نتعرض في هذا المقال لعدد من المفاهيم المهمة الخاطئة؛ التي مع هذا وبكل أسف شائعة بين قطاعات عريضة في مجتمعاتنا؛ مع الأخذ في الاعتبار أنها نقاط منفصلة؛ لا ينظمها سوى رابط واحد؛ أنها جميعاً مغلوطة وشائعة وتحتاج إلى مراجعة.
1- «لا اجتهاد مع وجود نص»:
قاعدة فقهية ظُلمت كثيراً في واقعنا الحالي بسبب إساءة فهمها، أو لأسباب أخرى! إذ إن هناك من يفهم هذه القاعدة خطأً على أنها تلغي دور العقل تماماً، ويخلطون بين مفهوم «الاجتهاد» كمصطلح فقهي له حدوده وضوابطه؛ الذي يعني ببساطة البحث عن حكم شرعي لمسألة لم يرد فيها حكم فعلاً في نصوص القرآن الكريم وصحيح السُّنة المطهرة، وما يمكن أن نطلق عليه «إعمال العقل» بشكل عام، فهم يفهمون عدم جواز الاجتهاد في هذه الحالة على أنه وقف إعمال العقل تماماً، والحجر عليه، وتنحيته جانباً.
في حين أن وجود نص يحمل حكماً ما لا يلغي إعمال العقل الذي عليه أن يتأكد أولاً من صحة النص وثبوته فعلاً إذا كان من السُّنة النبوية، ثم يفسره ويحدد دلالات ألفاظه بدقة، ويعيّن ما إذا كانت دلالته قطعية أو ظنية.. إلخ، ومن ثمّ يُسقطه على الواقع بشكل صحيح، سواء كان نصاً قرآنياً أو من السُّنة النبوية.
فضلاً عن أن الشرع الحنيف يفتح باب الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص؛ كمستجدات الحياة التي تتوالى عبر العصور بلا انقطاع، على أن يقوم بهذا أهل العلم الثقات المؤهلون، وأن يكون الاجتهاد بضوابطه وآلياته التي تواضع عليها العلماء؛ أي أن المنهي عنه هو العمل على وضع حكم بشري لمسألة ورد بشأنها نص ديني يحمل حكما، لا أكثر.
2- «الهداية من الله»:
دائماً نردد أن الهداية والتثبيت من الله، وهذا حق بلا ريب، لكن كيف؟ هنا المشكلة.
يتصور البعض أن الله تعالى يختار بعض الناس لهدايتهم أو تثبيتهم على طريق التقوى والخير والفضائل، أو العكس؛ فقط لأن الله تعالى يريد هذا، ودون تعليق الأمر ابتداءً على إرادة الإنسان وعمله وتوجهه، وهذا خطأ بيّن؛ فالله تعالى يهدي هذا أو يُضل ذاك بناءً على رغبة الشخص نفسه وإصراره وسعيه؛ إيجاباً أو سلباً، يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69)، كما يقول عز وجل: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القلم: 7).
فليست الهداية منحة مجانية أو انتقاء بلا معايير، وكذلك الإضلال، ونسوق مثلاً لتوضيح الأمر فقط؛ مع الفارق في التشبيه، ولله المثل الأعلى: الأمر أشبه بمسابقة يشترك فيها جميع أهل القرية، بحيث يقفون أمام قمة شاهقة، وفي ذروتها الخير كله، غير أن صعودها وعِر من أولها إلى آخرها، بحيث يمكن لأي إنسان الوصول بجهده الفردي إلى نقطة معينة فقط وبعد جهد شاق، ولنسمها النقطة (أ)؛ بينما لا يمكنه الوصول إلى ذروتها بجهده أبداً، ولنطلق على نقطة الذروة النقطة (ب).
هنا تُعلن الجهة المنظِّمة للمسابقة أن من يجاهد ويحاول ويكرر المحاولة بإصرار وعزم ومشقة حتى يصل إلى النقطة (أ)، فستحمله رافعة عملاقة تابعة لها إلى الذروة النقطة (ب).
