفاز فيها، وانتهى الأمر بصراعات وتولِّي الجيش السلطة، وأشاروا إلى حالة العداء العالمية ومن دول إقليمية لأي مرشح إسلامي، خصوصاً من الإخوان، والتخوف من تدخلات خارجية لهدم التجربة الموريتانية، لكن آخرين تحدثوا عن اختلاف الحالة الموريتانية عن المصرية.
الفريق الرافض لترشيح الإسلاميين أبدى مخاوف من أن تعود الانقلابات العسكرية لموريتانيا بعدما غابت منذ عام 2008م، مشيراً إلى أن قوى دولية وإقليمية تعارض وتحارب وصول جماعة الإخوان لحكم أي دولة بشكل حر في الانتخابات؛ خشية تأثير ذلك على مصالحها أو انتقال عدوى تصاعد نفوذ الإسلاميين لبلادها.
في أغسطس 2005م، قام الجنرالات العسكريين في موريتانيا بالإطاحة برأس نظامهم آنذاك، معاوية ولد سيد أحمد الطائع (حكم معاوية موريتانيا في الفترة ما بين عام 1984 حتى 2005م وكان نظامه قمعياً)، وأعلنوا عن نهاية الطغيان والفساد.
وأشرف الجيش حينها على مرحلة انتقالية أسفرت عن انتخابات نزيهة من الناحية الشكلية، ووصل من خلالها رئيس مدني يدعى سيد ولد الشيخ عبدالله إلى الحكم في موريتانيا.
ورغم أن هذه الانتخابات كانت نزيهة من الناحية الشكلية، فإن الجنرالات كان لهم الدور الأهم في وصول هذا الرئيس، فقد دعموه على حساب زعيم المعارضة الموريتانية التاريخي أحمد ولد داداه، واستطاعوا تفتيت المعارضة لذلك الغرض (الجنرال ولد عبدالعزيز، رئيس موريتانيا السابق، اعترف لاحقاً بدعم الجيش للرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله في الانتخابات).
وقد حكم الرئيس المدني سيدي ولد الشيخ عبدالله موريتانيا لمدة سنة ونيف، ثم جرت الإطاحة به من قبل قائد الحرس الرئاسي الموريتاني الجنرال محمد ولد عبدالعزيز في انقلاب، في 6 أغسطس 2008م، وذلك بعد أن قام الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله بإقالة الجنرال ولد عبدالعزيز من منصبه؛ الأمر الذي تتيحه له صلاحياته.
وقد رفضت المعارضة هذا الانقلاب وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات الرافضة له، لكن الأمر انتهى حينما اتفق الجيش مع المعارضة على توقيع اتفاق في العاصمة السنغالية، أفضى إلى انتخابات رئاسية في عام 2009م.
ولأن الجنرال المنقلب ولد عبدالعزيز كان في السلطة والجيش الموريتاني يدعمه وكل موارد الدولة وإداراتها مسخرة له فاز وشككت المعارضة في الانتخابات ونزاهتها، وحين هدأ الوضع قليلاً عاد ليتفجر بعد «الربيع العربي» عام 2011م لتدخل موريتانيا في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات.
وفي انتخابات عام 2019م الرئاسية لم يكن من حق الجنرال محمد ولد عبدالعزيز خوضها لانتهاء ولايته الثانية، وفق الدستور، لكن انتهى الأمر بالضغط عليه ومحاكمته وفوز الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الذي سيدخل المنافسة معه هذه المرة مرشح الإخوان المسلمين.