للمنافقين دور كبير في هدم الدولة المسلمة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر، هذا ما بينه عبدالقادر طاش تركستاني، في مقاله المنشور على صفحات «المجتمع» في العدد (177)، في 27/ 11/ 1973م، بعنوان «دور المنافقين في المعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم».
ولكن رغم هذا الهول والكرب والشدة والضيق فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثابة الأمان المسلمين ومصدر الثقة والرجاء والاطمئنان.
المنافقون هم الذين يخافون القتال؛ لأن أعماقهم خاوية من الإيمان الحق، والشجاعة الكريمة.
أما المؤمنون الصادقون فيقدمون على المعارك بعزم صادق وصبر عند اللقاء.
أمتنا أجمعت- في روعة متناهية- على قتال العدو اليهودي في فلسطين المحتلة وما أن توقفت الحرب بغتة حتى هب المنافقون يطيلون ألسنتهم بكلام فارغ عن أيام الاستقرار والوداعة.. ويغرون الأمة بخفض سلاحها وإغماده استعداداً للصلح مع العدو.
هذا تخذيل للأمة.. وهي في حالة حرب.
ومن قبل فعل المنافقون مثل ذلك.
وهذا المقال الجيد يستعرض بعض مواقف المنافقين في الغزوات التي دارت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ما أن بزغت شمس الدعوة الإسلامية وعمت أنوارها الوجود حتى التف الأعداء حولها يكيدون لها ويحاولون القضاء عليها بكل ضراوة واستماتة.
وكان المنافقون- الذين أظهروا الإسلام بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم- أشد أولئك الأعداء خطرًا وأبعدهم أثرًا في حياة الدعوة، ذلك لأنهم كانوا يختلطون بالمجتمع المسلم ويندسون في الصف الإسلامي ويفعلون أفاعيلهم ويكيدون كيدهم- المغلف بحقدهم وحسدهم وضعنهم- وهم آمنون من أن يلومهم أحد.
وقد بدأت حركة النفاق الخطيرة بدخول الإسلام إلى المدينة المنورة واستمرت إلى قرب انتقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، ويصور ابن القيم رحمه الله خطورة المنافقين وأثرهم السيء على الإسلام وأهله فيقول: «فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه. وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه. وكم من عالم قد طمسوه. وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه؛ ليقتلعوها. وكم عموا عيون موارده بآرائهم؛ ليدفنوها ويقطعوها. فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية ويزعمون أنهم بذلك مصلحون «ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون» (۱)
«يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون» (۲)
كان للمنافقين دور خطير في معارك الإسلام الأولى تتراوح بين التخلف عن الجهاد وتخذيل المسلمين عن الخروج وبث الفتنة بينهم ونشر الأراجيف الكاذبة والدعايات المسمومة والشماتة من النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
وقد بدأت أعمالهم التخريبية بعد غزوة بدر الكبرى حينما علموا بانتصار المسلمين فتحركت في نفوسهم كوامن الحقد والحسد والبغضاء وأخذوا.. ينشرون الأراجيف قبل مقدم الجيش الإسلامي إلى المدينة فقال أحدهم: قد تفرق أصحابكم تفرقًا لا يجتمعون معه أبدًا.. قد قتل محمد وغالب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدري ما يقول؛ من الرعب. وكان زيد بن حارثه قد أرسله الرسول- صلى الله عليه وسلم- على ناقته؛ ليبشر أهل المدينة بالنصر فلما سمع أسامة بن زيد مقالة ذلـك المنافق ذهب إلى والده يسأله فلما تبين له الحق جاء إلى المنافق وفضح أمره قائلا: أنت المرجف برسول الله لنقدمنك إلى رسول الله إذا قـدم فليضربن عنقك، وقد رد عليه المنافق، إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه.
وهكذا انطلقوا في معظم المعارك الإسلامية يتبطون الهمم وينشرون الأكاذيب ويسعون بالفتنة «ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم المحيطة بالكافرين» (٣).
في غزوة «أحد»
كانت هذه الموقعة من أولى المواقع التي كشفت عن المنافقين وفضحت كثيرًا من مكائدهم ونواياهم. ولقد وضع المنافقون في هذه الغزوة خطة غادرة لإحداث الفشل في صفوف المسلمين. ويمكن تلخيص تلك
الخطة بما يلي:
ا – أيد عبد الله بن أبي بن سلول – زعيم المنافقين – الرأي القائل بأن يكون الدفاع عن المدينة من داخلها وأن يلتزم المسلمون دورهم ليحاربوا الأعداء المغيرين في السكك ومن فوق البيوت و الصياصي.
