يثير الاختلاف السُّني الشعبي بطريقة غير واعية مسألة إيران الطائفية ودورها في المنطقة، وحقيقة موقفها مع «طوفان الأقصى»، خصوصاً بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، رحمه الله، في طهران دون أي رد معتبر من إيران، وكذلك بعد تصريحات المرشد الأعلى خامنئي حول الصراع بين الجبهة الحسينية (عالم الشيعة)، والجبهة اليزيدية (عالم السُّنة)، إلا أن ردود الفعل من الكتلة الشعبية السُّنية تفاوتت فيها طريقة التعامل مع الموقف الإيراني ومصداقيته، وأقترح بعض القواعد والمسلَّمات لتوضيح أهمية التعامل بوعي مع ملف حدث «طوفان الأقصى»، ومن أهمها:
أولاً: إيران والطائفية:
1- إن إيران دولة طائفية وفق دستورها، وتسعى لنشر عقيدتها في العالم العربي بشكل خاص، وهي تملك مشروعاً للسيطرة على قيادة العالم الإسلامي مرسوماً ومدوّناً.
2- إن إيران تتعامل بمفهوم الدولة ذات السيادة الكاملة وليست تابعة، وإنما تتعامل مع الغرب والولايات المتحدة وروسيا والصين وفق تبادل المصالح.
3- لا يمنع التعاون المصلحي لإيران في مناطق من أن تصطدم مع تلك الدول في مناطق أخرى.
4- إيران تتعاون مع بعض الدول العربية وتتبادل المصالح معها، وهي في حالة صراع مع بعضها.
ثانياً: الكيان الصهيوني:
1- الكيان الصهيوني عدو ومحتل لفلسطين وينتهك كل الحقوق الإنسانية لإخواننا الفلسطينيين.
2- الكيان الصهيوني لديه مشروع ديني في المنطقة بتهويد فلسطين والتوسع لـ«إسرائيل الكبرى»، وهو العدو الأول والمخطط لكل المتغيرات الإستراتيجية في المنطقة العربية بالتعاون مع الولايات المتحدة والغرب.
3- «إسرائيل» دولة تتعامل بمنطوق المصالح، فتتعاون مع إيران وغيرها، وتتفاهم معها في بعض المناطق أو القضايا الإستراتيجية، بحيث لا تتعدى إيران على مصالح وسيادة «إسرائيل»، وتضمن «إسرائيل» وجود إيران المسيطرة على المناطق السُّنية في معادلة وتوازن تشرف عليها الولايات المتحدة.
4- «إسرائيل» تتصارع مع إيران في مناطق النفوذ وفق معادلة التدافع وليس تغيير المواقع.
ثالثاً: النظام العربي:
1- النظام العربي وفق نظام «سايكس بيكو»، وليس نظام سيادة جغرافية واحد، كما أنه ليس له مشروع متكامل، وإنما مستهلك بغير وعي في صراع بيني في مناطق عديدة (الصحراء الغربية – ليبيا – السودان – اليمن – الصومال – سورية – العراق..)، فهو ضعيف ولا يملك رؤية أو مشروعاً.
2- النظام العربي نظام تابع لإرادة الولايات المتحدة والمنظومة الغربية بمجمله، وهو ينفذ إرادة هذه الدول الكبرى أكثر من المصالح المشتركة العربية.
3- كل الدول العربية لا تملك قوة قادرة على تغيير الاحتلال الإيراني و«الإسرائيلي» بسبب الفرقة والأنانية الخاصة، وبالتالي لا يوجد مشروع لها في الجغرافيا بقدر ما توفره لها الدول الكبرى من حماية ودعم.
4- كل الدول العربية إلا القليل استسلم لأمر واقع الاحتلال «الإسرائيلي» والسلام والتطبيع، وفي الوقت نفسه الرضوخ للتوسع الإيراني في المنطقة.
5- غالبية الدول العربية تريد إنهاء المقاومة بشكل علني وصريح، والبعض من خلف الستار؛ ولذلك تساند بعض الدول العربية «إسرائيل» في مهمتها للقضاء على تيار المقاومة.
الحالة الجيوسياسية في المنطقة
1- استغلت إيران من جهة هذا الوضع فدعمت «الجهاد» و«حماس» في فلسطين من أجل مصالحها، ومن أجل إيجاد قوة مهددة لـ«إسرائيل» من داخلها.
2- تيار التطبيع العربي عمل العكس، وقفوا مع تيار معاهدة «أوسلو»، وبالطبع مع التطبيع، لذلك لديهم التزام بالوقوف ضد المقاومة.
3- هذا أوجد تعارضاً في الرؤية والمصالح والصراع بين العرب وإيران، فحدث الاختلال الكبير في مسار القضية الفلسطينية.
4- لم تجد «حماس» أو «الجهاد» أو المقاومة في فلسطين سنداً من العرب إلا من البعض كدعم إنمائي؛ لذا أصبحت المعركة بالنسبة لهم وجودية وصفرية، لذا اعتمدوا كلياً على الدعم الإيراني، وهي عملية وفق حساباتهم تدخل تحت باب تقدير المفاسد والمصالح.
5- لم تغيّر «حماس» والمقاومة عقيدتها السُّنية، وإنما غيّرت تحالفاتها بناء على تغير الواقع العربي والمصلحي، وتغير مواقع الأعداء والحلفاء والأصدقاء.
معركة «طوفان الأقصى»
لذلك عندما حدثت «طوفان الأقصى»؛ وهي حدث في إطار الديناميكية السياسية والعسكرية لا يغير من المعادلة الإستراتيجية الأساسية (وهو وجود مشروع إيراني ومشروع «إسرائيلي»)، هذا الحدث تكتيكياً أوجد جبهتين؛ جبهة غالبيتها إيرانية وشيعية تتلحف دعم المقاومة، وجبهة تدعم «إسرائيل» ومسار التطبيع معها، تعاونت «حماس» مع جبهة دعم المقاومة؛ لأنه لا خيار لها، وتعاونت دول النظام العربي (المسار التطبيعي) مع جبهة دعم «إسرائيل» وليس ضد النظام الإيراني بشكل مباشر، وإنما لإنهاء ملف القضية الفلسطينية وإنهاء المقاومة.
الموقف المطلوب
وهنا يجب أن تكون مواقف الشعوب الكريمة والمحبة لدعم المقاومة ونصرة القضية الفلسطينية ألا يتجاوز ما يلي:
1- دعم المقاومة الفلسطينية بالكلية، وعدم المساس بها، ولا بشعب غزة، لأنهم في حرب مع «إسرائيل» وحلفائها، وهو موقف شرعي عقدي لازم، ولا يملكون أي خيار غير التعاون مع إيران، لتوقف العرب عن دعمهم، بل بعض الدول ساهمت في مساندة «إسرائيل» في حصارهم وقتلهم.
2- بذل كل الوسائل للوقوف ضد الهيمنة «الإسرائيلية» ومشروعها.
3- بذل كل الوسائل المشروعة ضد مشروع التطبيع والخذلان العربي.
4- التحذير من المشروع الإيراني وخطره الإستراتيجي على الكتلة السكانية والحيوية السُّنية في المنطقة العربية دون الولوج في الخلافات الطائفية.