العبادات في الإسلام ليست مجرد مظاهر وشعائر يؤديها المسلم على مجرد أنها مفروضة عليه من ربه فحسب، بل هي الإذعان، والخضوع والامتثال لأوامر الله وإظهار العبودية له، والعبادات جانب مهم من جوانب الإسلام، تحمل في حقيقتها معاني كثيرة، وأخلاقيات حسنة، وفوائد اجتماعية عظيمة ومتعددة، تعود على المسلم والمجتمع كله بالخير العميم،
الحج موسم ومؤتمر، الحج موسم تجارة، وموسم عبادة، والحج مؤتمر اجتماع وتعرّف، ومؤتمر تنسيق وتعاون، وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة، كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة القريبة والبعيدة، أصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقاً رائجة، حيث تجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء من أطراف الأرض، ويقدم الحجيج من كل فجّ ومن كل قطر، ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم، يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد، فهو موسم تجارة ومعرض نتاج، وسوق عالمية تقام في كل عام، وهو موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته المحرم.
والحج بعد ذلك كله، مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة، مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل السلع والمنافع والمعارف والتجارب.
الحج ليس مجرد رحلة عفوية يبدّد فيها المسلم وقته وجهده وماله، ولكنه رحلة روحية إيمانية تتجلَّى فيها الفوائد والمنافع الخلقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وللحج أهداف عظيمة: امتثال لأمر الشرع، وهو شحنة روحية وعاطفية، وفرصة لتبادل المنافع التجارية، وهو بعد ذلك سلام ومساواة، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
وفي الحج منافع اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفيه التعاون والتكامل وشعور المسلم بأخيه المسلم، حيث تصفو النفوس وتزكو وتتصل بخالقها أيما اتصال، وفيه تكثر أعمال البر والخير والإنفاق والصدقة وتزداد، ولأهمية هذه الشعيرة ولمناسبة هذا الموسم أقدّم هذه الدراسة عن الحج، متناولاً ما يلي:
1- حكمة مشروعية الحج.
2- في ظلال قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة: 197).
3- في ظلال قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) (البقرة: 198).
4- في ظلال قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج: 28).
5- المدلول الاقتصادي للحج.
6- الهدي مشكلة وحل.
7- فلنستفد مِنْ هؤلاء.
أولا: حكمة مشروعية الحجّ:
لا شك في أن الله سبحانه بحكمته وعظمته اختار منذ خلق الإنسان هذا المكان الطيب الطاهر في مكة المكرَّمة، ليشرِّفه بخصوصية لم يفز بها أي مكان في العالم حين اختصه بأن يكون مقراً لبيت الله الحرام، ومحلاً لالتقاء وتجمَّع المسلمين والمسلمات من كل بقاع الدنيا، من الذين منَّ الله عليهم فوهبهم الاستطاعة التي تؤهلهم لشرف تلبية نداء الله فيقصدون هذا البيت العتيق.
قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران).
ونحن إذ نبتدر هذا القول الحكيم في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) نطمئن معه إلى قول مَنْ قال: إن أول من بنى هذا البيت هم ملائكة الرحمن، ذلك لأن لفظ «الناس» يطلق على آدم وذريته، ومعنى ذلك أن هذا البيت العتيق وضع قبل أو مع وجود أول إنسان في الأرض وهو آدم عليه السلام.
وقيل: إنّ هذه الآية جاءت رداً من الله تعالى على اليهود، حين قالوا: إنّ بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة، كونه في الأرض المقدسة ومهبط الأنبياء، فبيَّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ البيت الحرام بمكة المكرَّمة «البيت العتيق»، منبهاً لهم وللناس جميعاً بأنّ هذا أول بيت وضع للناس وأشرف بيت جعل للعبادة «هدى للعالمين».
ثانياً: في ظلال قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى):
يقول القرطبي في كتابه «الجامع لأحكام القرآن»: قوله سبحانه «وتزوَّدوا» أمرٌ باتخاذ الزاد، قال ابن عمر، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، نزلت هذه الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد، ويقول بعضهم: كيف نحج إلى بيت الله ولا يطعمنا، فكانوا يبقون عالة على الناس، فنهوا عن ذلك وأمروا بالزاد.
