دستور الاحتلال هو أصل المشكلات الذي أوصل العراق لما هو عليه الآن ويجب إنهاؤه
لقد حاول «المالكي» اقتلاع أهل السُّنة من العراق ولكنه كان واهماً
ثورة أهل السُّنة.. ثورة شعب وتزداد اتساعاً مع الأيام
دستور الاحتلال هو أصل المشكلات الذي أوصل العراق لما هو عليه الآن ويجب إنهاؤه
ما يمر به العراق اليوم، وسنوات الظلم والقهر التي عصفت بالمكون السُّني من أبناء هذا البلد أتت أكلها من خلال الثورة التي انتفضت في المحافظات السُّنية.. ما مستقبل هذه الثورة؟ وهل العراق مقبل على التقسيم؟ وما واقع سُنة العراق اليوم؟ وما موقف المرجعية الشيعية التي كرست واقع التقسيم المذهبي والطائفي بعد فتواها التي أصدرتها؟ هذه الأسئلة وغيرها في هذا الحوار مع فضيلة الشيخ د.حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق.
* كيف تنظرون إلى ما يحدث في المحافظات السُّنية في العراق؟ هل هي ثورة أم أنه إرهاب كما كان يدعي «المالكي»؟
– ما جرى ويجري في العراق هو ثورة شعبية ضد ممارسات «المالكي» (رئيس الحكومة المنتهية ولايته) وحزبه (حزب الدعوة) الإجرامية ضد أبناء الشعب العراقي المعارضين لهذه السياسات الطائفية الاستبدادية، ولاسيما أهل السُّنة في العراق، فمنذ أن تولى «المالكي» رئاسة الوزراء في عام 2006م، وهو يستخدم كافة المسؤوليات الموكلة إليه ضدهم تحت ذريعة الإرهاب، مغيباً مئات الآلاف منهم في السجون رجالاً ونساء، وقاتلاً ومهجراً مئات الآلاف الآخرين، متوهماً أنهم بصبرهم وتحملهم قد وصلوا إلى حد لا يستطيعون فيه الدفاع عن أنفسهم، وأنه يمكن القضاء عليهم واقتلاعهم من العراق كما توهم، وقد استغل فرصة خروج أهل المحافظات الست في تظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم وكف الظلم الواقع عليهم لمدة عام كامل؛ للتشكيك في نواياهم، وعدّ مطالبهم غير مشروعة.
وتطور الأمر بالاعتداء على ساحات التظاهر والاعتصام في الحويجة، ومسجد سارية في بعقوبة، والفلوجة، وارتكاب مجازر دموية فيها، وأخيراً تمت مهاجمة ساحة العزة والكرامة في الأنبار بتاريخ 30/12/2013م، وقام أبناء الساحة بالدفاع عن أنفسهم واستمرت المواجهات عدة أيام لتتحول بعدها إلى ثورة واسعة، مازالت مستمرة إلى الآن وتتسع مع الأيام.
* هل قمتم بجهود دولية لتوضيح حقيقة ما يجري في العراق، وهو نتيجة للحيف والظلم الذي حاق بسُنة العراق منذ 11 عاماً؟
– نعم، وهذا أحد واجباتنا الأساسية التي نتحرك عليها منذ بداية الاحتلال وحتى الآن، وقد قمنا باتصالات كثيرة وشاركنا في مؤتمرات وندوات وفعاليات كثيرة جداً على مدى السنوات الماضية في مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن رسائلنا المباشرة للمنظمات الدولية والتجمعات الإقليمية والدول الفعالة والمؤثرة في الملف العراقي، كما استقبلنا في مقرنا في بغداد ومكاتبنا في الخارج وفوداً رسمية لكثير من الدول والمنظمات الدولية لشرح حقيقة ما يجري في العراق، وآخر جهد في هذا المجال كان المشاركة في اللقاء العراقي في لندن الذي ضم مجموعة من الشخصيات العراقية الممثلة للقوى الوطنية، وطرحت فيه وجهات نظرها في مجلس العموم البريطاني مع عدد من اللوردات والنواب البريطانيين.
* هل تعتقدون أن هذه الثورة انحرفت عن مسارها في ظل محاولات لبعض القوى المتشددة السيطرة عليها بجانب الحديث عن عودة للبعثيين لتسلم زمام الأمور من جديد؟
– الثورة ثورة شعب، وهي ماضية في تحقيق أهدافها وإن اكتنفتها بعض المعوقات والعراقيل، والخوف من محاولات سرقتها أو التجني عليها أو انحراف مشروعها، ولكنه لا يعني تركها تسير هكذا بدون ترشيد، أو الخضوع والقبول بواقع العراق، والرضا بفتات العملية السياسية التي هي أصل مشكلات العراق بعد الاحتلال.