3- «يسألونك عن الموسيقى»:
يرى بعضنا أن الاهتمام بالموسيقى؛ إنتاجاً واستماعاً وتأملاً واستمتاعاً؛ هو أحد مستلزمات الحياة العصرية ومقومات النجاح فيها، فالموسيقى في نظرهم قرينة الروح الشفافة والقلب النقيّ والنفس الوثّابة المتوازنة المحبة للحياة الرافضة للكراهية والبغضاء وسائر ألوان الشر! في حين أن كل من لا يتذوق الألحان، وتطربه الأوتار فهو فاسد الذوق، سقيم النفس، سوداوي الرؤية والمزاج، عقيم الفكر، واهن الروح، كما أنه حتماً أقرب إلى دائرة العنف والتطرف والكراهية!
وفي رأينا أنه بغض النظر عن الحكم الشرعي في الموسيقى أياً كان، على أهميته طبعاً، لكنه متروك لذوي العلم الشرعي وأهل الفتوى، فلم يصل إلينا أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يستمعون إلى الموسيقى، أو على الأقل كانوا يداومون عليها، فهل كانوا أقرب إلى دائرة الكراهية والتطرف؟! كما أن هناك عظماء معاصرين لم يكونوا يستمعون أو على الأقل يداومون على الاستماع للموسيقى، فهل هؤلاء متطرفون؟! ألم ينجحوا في حياتهم دون الارتباط بالموسيقى؟!
ليس هذا سوى انبهار أعمى بالثقافة الغربية المعاصرة؛ أدى إلى اللهاث والانجرار دون وعي خلف منتجات هذه الثقافة والقول بما يقوله أهلها والعمل بما يعملون به، سواء أكان حقاً أم باطلاً، ضرورياً أو هامشياً.
ثم، أليست الشعوب الغربية من أكثر سكان الأرض إنتاجاً للموسيقى واستماعا لهاً؟ ورغم هذا فقد احتلوا معظم بلدان العالم خارج دائرتهم ونهبوا ثرواتهم وأذلوهم وانتهكوا أعراضهم وأذاقوهم شتى ألوان العذاب! كما أن الغربيين هم من أوشكوا على تدمير العالم كله في الحربين العالميتين التي راح ضحيتهما عشرات الملايين.
ونلخّص القول:
– هل الاستماع إلى الموسيقى من شروط التقدم والرقيّ أم لا؟ لا.
– هل يمكن للإنسان أن يكون مُرضياً لخالقه، هانئاً في عيشه، ناجحاً، راقياً، مهذباً، متحضراً، مرهف الشعور دون أن يستمع إلى الموسيقى أو يهتم بها؟ نعم.
4- «الخيانة الزوجية»:
«الخيانة الزوجية» من المصطلحات الغربية التي ترتبط بثقافة أهلها وخلفيتهم الدينية وسياقهم الحضاري وحملته رياح الخواء الديني والثقافي والإعجاب بالآخر حدّ التيه إلى مجتمعاتنا؛ لتغرسه في بيئة غريبة عنه وغير صالحة لاستنباته، اسمها الحقيقي «الزنى»، وعقابه منصوص عليه في القرآن الكريم والسُّنة النبوية.
وحين نتأمل المصطلح الغربي نجده يحصر القضية في دنيا الناس وفيما بينهم على الأرض، بينما المصطلح الشرعي يربطها بالسماء قبل كل شيء، فليست مجرد كلمات أو مصطلحات إذاً.
5- «الدين يُسر، لا عُسر»:
يعتقد البعض أن جملة «الدين يسر، لا عسر» تعني أن الله تعالى قد أنزل الدين وترك لنا مهمة تيسير أحكامه، وهو مفهوم خاطئ بالكلية، فهذه الجملة هي وصف للدين كما أُنزل من عند الله، وليست أمراً لنا أن نُيسّر أحكامه، فالدين قد نزل من عند المولى سبحانه ميسَّراً.