وقال ابن العربي: أمر الله تعالى بالتزود لمن كان له مال ومن لم يكن له مال، فقد خاطب الله أهل الأموال الذين كانوا يتركون أموالهم ويخرجون بغير زاد ويقولون: نحن المتوكلون، رُوي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ناس من اليمن يحجون بغير زاد ويقولون: نحن متوكلون بحج بيت الله، أفلا يطعمنا فيتوصلون بالناس وربما ظلموا وغصبوا فأمروا بالتزوّد وألا يظلموا ويكونوا كَلاً على الناس.
يقول أبو حيان رحمه الله في كتابه «البحر المحيط»: فعلى ما رُوِي من سبب النزول لهذه الآية، يكون أمراً بالتزوّد في الأسفار الدنيوية، والذي يدل عليه سياق ما قبل هذا الأمر وما بعده، وقيل: إنّ الأمر بالتزوّد هنا هو بتحصيل الأعمال الصالحة التي تكون للحاج كالزاد إلى سفره للآخرة.
وقيل: أُمِرَ بالتزوِّد لسفر العبادة والمعاش، وزاده الطعام والشراب والمركب والمال، وبالتزوّد لسفر المعاد، وزاده التقوى تقوى الله تعالى، فنخلص من هذا كله إلى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أمرٌ بالتزوّد في أسفار الدنيا.
الثاني: أنه أمرٌ بالتزوّد لسفر الآخرة.
الثالث: أنه أمرٌ بالتزوّد في السفرين، وهو الذي نختاره.
قال أبو بكر الرازي: احتمل قوله «وتزوَّدوا» الأمرين من زاد الطعام وزاد التقوى، فوجب الحمل عليهما إذا لم تقم دلالة على تخصيص أحد الأمرين.
ويستفاد من هذه الآية أمور، منها:
1- أن يكون زادنا إلى الآخرة اتقاء القبائح، فإنّ ذلك خير الزاد، فليس السفر من الدنيا بأهون من السفر في الدنيا، وهذا لا بد له من زاد، فكذا ذلك بل يزداد، وإذا كان زاد الدنيا يخلِّص من عذاب متقطع موهوم، فإن زاد الآخرة ينجِّي من عذاب أبدي معلوم.
2- إنّ في الآية ما يدل على أنّ القادر على استصحاب الزاد في السفر إذا لم يستصحب، عصى الله في ذلك، إذ فيه إبطال لحكمة الله تعالى، ودفع الوسائط والروابط التي عليها تدور المناهج، وبها تنتظم المصالح.
3- إنّ في الآية دعوة إلى التزوّد في رحلة الحج، زاد الجسد وزاد الروح، فقد جاء التوجيه إلى الزاد بنوعيه، مع الإيحاء بالتقوى في تعبير عام دائم الإيحاء، والتقوى زاد القلوب والأرواح.
ثالثاً: في ظلال قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ):
سبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز، وعكاظ متجراً للناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت الآية.
قال أبو حيان: سبب نزول هذه الآية، أن العرب تحرَّجوا لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية مثل عكاظ، وذي المجاز، ومجنة، فأباح الله لهم ذلك، قاله ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وعطاء.
ولقد ذكر المفسِّرون في تفسير قوله سبحانه: (أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) وجهين:
الأول: المراد هو التجارة.
الثاني: المراد أن يبتغي الإنسان حال كونه حاجاً أعمالاً أخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل الله ورحمته، مثل إعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع.
ويستفاد من هذه الآية أمور، منها:
1- أنّه من الممكن أن تقاس التجارة على سائر المباحات، من الطيب والمباشرة والاصطياد، في كونها محظورة بالإحرام، فلدفع هذه الشبهة نزلت (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ)؛ أي في أن تطلبوا (فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) عطاء منه وتفضلاً، أو زيادة في الرزق بسبب التجارة والربح بها.
2- إنّ في الآية إشارة إلى أنّ ما يبتغيه الحاج من فضل الله، مما يعينه على قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين، فهو محمود، وما يطلبه لاستبقاء حظه أو لما فيه نصيب نفسه، فهو معلول.
