في خضم احتفالات الأمة بالمولد النبوي الشريف، نستعرض بعض أخلاق وسلوكيات النبي صلى الله عليه وسلم، احتفاءً به ولاتخاذه أسوة حسنة، حيث قالت السيدة عائشة حين سئلت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن» (أخرجه أحمد).
حين تدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سوف تجده يساعد أهله وفي خدمتهم، لا يستنكف وهو خير البشرية أن يقوم ببعض الأعمال بنفسه، وكما جاء عن الأسود قال: لقد سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: «كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة، قام إلى الصلاة» (رواه البخاري).
علاقته بخديجة ووفاؤه لها
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة وهو ابن 25 سنة، وكانت سنها 40 عاماً، ليشهد بيتها المبارك أعظم حدث عرفته البشرية منذ وجودها، حيث كان تصرفها ليلة نزول الوحي درساً يدرس لنساء الأمة والعالم لتكون أول من آمنت به، وأول من سجد لله بعد رسوله، وأول من صمد معه وهي المرأة التاجرة الغنية الكريمة التي يتمنى الجميع خدمتها لكنها اختارت بكامل إرادتها وعقلها الراجح أن تدخل في شعب أبي طالب لتعاني ما يعانيه المسلمون المستضعفين لتكون هي المرأة الوحيدة التي يبشرها جبريل ببيت في الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنِّى، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» (أخرجه البخاري ومسلم).
وبالتمعن في معاني حكايات بيت النبي الأول عليه الصلاة والسلام، يجد أن حب السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي كان حباً غير مسبوق، ثقة مطلقة في زوجها، فما الذي دفعها لذلك الحب وتلك الثقة رغم الفارق المادي بينهما كزوجين؟ كيف كان تعامل النبي عليه الصلاة والسلام معها كي يصل لتلك المكانة في قلبها وفي عقلها وهي المرأة الحكيمة العاقلة والتي لا يخدعها الرجال؟
السر في تقدير النبي عليه الصلاة والسلام لها، كامرأة، وكزوجة، وكأم لأبنائه رزق منها البنين والبنات، استشارته لزوجته في كل أمر، ولا ينسى التاريخ حين عاد بعد نزول الوحي عليه عائداً لحضن زوجته لا يثق بسواها، يلقي بهمومه لديها، يقدر دورها ومكانتها في قومها وتجارتها وحقها في المكسب وتشغيل العمال ومتابعة أعمالها فلا يطمع بها ولا يفكر أن يعطلها رغم كثرة الأولاد واحتياجات البيت.
كانت بحق شريكة له في كل أمر، فرأت فيه رغم فارق السن الرجل الذي يستحق من هي في مكانتها لتعطيه كل اهتمامها رغم انشغالها، وكل عاطفتها، وكل عقلها تؤازره حتى آخر لحظات حياتها، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمي عام وفاتها بـ«عام الحزن».
حين يغضب النبي من زوجاته
لم يكن هناك الكثير في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب الغضب أو الصراع الزوجي المعتاد بينه صلى الله عليه وسلم وبين زوجاته رضي الله عنهن، فكل أم من أمهات المؤمنين تزوجته كانت تعلم بمن تربط حياتها، إنها تتزوج من رجل هو سيد العالمين، ليس برجل دنيا، ولا برجل يبحث عن مال أو نفوذ، إنما هي زوجة سيد الأنبياء والمرسلين، لا يبغي إلا مرضاة رب العالمين.
في الصحيحين من رواية ابن عباسو، ثبت اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته وسبب الاعتزال ما وجد في نفسه عليهن، ففي رواية البخاري بلفظ: «ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن»، ورواية مسلم: «وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن».
وأما سبب غضبه عليهن فذكر بعض الرواة أنه بسبب إفشاء حفصة إلى عائشة سراً كان النبي صلى الله عليه وسلم استكتمها إياه، وقد ورد في صحيح البخاري: «فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة رضي الله عنهن».
وذكر آخرون أن سبب غضبه عليهن ثم اعتزالهن ما ورد من مطالبتهن إياه بالنفقة، وقد جاءت بذلك رواية جابر في صحيح مسلم، وقد وردت آيات الله تؤكد أن هناك خلافاً ما وقع بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين زوجاته، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يظلم إحداهن رغم غضبه، فإنه قد خيرهن كل واحدة على حدة بين أن تستمر معه على ما هو عليه، أو تفارقه بالمعروف ولها حياتها باختيارها الحر الخالص، فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً {28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب).
لقد أديرت الأزمة الحاصلة بحكمة، ورحمة، وعدل، فكل امرأة لها أن تتخير بحرية شكل حياتها، ولها أن تقبل ولا أن ترفض، فهي إنسانة حرة على أية حال حتى ولو كانت زوجة نبي، لكنهن جميعاً اخترن الله ورسوله دون قيد أو شرط أو وسيط بينها وبين زوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن مثله يمكن أن تبيعه زوجته من أجل سعة في الرزق أو المال؟ إنه الزوج الذي لا يفارَق أبداً.
في بيت عائشة
أي حب هذا الذي أحبه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها! وأي قلب حمله! وأي أخلاق حركته! وأي عظمة كانت طوع يديه! سيد الأنبياء يصرح بحب زوجته أمام قادة جيوشه، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أبُوهَا»، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا» (أخرجه البخاري).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة فتسبقه في الأولى ويسبقها في الثانية، فيتضاحك الزوجان ويقول لها: «هذه بتلك» (أخرجه أبو داود).