والظاهر أن المنافقين واليهود قد رأوا الفرصة سانحة للقضاء على الإسلام فرأوا أن يندسوا بين المسلمين فيكونوا بمثابة الطابور الخامس للمشركين فيحدثوا البلبلة والفتنة والكيد الغادر في صفوف المسلمين.
معا المنافقون واليهود
٢ – وعندما فشل ابن أبي بصدور أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة انتقل الى دور ثان من خطته فإذا بستمئة يهودي يجتمعون بسلاحهم تحت امرة ابن أبي ومعهم ثلاثمائة من اتباعه و أرادوا الانضمام إلى صفوف المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض اشتراك اليهود في الجيش ولو أنهم اشتركوا لاجتمعت في ذلك الجيش تيارات متناقضة ولفقد وحدته القيادية وروحه المعنوية وكانت مفاجأة غير متوقعة لابن أبي أن يرفض الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراك اليهود . ومع ذلك خرج ابن أبي بكتيبة المنافقين فقط وأدلجوا مع المسلمين إلى الشوط قريبًا من أحد حتى حانت صلاة الفجر وعند ذلك انخذل ابن أبي بتلك البقية وكر راجعًا إلى المدينة .
٣ – وأثناء رجوع المنافقين من أحد أراد ابن أبي أن يحدث فتنة في الصف الإسلامي فقال: ما ندري علام نقتل أنفسنا ارجعوا أيها الناس. وكادت الفتنة أن تقع فعلًا وذلك أن طائفتين من الأنصار وهم « بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج » هموا بالانصراف وكانوا جناحي المعسكر ثم عصمهما الله فظلوا في الجيش فذلك قوله تعالى ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (٤) (آل عمران : ١٢٢)
٤ – وبقي بعض المنافقين في الجيش واستمروا معه في القتال وكان بعضهم يطلق سهام القيل والقال والارجاف بالمفتريات ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ (آل عمران : ١٤٥) (٥).
وقد أرجف بعض المشركين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فهب بعض المنافقين ليقول: لو كان نبيا ما قتل فارجعوا إلى دينكم . ولكن تلك الأراجيف والمفتريات لم تزد المسلمين إلا صمودًا وتصميمًا على القتال وقالوا: ما تصنعون بالحياة بعده « يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم » قوموا فموتوا على ما مات عليه
٥ ـ وعندما رجع المسلمون من الغزوة شمت المنافقون واليهود أيما شماتة بما أصاب المسلمين لكثرة القتلى ولقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ثم شمتوا أكثر من ذلك لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من الأذى والجراح وصاروا يقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل .. تلك هي الخطوط العريضة للدور الهدام والموقف التخريبي الذي وقفه المنافقون في معركة أحد (٦)
في غزوة «بني النضير»
كانت هذه الغزوة في السنة الرابعة من الهجرة وكان سببها غدر بني النضير «وهم من اليهود» برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما دبروا أمرًا لاغتياله صلى الله عليه وسلم ومن معه في محلتهم وقد انتدبوا لهذه المهمة «عمرو بن جحاش بن كعب» ولكن الله ألهم رسوله ما بينت يهود من غدر فقام صلى الله عليه وسلم كأنما يقضي أمرًا ثم دخل المدينة وأمر المسلمين بالتهيؤ للحرب لظهور الخيانة من بني النضير وكان قد سبق هذا اقذاع كعب بن الأشرف « وهو سيد من سادات بني النضير » في هجاء رسول الله وتأليبه الأعداء عليه فأذن رسول الله لمحمد بن مسلمة في قتل ابن الأشرف فقتله وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم محلة بني النضير وأمهلهم ثلاثة أيام وقيل : عشرة .. ليفارقوا جواره ويجلو عن المحلة على أن يأخذوا أموالهم ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم.