3- إنّ الشبهة كانت حاصلة في حرفة التجارة في الحج من وجوه، منها: أنّ الله سبحانه منع الجدال، وفي التجارة جدال، وأنّ التجارة كانت محرَّمة وقت الحج في دين أهل الجاهلية، يقول القرطبي: لما أمر الله سبحانه بتنزيه الحج عن الرفث والفسوق والجدال، رخَّص في التجارة، وهي من فضل الله المراد به في قوله: (أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ).
4- نزلت إباحة البيع والشراء والكراء في الحج، وسماها الله سبحانه ابتغاء من فضله، ليشعر مَنْ يزاولها أنه يبتغي من فضل الله، حين يتَّجر، وحين يعمل بأجر، وحين يطلب أسباب الرزق، أنه لا يرزق نفسه بعمله، وإنما يطلب من فضل فيعطيه الله، فالأحرى ألا ينسى هذه الحقيقة.
5- إنّه متى استقر في قلب الحاج إحساس بأنه يبتغي من فضل الله، وأنه ينال من هذا الفضل حين يكسب، وحين يحصل على رزقه من وراء الأسباب التي يتخذها للارتزاق، فهو إذاً في حال عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج، في الاتجاه إلى الله.
رابعاً: في ظلال قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ):
في هذه الآية مسائل، أهمها:
الأولى: أنّه تعالى لمَّا أمر بالحج في قوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (الحج: 27)، ذكر حكمة ذلك الأمر في قوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، واختلفوا في معناها، فبعضهم حملها على منافع الدنيا، وهي أن يتَّجر في أيام الحج، وبعضهم حملها على منافع الآخرة وهي العفو والمغفرة، وبعضهم حملها على الأمرين معاً وهو الأولى.
الثانية: إنما نكّر المنافع، لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة، دينية ودنيوية، لا توجد في غيرها من العبادات.
يقول ابن الجوزي في كتابه «زاد المسير»: والأصح مَنْ حملها على منافع الدارين كليهما، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإنما الأصل قصد الحج، والتجارة تتبع.
يقول الخطيب في كتابه «التفسير القرآني»: والمنافع التي يشهدها الوافدون إلى بيت الله الحرام كثيرة متنوعة، تختلف حظوظ الناس منها، فهناك منافع روحية تفيض من جلال المكان وروعته وبركته، وذلك بما يغشي الروح من هذا الحشر العظيم، الذي حُشر فيه الناس على هيئة واحدة في ملابس الإحرام مجرَّدين من متاع الدنيا، وما لبسوا فيها من جاه وسلطان، ولقد أحسن النسفي في تصوير هذه الفريضة، وفي عقد الشبه بينها وبين الحياة الآخرة، حيث يقول: فالحاج إذا دخل البادية، لا يتكل فيها إلا على عتاده، ولا يأكل إلا من زاده، فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة، وركب بحر الوفاة، لا ينفع وحدته إلا ما سعى في معاشه لمعاده، ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس به من أوراده.
وهناك منافع اقتصادية بجانب المنافع الروحية، ومن هذه المنافع:
1- يعتبر الحج مؤتمراً إسلامياً لحل مشكلات المسلمين الاقتصادية، حيث يفد إلى الأماكن المقدسة ملايين المسلمين من شتى بقاع العالم منهم العلماء المتخصصون في مجال الاقتصاد، فيكون ذلك فرصة طيبة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية لمناقشة مشكلات المسلمين الاقتصادية، في سبيل الوصول إلى التكامل والتنسيق الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
2- في الحج رواج اقتصادي للمسلمين؛ إذ يتسم موسم الحج بالرواج الاقتصادي لما تتطلبه السوق من سلع وخدمات لازمة لأداء مناسك الحج، فكم من ملايين الريالات تنفق على وسائل الانتقال وشراء المأكولات والمشروبات والملابس والإقامة والذبائح.
3- في الحج دعوة إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي، إذ في الحج دعوة لتطهير المعاملات بين الناس من الخبائث والموبقات من ربا واحتكار وغش، وتدليس وغرر وجهالة وأكل لأموال الناس بالباطل، كما أنّ الحاج عليه أن يتجنب الإسراف والتبذير والإنفاق الترفي، فالحج دعوة صادقة لتطبيق الاقتصاد الإسلامي على مستوى الدول الإسلامية.
