على ضفاف القرن الذهبي في عاصمة العالم «إسطنبول»؛ حيث روعة المكان وعراقة التاريخ، التقيت بأبي تميم، وهو صديق عزيز فرقت الظروف والأحوال بيننا ردحاً طويلاً من الزمن، وقد حظيت بحوار ماتع معه، ومما جاء فيه أن العلماء أثبتوا أن هناك علاقة وطيدة بين الاطمئنان النفسي والرضا وقوة مناعة الجسم ضد مما قد يعتريه من أمراض.
وقال، في أثناء حديثه: «يعني عبود لا يمرض»، فقلت له: أنتظر منك أن تكتب مقالاً بهذا العنوان «عبود لا يمرض»، ويبدو أنني سأسبقه في الكتابة خاصة بعد مضي أكثر من شهر على هذا اللقاء الرائع، وهنيئاً لمن كان له أصدقاء مثله يتفاكر معهم بما يفيد ويستنهضون فيه الهمم.
ولمن لا يعرف عبوداً، فإنه فتى غزي يعيش في جباليا، اشتهر في مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالاته المتميزة، ليتحدث كل مرة في دقيقة يتحدى فيها العدو الصهيوني المتغطرس، ويثبت فيها أنصار المقاومة خارج غزة! بكلامه الواثق عن إنجازات المجاهدين التي أذهلت العالم، وتخبط جيش المحتلين وما ذاقوه من أهوال في منطقة الشمال خاصة، كل ذلك وابتسامته اللطيفة الواثقة بالله عز وجل لا تفارق محياه كأنه خلق مبتسماً، يبرز لنا من وسط الدمار والخراب، وهو الذي يعايش أهوال التجويع والتدمير الممنهج في الشمال، يبرز في كل مرة -لولا ما تراه من ركام وحطام حوله- كما لو أنه يتحدث من منتجع صيفي هادئ جميل، فعلامات الرضا والسعادة ظاهرة في وجهه بلا تكلف، ويرسل رسائله الهادفة المختصرة بأسلوب ذكي ساخر تحسب من روعته أنه تخرج في أعرق كليات الإعلام في العالم.
ومن كانت هذه حاله -وهو في هذه السن المبكرة- فإننا نجزم أنه لن يتعرض إلى صدمات نفسية مطلقاً، بل إنه جدير بمعالجة من قد يحتاج إلى خبير نفسي يخفف عنهم من أهوال الحرب واضطراباتها، وما تحدثه من تأثير سلبي على نفسية من عانوا الفقد والحرمان، وافتقد الأمن والأمان.
«عبود لا يمرض»؛ لأننا نحسب أنه أيقن بموعود الله تعالى بقرب النصر على الرغم من شدة البلاء، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، قال محمد رشيد رضا في تفسير «المنار»: «أَمْ» هاهنا هي الواقعة في طريق الاستفهام، وهي تشعر بمحذوف دل عليه الكلام في وصف الذين خلوا من قبلنا وما نالوا من البأساء والضراء، كأنه يقول: قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا، أفتصبرون مثلهم على المكاره، وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان الله تعالى من غير أن تفتنوا في سبيل الحق فتصبروا على ألم الفتنة وتؤذوا في الله فتصبروا على الإيذاء كما هي سُنة الله تعالى في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان؟ (تفسير المنار، 2/ 238).
«عبود لا يمرض»، وكيف يمرض من تحقق من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» (رواه مسلم).
وعبود هو نموذج لكل مؤمن بأن العاقبة للمتقين، وبأن اليسر مع العسر، وأن انتظار الفرج عبادة.
وفي الختام نهمس في أذن عبود: واصل بث رسائلك فإنها بلسم للمؤمنين داخل فلسطين وخارجها، وإنها لترفع هرمون السعادة في أجسامنا كما يرفعه أبو عبيدة فينا بعد كل إطلالة.