دور المنافقين
أرسل المنافقون رهطا منهم إلى بني النضير فقالوا لهم : اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا معكم وإن اخرجتم خرجنا معكم . وهكذا نرى المنافقين يخونون المسلمين وينضمون إلى أعدائهم، ولكن الله يبطل كيدهم ويفضح أمرهم اذ لما بلغ الحصار ستا وعشرين ليلة يئس اليهود من صدق وعد المنافقين لهم وعلموا أنهم ﴿ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴾ (الحشر: ١٢) (۷)
وعند ذلك طلبوا من الرسول أن يجليهم ويكف عن دمائهم كما سبق جلاء بني قينقاع فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم فاحتملوا من أموالهم ما استطاعوا وكان الرجل منهم يهدم بيته فيحمله على بعيره أو يخربه حتى لا يقع في أيدي المسلمين وكان المسلمون قد هربوا – من قبل- وخربوا بعض الجدران التي اتخذت حصونًا في أيام الحصار. ويكشف القرآن الكريم عن طبيعة المنافقين فيقول ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ..﴾ (الحشر: ١٢-١٣) (۸)
ويضرب الله للمنافقين الذين أغروا إخوانهم اليهود بالثبات ثم تخلوا عنهم مثلا بحال الشيطان مع الإنسان يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير فيقول تعالى ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ (۹) .(الحشر: ١٦-١٧)
في غزوة «الأحزاب»
كان لليهود في تخريب الأحزاب وتأليبهم ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور رئيسي . فلقد قاموا بدعوة القبائل العربية لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين وكانوا يريدون من وراء ذلك الانتقام من المسلمين الذين أجلوهم عن المدينة، قدموا على قريش فحرضوهم على القتال قائلين: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم.
وجاءوا غطفان ندعوهم ومنوهم، فخرجت قريش وخرجت غطفان قاصدين يثرب للقضاء على الإسلام .
فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الخندق على المدينة وبعد فراغه من الخندق أقبلت قريش وغطفان وخرج اليهود حتى أتوا اخوانهم من بني قريظة – وكانوا قد وادعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعاهدوه – وما زالوا بهم يمنونهم و يعدونهم حتى استجابوا لهم فنقضوا عهدهم مع رسول الله .. وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف على المسلمين و ﴿زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ (۱۰) حتى كان ليلهم في الخندق نهارًا ولم يقدروا على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء .
وجد المنافقون في الكرب المزلزل والشدة الآخذة بالخناق فرصة للكشف عن خيبة نفوسهم و هم آمنون من أن يلومهم أحد.
وكان عملهم في هذه الغزوة يتلخص في الأمور التالية:
١ – الاستهزاء والسخرية من وعد الله والسعي بالفتنة: – فقد قالوا : كان محمد يعدنا أن نأكل من كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن نفسه أن يذهب إلى الغائط ! ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ (۱۱)
۲ – الخوف من القتال والجبن في النزال . ويصور القرآن الكريم ذلك في صورة مضحكة تثير السخرية فيقول: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ (الأحزاب: ١٩) (۱۲) وهم من شدة خوفهم وارتعاشهم لا يصدقون أن الاحزاب قد ذهبت ﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ﴾ (الأحزاب: ٢٠) (۱۳)
يا للسخرية .. إنهم يتمنون أن لو كانوا من أعراب البادية فلا يشاركون أهل المدينة في حياة ولا مصير .
٣ – الاستئذان في عدم القتال والرجوع إلى المدينة بحجة أن بيوتهم عورة للعدو متروكة بلا حماية والحقيقة غير ذلك ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ (١٤)
٤ – وفوق تخلفهم عن القتال واعتذارهم عن الجهاد بتلك الاعذار المشينة فهم يحرضون المؤمنين على ترك الصفوف والعودة إلى المدينة بحجة أن بيوتهم معرضة للخطر وراءهم ﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ (١٥)
﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (١٦) .
٥ – وبعد أن ذهب الخوف وجاء الأمن « خرجوا من الجحور وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش و انتفخت اوداجهم بالعظمة ونفثوا بعد الانزواء وادعوا في غير حياء ما شاء لهم الادعاء من البلاء في القتال والفصل في الأعمال والشجاعة والاستبسال » (۱۷)
قال تعالى ﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ (الأحزاب: ١٩). (۱۸) .
ولكن رغم هذا الهول والكرب والشدة والضيق فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثابة الأمان للمسلمين ومصدر الثقة والرجاء والاطمئنان ومن ثم قال المسلمون « هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا » وكان منهم « رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا » (۱۹)
وانتهت المعركة بأن ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ (الأحزاب: ٢٥)
﴿أَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾(الأحزاب:٢٦-٢٧) (۲۰) .
في غزوة «بني المصطلق»
جمع سيد بني المصطلق «وهم من اليهود» لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الرسول إليهم بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك فذهب واكتشف حقيقة نوايا يهود ثم اتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك . فخرج المسلمون لقتال بني المصطلق وخرج معهم المنافقون في كثرة لم يخرجوا قط في مثلها، وكان على رأسهم زعيمهم ابن سلول، وكان للمنافقين في هذه الغزوة دوران هامان كان لهما أثر كبير وبلبلة شديدة كادت أن تشعل فتنة مستمر لولا أن عصم الله المسلمين و فضح ألاعيب المنافقين .