4- منافع البُدْن والذبائح للفقراء والمساكين والمحتاجين في داخل الأماكن المقدَّسة وخارجها.
5- منافع التجارات والعمل وكسب المعيشة في أيام الحج، كما أباح ذلك سبحانه وتعالى، بحيث لا يكون القصد الأساسي والمطلب الرئيس هو التجارة.
خامساً: الهدي.. مشكلة وحل:
الهدي: يطلق على الحيوان الذي يسوقه الحاج أو المعتمر، هدية لأهل الحرم من غير سبب موجب، ويطلق على ما وجب على الحاج أو المعتمر بسبب موجب، كترك واجب أو فعل محظور، أو كالإحصار والتمتع، وهذا هو المراد في قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) (الحج: 63)، يقول القرطبي: وسمِّيت هدياً، لأنه منها ما يُهدى إلى بيت الله.
إنّ شراء الهدي والتقرب به إلى الله سبحانه يعتبر من أوضح أدلة التضحية بالمال، وهو تعبير صادق على اقتران القيم التعبدية الروحية، بالقيم الاقتصادية المادية في شعيرة الحج.
ولكن تكدس لحوم الهدي في منى مثلاً أيام النحر الثلاثة يعتبر مشكلة، تحتاج إلى حلّ، حيث هي عرضة للتعفن والتلف، ومن ثمَّ إلقاؤها إلى الحيوانات المفترسة، أو التصرف غير الاقتصادي، الذي لا يفيد المسلمين، بل يضرّ بهم وبفقرائهم ومساكينهم، وبالمستحقين.
ولذلك، طُرِحَتْ بعض الحلول للخروج من هذه المشكلة بحل سليم، يساعد في الإفادة من لحوم الهدي، وفي هذا الصدد يمكن أن تقدّم بعض التوصيات والتوجيهات للإسهام في حل هذه المشكلة، ومن ذلك:
1- تأسيس مؤسسة اقتصادية إسلامية تتولى هذه اللحوم وتصنيعها وحفظها في معلبات وإرسالها إلى مستحقيها من المسلمين في بلاد العالم الإسلام.
2- تولي حكومة المملكة العربية السعودية إنشاء ثلاجات كبيرة لحفظ هذه اللحوم بعد تنظيفها ثم تصديرها إلى الفقراء والمساكين والمجاهدين والمستحقين.
3- تعليم الحجاج أحكام الهدي، التي منها أنّ الحاج المفرد لا ذبح عليه، بل القارن والمتمتع فقط، ومن ثمَّ يجوز للمفرد أن يتصدق بقيمة الذبيحة، كما أنه يجوز أن يكون الذبح في منى ومكة أيضاً، وأصل ذلك حديث: «إنّ منى كلها منحر، وإنّ مكة وفجاجها منحر».
4- تكوين جمعية خيرية إسلامية تتولى مهمة الإشراف على جمع وتوزيع وتصدير لحوم الهدي للمحتاجين والفقراء والمساكين.
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية تسير بخطى متئدة، وخطوات ثابتة، وصولاً إلى أنجع الحلول وأفضل السبل، للإفادة من هذه اللحوم، وقد قامت بتوزيع وتصدير لحوم الهدي في السنوات الماضية، إلى البلاد الإسلامية المحتاجة، وإلى الفقراء، والمستحقين في بقاع العالم الإسلامي.
سادساً: المدلول الاقتصادي للحج:
في الحج مدلول اقتصادي كبير، ذلكم أنه فرصة للكسب المادي، الشرعي، والكسب الأخروي، فهو عبادة مالية وبدنية، وثوابها عظيم في الآخرة.
إنّ الحج مؤتمر إسلامي كبير تلتقي فيه الخبرات العالمية الإسلامية بمن فيها من صناع وتجار ومهنيين، وتلتقي أيضاً التخصصات، وبهذا تنتهز فرصة الحج، لا لهذا الغرض فحسب، بل تكون تابعة غير مقصودة، ولكنها في الواقع فرصة للدول الإسلامية ولأبنائها، حيث تنمو العلاقات الاقتصادية بين المسلمين، إذ يناقشون مشكلات الأمن الغذائي ومشكلات الاقتصاد بصفة عامة.