* لو دعيتم من قبل أطراف دولية وعربية وعراقية للمشاركة الآن على مائدة التفاوض برعاية دولية لوضع حل للمشكلة العراقية هل ستوافقون؟
– تفاوض مع مَنْ؟ السؤال غير مكتمل، ولكن أقول: سبق لنا أن حضرنا مؤتمر «الوفاق» في القاهرة في عامي 2005 – 2006م، وأثبتنا فيه عدم جدية كل عملية ترقيعية للعملية السياسية، وأحبطنا محاولات جرّ رِجْل القوى المناهضة للاحتلال لدخول العملية السياسية، كما أن الموجودين في بغداد لا يملكون من أمرهم شيئاً، والمستقبل هو الكفيل ببيان ما ستؤول إليه الأمور في بغداد، وهل سيكون هناك تفاوض أم لا؟ ومع مَنْ سيكون؟
* إذا ما انتهى الأمر إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، هل أنتم مع ذلك؟ وإن كنتم ترفضون التقسيم ألا تعتقدون أن من حق السُّنة بعد كل ما جرى أن يعيشوا في إقليم بسلام بدلاً من وطن موحد شكلاً، ولكنه أصبح مقبرة وسجناً كبيراً لهم؟
– هذا افتراض، وأنا أسأل: هل سيأمن أهل السُّنة فعلاً على أنفسهم في الإقليم المفترض؟ والقضية ليست مفاضلة بين إقليم يحمي ووطن موحد لا يحمي، وإنما بين واقع غير صحيح ومستقبل منشود، والإقليم أحد الحلول التي يطرحها بعضهم، وهو في تصورنا حل قاصر؛ لأنه لن ينهي المشكلة وسيضع من يطالبون به من أهل السُّنة في مشكلة أخرى وهي الخلاف بينهم داخل الإقليم ومعاناة وظلم ما تسمى الحكومة المركزية التي ظنوا أنهم سيخلصون من شرها باختيارهم الإقليم.
ولكني أرى أنه مهما كانت الظروف والمتغيرات؛ فإن وحدة العراق ليست في خطر في المحصلة النهائية، ولا عبرة بالمتغيرات الوقتية الطارئة على فرض حصولها؛ فوحدة العراق واقع ضحّى من أجله الآباء والأجداد بأرواحهم وما يملكون، وخاصةً في هذا الوقت الذي كثر فيه القيل والقال عن الفيدراليات والأقاليم، التي تعد الخطوات الأولى للتقسيم المراد فرضه واقعاً من عدة جهات بناء على أسس طائفية أو عرقية، وعلى هذا فإن كل من يطالب أو يدعو إليه من العراقيين شيعة وسُنة، فإنه يروّج لمشروع تقسيم العراق، فإن كان جاهلاً بخطورة ما يروّج له ويدعو إليه فليتوقف عن ذلك ويستغفر الله تعالى عما بدر منه، وإنْ كان عالماً بخطورة ما يدعو إليه شرعاً وقانوناً وواقعاً، حالاً ومستقبلاً، فعليه أن يتحمل المسؤولية؛ الشّرعية والتاريخية لدعوته هذه.. ثم إذا حصل الإقليم – لا قدر الله – فسيكون أكبر الخاسرين هم أهل السُّنة؛ لأسباب عديدة ليس هذا أوان عرضها وتفصيلها.
* ألم تحِن الفرصة لتوحد كلمة السُّنة في العراق والخروج بقرار موحد؟
– نحن مع وحدة السُّنة؛ لأنها ضمانة وحدة العراق، ولأنها ضمانة لحماية جميع المكونات وفي مقدمتهم السُّنة الذين تعرضوا للأذى الشديد منذ الاحتلال وإلى اليوم، ولكن ليس كل ما يطلب يتحقق، وعلينا أن نسعى لذلك ما استطعنا، مع ملاحظة أن موضوع الوحدة فيه تفصيل؛ فالسُّنة فيهم كثير ممن هم في حكومة «المالكي» ومعها، ومن السُّنة من يقاتل إخوانه السُّنة الآن في الأنبار وصلاح الدين وغيرهما، إذ إن أحد أسباب تأخر حسم المعركة في الرمادي هو حلف الغادرين (الصحوات الجديدة وامتداداتها القديمة من أبناء السُّنة) التي هي جزءٌ أساسي من بعض المكونات السياسية السُّنية في العملية السياسية، فضلاً عن ضباط الجيش وقياداته من السُّنة الذين يقاتلون ضد أبناء جلدتهم بحجة الإرهاب.
والوحدة ينبغي أن تكون على أسس سليمة تحفظ لهذا المكون أسباب بقائه، وقد دعونا عدة مرات للقاءات وبذلنا جهوداً كبيرة في هذا الصدد، ولكن الصدود من بعض الأطراف السياسية المستفيدة من هذا الوضع حالت دون ذلك.
* أخيراً ما تصوراتكم للمرحلة المقبلة؟ وكيف يمكن الخروج بحل لهذه الأزمة؟ وكيف سيكون واقع العراق؟ وما الحل برأيكم؟
– هذه أربعة أسئلة يلخصها جواب واحد؛ وهو العمل على إنهاء العلمية السياسية بالاستفادة من معطيات الواقع، وتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد – بعد انتصار الثورة – لحين إجراء انتخابات بمحددات معلومة ومضمونة، وقبل ذلك إلغاء دستور الاحتلال الذي هو أصل المشكلات التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن.