منذ دخول الطفل إلى المدرسة، غالباً ما يردد الوالدان على مسامعه كلمات تعبر عن أحلامهما في المستقبل، مثلاً نريد أن تكون طبيباً أو مهندساً، أو أن تكون ضابطاً، أو عالماً، أو لاعباً كبيراً، وغير ذلك من مهن ووظائف المستقبل.
يقول خبراء التربية: إنه من الخطأ فرض نمط وظيفي على طفلك، دون أن تعرف قدراته، أو أن تكون على اطلاع باهتماماته هو، وليس اهتماماتك أنت، ربما يريد شيئاً آخر، ربما يطمح إلى أن يكون مختلفاً عنك.
وتفيد الدراسات الحديثة بأن وظائف المستقبل تتغير، وستظهر وظائف جديدة خلال السنوات المقبلة، وستختفي وظائف أو يتراجع الاهتمام بها في سوق العمل، ولذلك لا بد من إعداد طفلك وفق معايير علمية، تجعل منه مؤهلاً لأكثر من وظيفة، ومتقناً أكثر من مهارة ولغة.
الخبيرة في تقنية التعليم كاثي دفيدسون، تؤكد في تصريح نقله موقع «كودا كيد»، أن 65% من الأطفال ستنتظرهم وظائف مستقبلية غير مألوفة، بالتزامن مع التطور التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، وثورة الروبوتات، وتطبيقات التواصل والاتصال الحديث، والطاقة البديلة، ووظائف التسوق الإلكتروني.
ولا شك في أن الجيل الجديد من الأطفال قادر على استيعاب الكثير من تلك التطورات، فقد تجد الطفل يجيد استخدام لعبة ما لا يعرف الوالدان القوانين التي تحكمها، وكثيراً ما تجد طفلاً على دراية بتطبيقات التواصل بشكل أكثر حرفية من أمه مثلاً، بل إن طفل اليوم يقوم بأداء مهارات ومهام على الحاسب الآلي، بينما لا يتقن الأب مثلاً التعامل مع حاسوبه الشخصي.
وينصح الخبراء، بالتوازي مع انطلاق العملية التعليمية خلال العام الدراسي الجديد، بتطبيق 5 إستراتيجيات بشكل عام، من شأنها تهيئة الطفل لوظائف المستقبل، وهي:
أولاً: حث الطفل على التعلم، وزيادة الشغف لديه بالمعلومات، وتنمية حب العلم لديه من خلال القراءة والكتابة والتحليل والاستكشاف والقيادة، إضافة إلى تقوية الذاكرة والذكاء والقدرات الخاصة، وليس فقط الوقوف عند المناهج الدراسية فحسب، بل تنمية مواهب طفلك، والنهوض بمهاراته، ورفع مستواه العلمي والذهني، وتزويده بالمعلومات، والخبرات اللازمة.
ثانياً: من المهم في وقت مبكر حث الطفل على الولوج إلى عالم التكنولوجيا وتقنية البرمجة، وتطوير مهاراته في الابتكار والاختراع، وتعزيز التفكير المنطقي لديه، وتعزيز مهاراته الإبداعية في حل المشكلات والتصدي للأزمات.
ثالثاً: تعزيز الثقة في النفس لدى الطفل، وعدم توبيخه، أو فرض إملاءات عليه، ومنحه الفرصة للتجربة، والخطأ، والتصويب، بما ينمي لديه الدافعية نحو الإيجابية والنجاح، والرغبة في الإنجاز، وعبور الصعاب، ومن الخطأ في هذا السياق، الخوف الزائد من فشل الطفل، فمن الطبيعي أن يخطأ، ويتعلم، ثم ينجح.
وينصح خبراء التربية في هذا السياق، بتعليم الطفل كيفية التعامل مع الصعوبات التي يواجهها، والنهوض بسرعة بعد الفشل أو التعثر، ومنحه فرصة أخرى للتجربة والتعلم وتحسين النتائج.
رابعاً: لكي تكتمل إستراتيجية الإعداد للمستقبل، من الضروري تنمية روح التعاون والعمل الجماعي لدى الطفل، وتشجيعه على المشاركة في الأنشطة الجماعية رياضية كانت أو ثقافية أو دينية، وتقبل النقد وآراء الآخرين؛ ما يثري لديه من قدرة التعلم من الآخر، والاستفادة من التجارب السابقة.
خامساً: إتقان القيادة، لأنها من ضروريات وظائف المستقبل، وهي عامل مهم في أداء الطفل، وتطور نموه الذهني والعقلي، وبالتالي تطور طموحاته وأحلامه، كما تعد بحسب الباحثين المتخصصين مؤشراً قوياً على الثقة في النفس، وقدرة الطفل على تحقيق إنجازات عدة.
هذه الخماسية من الركائز تمثل نهجاً علمياً يتجاوز مناهج الدراسة، بمعنى أن تلك الاستراتيجية يجب أن تساير الطفل كنهج تربوي بشكل عام، لأن كثيراً من الأسر تتوقف عند الامتحانات الشهرية والسنوية، وتغفل عن ضرورة الاهتمام بالعلم في حد ذاته، وجعله عملية مستمرة ومتواصلة، بشكل يحقق أفضل عملية استثمار في العنصر البشري، فما بالك إذن إذا كان هذا العنصر هو طفلك.