في الحج دورة تجارية جيِّدة، وموسم لازدهار الاقتصاد الإسلامي من جديد، وفي الحج انتعاش للمصانع، حيث يستهلك الحاج في كل ساعة من ساعات الموسم، فتدور المصانع، ويكثر الطلب، وبالتالي يزيد العرض، فيصبح للتجارة معنى جديد في هذه المشاعر المقدَّسة.
وفي الحج لقاء بين رجال الأعمال، وتعرّفٌ إلى منتجات كل البلاد الإسلامية، حيث تنقل هذه المنتجات من بلدة إلى أخرى، فيعرف الحاج والتاجر، ما تنتجه البلدان الإسلامية ويطلَّع التاجر عن كثب على المنتجين أنفسهم، والمسؤولين، وتدور بينه وبينهم الأحاديث التي تنفع الاقتصاد بعد الحج، ويكون هذا سبباً في ازدهار التجارة ونشاطها.
إنّ على التاجر أن يلتزم بآداب التجارة في الإسلام بين البلاد الإسلامية، وهذا فرض عين عليه وبخاصة في هذه المشاعر والمواقف، وليعلم أنّ الجالب مرزوق والمحتكر ملعون، وليعلم أنّ له الأجر من الله، حيث قرّب للحجاج ما يحتاجون إليه وجعله تحت سمعهم وأبصارهم، وأنه في هذا يسهم في قضاء حاجة المسلمين، فيقضي الله حاجته، فإن اصطحب الحاج هذه المعاني السامية في تجارته في الحج، فإنه إن شاء الله يضمن أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم،
سابعاً: فلنستفدْ مِنْ هؤلاء:
يعيش العالم الإسلامي اليوم في مرحلة مهمة من مراحل أيامه الفاضلة ألا وهو موسم الحج، الذي يعود كل عام على المسلمين، وفي كل عام يحج أناس جدد ومسلمون لم يسبق لهم أن حجوا يحجون، وفي حجهم تعليم لهم وتربية، جاؤوا من بلاد بعيدة ومن كل فجّ عميق، ليشهدوا منافع لهم، جاؤوا ليكتسبوا رضا الله جلّ وعلا وهم في أمن وطمأنينة، هذه الفئة المؤمنة الصادقة منها شباب ذوو خبرة وثقافة علمية وتقنية، ولهم اطلاع واسع على بلادهم وما جاورها.
فلماذا لا نستفيد من خبرتهم؟ في مجال الإعلام الإسلامي؟ إنّ على صحافتنا وهي، بحمد الله، تشارك في الحج بكل ما تملك من إمكانات مادية وبشرية، أن تجعل من الحج فرصة طيبة لمعرفة العالم الإسلامي، والتعريف والإعلام به، وينبغي أن تكثف في هذا الميدان ليكون التلاقي بين الشخصيات ذوي الثقافات المتعددة والمتخصصة، لأن في الحجاج أساتذة جامعات، ورؤساء أكاديميات، وأمناء مكتبات، ومديرو معاهد متخصصون ومسؤولون عن روافد الفكر في بلادهم، كل هؤلاء حقيقٌ بنا أن نطلع على ما عندهم فننقله إلى العالم الإسلامي عبر إعلامنا وصحافتنا.
ومن ثم نضيف رصيداً جديداً لصحافتنا الإسلامية، ويجري الإعلام بماء جديد تجمعه كلمة واحدة هي «لا إله إلا الله»، إنّ العالم الإسلامي وهو يشعر بالوحدة الإسلامية بالحج، ليسره أن يسهم كل مسلم بالتعريف بأرضه، وبجبال بلده وسهولها وبكل بقعة من بقاع العالم الإسلامي على هذه المعمورة.
ولعل هذه الفكرة أن تكون سهلة التنفيذ، أما مصادر المعرفة للصحفيين فإنها متوافرة، فمن الحجاج أنفسهم، ومن الأماكن التي تحتفظ بأسماء الحجاج، وخصوصاً المطوفين، وجهات أخرى، كلها أعتقد أنها على استعداد، لأن تجعل من موسم الحج مائدة فكرية للقارئ المسلم في بلادنا.
____________________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.