الهوية في المعاجم اللغوية هي: حقيقة الشيء التي تميزه عن غيره، وهي الخصائص والمميزات التي تحفظ الخصوصية للذات المَعْنِيّة، وعندما نتحدث عن الهوية الإسلامية فإننا نقصد بها: بيان ما تتميز به الأمة الإسلامية من حقائق وسمات لا يمكن لأمة أن تشاركها فيها، فالهوية الإسلامية تظهر في ذلك البناء الإسلامي المتميز للفرد والمجتمع والأمة، وفيما يأتي بيان أثر العبادات الإسلامية الكبرى في حفظ الهوية الإسلامية.
أثر الصلاة في حفظ الهوية الإسلامية
تبدأ الصلاة من الأذان، فهو وسيلة الإعلام بها، وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة، جلسوا يفكرون في وسيلة تساعدهم على معرفة وقت صلاة الجماعة، حيث كان بعضهم لا يحسن تقدير وقتها، فيأتي إلى المسجد قبل دخول الصلاة بوقت طويل، فتفوت مصالحه، أو بعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، فتضيع عليه الفضيلة في الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا شاقًّا عليهم، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يتشاورون فيما يفعلونه للإعلام بدخول وقت الصلاة.
فنظر الصحابة الكرام إلى الحلول المتوفرة في زمنهم، فاقترح بعضهم أن ينفخ في البوق مثل اليهود، واقترح بعضهم أن يستعمل الناقوس مثل النصارى، واقترح بعضهم أن يشعلوا نارًا، أو يضعوا رايةً وقت الصلاة، ولم تجد تلك الاقتراحات قبولًا عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الليل أرى اللهُ عبدَالله بن زيد رؤيا، فرأى كأن رجلًا أتاه فلقنه ألفاظ الأذان، فأسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالرؤيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها لرؤيا حق»، ثم أمره أن يلقِّن بلال بن رباح كلمات الأذان، لأن بلالًا كان أندى منه صوتا (أبو داود: 498).
أما الصلاة، فإنها تحفظ الهوية الإسلامية من خلال اجتماع المسلمين لأدائها في المساجد، فقد حث الإسلام على صلاة الجماعة في المسجد للرجال على الدوام، وحث الرجال ألا يمنعوا إماء الله مساجد الله، وفي صلاة العيد تخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى الصلاة بالإضافة لبقية الأصناف، إن إظهار هذه الشعيرة يحفظ الهوية الإسلامية في المجتمع ويدعم بقاءها وارتقاءها.
أثر الزكاة في الحفاظ على الهوية الإسلامية
أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفقر قرين الكفر، ففي مسند أحمد، عن أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ»، وقرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما؛ لأن الفقر يجر إلى الكفر، وقد شرع الإسلام الزكاة للفقراء حتى لا يجرهم الفقر إلى الكفر، ومن هنا كان للزكاة إسهام في حفظ هوية المجتمع، بحيث لا يبقى الفقير أسيراً لجوعه وبحثه عن كفايته من المال والطعام والشراب، فيكون ذلك عائقاً أمام حسن استقامته على طريق الله سبحانه وتعالى.
أثر الصيام في الحفاظ على الهوية الإسلامية
في الصيام تأكيد على الهوية الإسلامية بمخالفة الغير، فقد كان الصيام مفروضاً على الأمم السابقة، ومما يدل على هذا التميز ما رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وفي سنن أبي داود عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قال: حِينَ صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَنَا بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعِ»، إنها المخالفة لغير المسلمين، من أجل تمييز المسلم والمحافظة على هويته.
أثر الحج في الحفاظ على الهوية الإسلامية
تسهم عبادة الحج في ترسيخ الهوية الإسلامية وحمايتها، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على هدم الهويات السابقة على الإسلام، وخاصة الوثنية العربية وعاداتها، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الهوية الإسلامية، فقد كان بعض العرب يطوفون حول البيت عرايا دون ملابس، حيث كانوا يكرهون أن يطوفوا في ثياب عصوا الله فيها، فكانوا يخلعون ملابسهم فإذا انتهوا من الطواف ارتدوا تلك الملابس، ثم صنعت قريش ملابس مخصصة للحجاج، عبارة عن مآزر غير مخيطة، وكان من لا يقدر على شراء تلك المآزر يطوف عرياناً، وظلت تلك العادة موجودة حتى فتح مكة وحرمها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “«لَا يَطُوفُ بالبيت عُرْيَانٌ» (رواه البخاري).
ومن الأمثلة التي تدل على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على ترسيخ الهوية الإسلامية ما فعله من إبطال التميز الذي ادعاه بعض أهل مكة من أنهم لا يقفون مع الناس، بل سمّوا أنفسهم الحمس، وكانوا يقفون ببطن عرنة، فأمر الله تعالى بالإفاضة من حيث أفاض الناس، قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 199)، وروى مالك في الموطأ عن عبدالله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، إِلَاّ بَطْنَ عُرَنَةَ».
إن هذه الأمثلة المتعددة للعبادات تؤكد تأسيس الهوية الإسلامية في نفوس الأفراد ونظام المجتمع، بل إن شيوع العبادة في جميع جوانب الحياة يسهم في إظهار هذه الهوية وتعميمها، والانتفاع بها في صبغ المجتمع بصبغة الله، التي قال فيها عز وجل: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة: 138).