لكل أمة من الأمم هوية، ولكل هوية خصائص تتميز بها، وهي المنوط بها تقدم الأمم وتطورها، وبدونها تضيع وتفقد معنى وجودها واستقرارها.
والهوية ليست أمراً جامداً يتحدد مسبقاً، بل هي في الأصل عملية مستمرة تتشكل وتتغير بناء على العديد من العوامل المؤثرة على رأسها الثقافة السائدة، ونمط التربية إلى جانب تراكم الخبرات.
قد يسأل سائل هذا السؤال الذي يظن البعض أنه من البدهيات: لماذا ينبغي أن تكون لي هوية محددة؟ ولماذا تشغل الأمم نفسها بهذا الأمر؟
وللإجابة، نؤكد أن أهمية الهوية والاعتناء بها تكمن في كونها الموجه لسلوك الأفراد والجماعات نحو البناء والتعمير، وبدونها يصبح الإنسان فارغاً تابعاً مشتتاً تنازعه المتناقضات، وتستهويه التفاهات.
وفي حياة الأمم لا بد من وجودها حتى يكون لوجود تلك الأمم معنى وغاية وهدف.
ووحدة العقيدة ووحدة اللغة ووحدة التاريخ والموقع الجغرافي المترابط مقومات لا غنى عنها للهوية.
هل من ميزات إضافية لهويتنا الإسلامية؟
هويتنا الإسلامية فوق كل هوية؛ ذلك أنها تنتمي إلى الله خالق الكون ومدبر أمره، وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه.
هوية تنتمي إلى أعظم دين، وأشمل رسالة، فهي تستوعب حياة المسلم كلها، وتحدد له هدفه وغايته من الحياة، كما أنها مصدر عزته وكرامته؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: 8).
ورضي الله عن عمر بن الخطاب إذ يقول: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
واليوم مع ما يشهده العالم من صراعات وتنافسات حضارية وثقافية، ومع ما تواجهه الهوية الإسلامية من محاولات طمس مستمرة حتى لا يعود الإسلام قوياً على الساحة كما كان، وحتى لا تستيقظ الروح الإسلامية، فقد ذابت بشكل كبير ملامح الهوية الإسلامية للمجتمعات المسلمة وذلك بخلاف الأفراد، فهناك أفراد كثر متمسكون بهويتهم الإسلامية يدافعون عنها ويستمسكون بها.
إشكالات وتحديات
غير أن تجليات ضياع الهوية واضح بقوة في واقع كثير من المجتمعات التي تنتمي للإسلام؛ ومنها:
– أثر العلمانية التي تفصل الدين عن حياة الناس، الذي تجلى وانعكس في إضعاف الهوية الإسلامية.
– الهجوم المتواصل من دعاة التنوير على معالم الهوية الإسلامية في ظل ضعف الخطاب المناوئ لهذا الهجوم الكاسح، وهو الأمر الذي لم يعد بحاجة إلى إثبات أو دليل.
– توجه كثير من الشباب المسلم ناحية الثقافة الغربية في كافة مناحي الحياة.
والإشكالية الكبرى أن الشباب المسلم في حالة ضعف وتشتت واضح أمام الثقافات الأخرى التي تصطدم مع القيم والمبادي الإسلامية، والسبب الأبرز في حالة الضعف هذه غلبة الصفات والخصائص التي تتسم بها تلك الثقافات، ذلك أنها براقة وتتوفر فيها مقومات السيطرة الافتراضية.
وبخلاف ذلك، تجد دعماً قوياً من العديد من الجهات المعادية للإسلام، كما أنها ثقافة ممزوجة بالتطور العلمي والتقني المبهر المرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة استهلاكية مدعومة بقيم ورموز وأساليب مغرية ضمن منظومة الرأسمالية التي تجتاح العالم.
– كذلك من الإشكاليات التي تواجه مجتمعاتنا الإسلامية أن الثقافات الأخرى تجد بيئة خصبة في المجتمعات الإسلامية لنشر أفكارها وقيمها؛ ما يساعدها على تحريف القيم الإسلامية لتتماشى مع قيم تلك الثقافات العابرة.
وأهم هذه الأفكار إعلاء قيمة العقل بما يجعله الموجه الأول للسلوك، عدا عن ذلك فالمؤسسات التي ترعى العولمة تنفق بسخاء على وكلائها في المجتمعات الإسلامية لنشر الأفكار الهدامة التي تضعف ارتباط الشباب بهويتهم، بخلاف المراكز الثقافية وبعض المدارس الأجنبية والمؤسسات الخيرية التي تؤثر بشكل كبير في المنظومة الفكرية والتربوية والثقافية.
– أيضاً كان للإعلام المتبني للقيم المناهضة للقيم الإسلامية أكبر الأثر في إضعاف الهوية الإسلامية، لا سيما في ظل التراجع الكبير لعوامل التنشئة الأخرى من أسرة ومدرسة وأصدقاء ودور عبادة.
وقد أدى تطور الوسائل الإعلامية ووصولها إلى كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، بما يحمله من مضامين جذابة ومسلية إلى التأثير على المنظومة القيمية التي تحفظ للهوية مكانتها.
كما أن غياب القدوات والشخصيات القيادية وضعف المنظومة التربوية في المجتمعات الإسلامية تسبب في إحداث فراغ نفسي ومعنوي كبير لدى الشباب.
ويبقى السؤال كيف نجعل شبابنا يفتخر بهويته الإسلامية؟
أتصور أن البداية يجب أن تكون من الحفاظ على عناصر الهوية، التي تبدأ باللغة العربية وتنتهي بالعادات والتقاليد، إلى جانب تعزيز دور الإعلام بكل مشتملاته في نشر القيم الأصيلة التي ترتقي بالهوية الإسلامية، والعمل الفردي والمؤسسي المتواصل للحفاظ على التراث الثقافي، بما لا يمنع من التكييف مع المتغيرات العالمية.
إن المهمة ثقيلة اليوم على كل مسلم يعي حقيقة وجوده على ظهر هذه الأرض، إذ إن عليه في ظل المعطيات التي لا تخفى على أحد أن يبذل وسعه في التأكيد على الهوية الإسلامية والالتزام بمظاهرها، ومناهضة غيرها بالحجة والبرهان، والعمل على نشرها؛ لأنها مستمدة من دين قويم من رب العالمين.
ولئن كانت المجتمعات الغربية التي تبيح الشذوذ وتعارض الفطرة تفخر وتعتز بهويتها الممسوخة من كل خلق قويم وقيمة فاضلة، فحري بالمسلم أن يعتز بهويته المعتمدة على أصول ربانية والمتماشية مع الفضائل الراقية، والفطر السوية، والعقول السليمة.
وإذا كانت هناك صعوبة في العمل على مشروع تتباه الحكومات العربية والإسلامية يستهدف الحفاظ على الهوية الإسلامية، فإن رب الأسرة في بيته، والمدرس في مدرسته، والمثقف والداعية والإعلامي وكل فرد في المجتمع يتحمل المسؤولية أمام الله وأمام المجتمع، كل حسب استطاعته، في الحفاظ على الهوية الإسلامية بدءاً من التأكيد على أن القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة مصدران رئيسان للهوية الإسلامية قـال تعـالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {43} وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف: 43)، وقال نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه: «من تشبه بقوم فهو منهم»، مروراً بالاعتزاز باللغة العربية والحرص على استخدام أسماء عربية وإسلامية للأشخاص والمحلات التجارية وصولاً لمناهضة دعاة التغريب والساعين للانسلاخ من الهوية الإسلامية.