كاتب المدونة: طارق الشايع
من السهل أن تكون خائناً في زمن تخشى فيه على لقمة عيشك.
فقد تبدو الخيانة في ظاهرها خيارًا سهلاً لأولئك الذين يرون فيها مخرجًا من أزمات الحياة اليومية، لكن الحقيقة العميقة هي أن هذه الخيانة لا تخرج إلا من نفوس مهزومة، تُباع فيها القيم والمبادئ بثمنٍ بخسٍ يُقاس بلقمة العيش، التي أصبحت كالحبل الملتف حول أعناقهم.
والسؤال المستحق هنا: كيف وصل الخائن إلى هذا المستوى من الانحطاط؟! والجواب: حين يُنتزع الإيمان من القلب وتدخل في قلبه الخشية والخوف على رزقه، تنخفض سقوف التطلعات وتتراجع القيم الأخلاقية إلى أدنى مستوياتها، هنا يصبح من السهل على هذه النفوس أن تبرر خياناتها، معتبرة أن الحفاظ على الكرامة والشرف رفاهية لا يمكن تحملها، فتصبح الخيانة وسيلة للبقاء، وإن كان هذا البقاء مشروطاً بالذل والانكسار.
والخيانة لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد إلى الشعوب والمجتمعات التي تخشى على لقمة عيشها، ففي لحظات الضعف والانكسار، قد تبيع الشعوب حقوقها وحرياتها مقابل وعودٍ كاذبة بالاستقرار والأمن الاقتصادي، صفقة قذرة، تبيع فيها الشعوب نفسها للظلم والطغيان وتفقد ما هو أغلى من الحياة نفسها؛ شرفها وكرامتها.
فالشرف والكرامة لا يُقدَّران بثمن، والحفاظ عليهما، حتى في أصعب الظروف، هو ما يجعلك مميزًا ومتفردًا.
إن السير في طريق الخيانة يعني قبول الإنسان بأن يعيش مهزومًا داخليًا، مشوهًا في نظر نفسه قبل أن يكون مشوهًا في نظر الآخرين، فمهما كانت المبررات التي يسوقها الخائن لنفسه، سواء كانت تحت وطأة الخوف أو الحاجة، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أنه اختار أن يبيع جزءًا من إنسانيته مقابل الأمان الزائف أو الفائدة المؤقتة.
أما أولئك الذين تقف لهم إجلالاً وإكباراً لمواقفهم، وأعني بهم الأبطال الحقيقيين الذين يواجهون أصعب الظروف بثبات وشجاعة، رافضين الانحناء أمام الإغراءات الرخيصة، أو بيع ضمائرهم مقابل فتاتٍ من الفوائد الدنيوية، فالكرامة عندهم ليست مجرد خيار، بل هي الضرورة التي تُكسب الحياة معناها وقيمتها، وتجعل الإنسان جديرًا بالاحترام والإعجاب.
وللخيانة صور وأشكال متعددة؛ منها ما هي خيانة شخصية بين طرفين؛ ومنها ما تكون خيانة لمجتمعه ودولته، ومنها ما يكون مرتبطاً بخيانة الأمة كلها، وهي من أبشع وأحقر وأقذر صور الخيانة، ومن أوجه خيانة الأمة هي خيانة منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المنبر الذي كان وما زال منارة للحق والهدى، فلا يجوز أن يُستغل لنشر الأكاذيب أو تحريف معاني الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، فإن ذلك يعد اعتداء صارخاً على مقام النبوة وخيانة للأمانة العلمية والدينية التي حملنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الخيانة كذلك استغلال منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطعن في الصالحين والأخيار والمجاهدين الذين يذودون عن شرف الأمة، فهي كما ذكرنا خيانة مزدوجة؛ خيانة للرسالة وخيانة للمرسَل، فالمجاهدون هم حماة هذا الدين ورافعوا لوائه، والطعن فيهم هو طعن في الأمة بأكملها، وتشكيك في حقها للدفاع عن شرفها وكرامتها.
هذه الخيانة ليست مجرد ذنب عابر أو خطأ يمكن تجاوزه، بل هي جريمة في حق الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، فهي تزرع الشك في النفوس، وتفسد الثقة بين الناس وحقهم في أن يحيوا كراماً، وتضعف الروح الجماعية التي لطالما كانت مصدر قوة الأمة وتماسكها.
المنبر هو مكان الشرف والكرامة، وهو المنصة التي تنقل منها تعاليم الإسلام إلى الناس، واستخدامه لنشر الزور والبهتان هو اعتداء على قدسية الرسالة وحرمة الدين.
لذلك، فإن حماية الأمة من هذه الخيانات تتطلب منا جميعاً أن نكون واعين ومدركين لأهمية الحفاظ على وحدة صفوفنا، والدفاع عن قيمنا ومبادئنا، والوقوف بجانب علمائنا ومجاهدينا، كما تتطلب منا أن نكون حريصين على صون منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي محاولة للإساءة أو التحريف، وأن نكون مدافعين عن الحق وعن الشرفاء الذين يذودون عن حمى الدين والأمة، فلا يجوز أن نسمح للخونة والمغرضين أن ينالوا من أمتنا أو يفرقوا بيننا، بل علينا أن نكون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضًا، في سبيل الله وفي سبيل الدفاع عن حقنا وشرفنا وكرامتنا.