كان لوسائل الإعلام الفلسطيني المختلفة دور كبير في رسم لوحة الانتصار جنباً إلى جنب مع المقاومة المسلحة
الكثير من الصهاينة كانوا يشاهدون “الأقصى” لأنهم يعلمون أن إعلامنا لديه مصداقية ومهنية وموضوعية أكثر من إعلامهم
الرسالة التي أرادت “الأقصى” إيصالها للعالم ترتكز على محور المظلومية وإظهار المعاناة ومحور تعزيز المقاومة
رغم محدودية الإمكانيات فإنها استطاعت أن تنقل الصورة الحقيقية لما يدور من أحداث في الساحة الفلسطينية في ظل غياب الرواية الصحيحة
كان لوسائل الإعلام الفلسطيني المختلفة دور كبير في رسم لوحة الانتصار جنباً إلى جنب مع المقاومة المسلحة, حيث كان رجال المقاومة في الميدان يصدون العدوان بأسلحتهم وذخيرتهم, وكان الصحفيون والإعلاميون يقومون بدورهم في رفع معنويات المواطنين والشد من أزرهم, وكذلك بث ونقل العمليات البطولية وإنجازات رجال المقاومة، ولم ينسوا أن ينقلوا للعالم المجازر التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق الأطفال والمدنيين، وهذا يدل على التخطيط الجيد والمدروس لنقل الأخبار وتغطية للحرب.
وكانت قناة “الأقصى” الفضائية أبرز تلك الوسائل في نقل الأخبار، حيث استطاعت أن تحقق أعلى نسبة مشاهده على المستوى المحلي والعربي.
“المجتمع” التقت مديرها العام المهندس محمد ثريا الذي أكد أن فضائية “الأقصى” رغم محدودية الإمكانيات فإنها استطاعت أن تنقل الصورة الحقيقية لما يدور من أحداث في الساحة الفلسطينية، في ظل غياب الرواية الصحيحة عن شعوب العالم، وخاصة الشعوب الأوروبية؛ بسبب الآلة الإعلامية “الإسرائيلية” الهائلة في تزوير الأحدث، وإظهار أن الشعب الفلسطيني هو من يعتدي وهو من يمارس الإرهاب.
وبين م. ثريا أن الرسالة التي أرادت قناة “الأقصى” إيصالها للعالم كانت ترتكز على محورين؛ وهما: محور المظلومية وإظهار المعاناة والألم الذي يكابده الشعب الفلسطيني، وكذلك محور تعزيز المقاومة، وإبراز الوجه الجهادي الرائع للأبطال من شعبنا الفلسطيني بمختلف فصائله.
ولفت م. ثريا إلى أنه بعد هدم المقرين الرئيسين للقناة، فإنهم يعملون الآن في ظروف صعبة وقاسية وبأجهزة قديمة ومهترئة، ولم ينسَ أن يطالب الشعوب العربية أن تساهم في دعم الإعلام الإسلامي المقاوم، والمساعدة على تخطي هذه المرحلة؛ ليبقى متواصلاً في نقل الأحداث الدائرة في فلسطين المحتلة.
وهذا نص الحوار:
- في البداية نود أن تعطينا نبذه عن “شبكة الأقصى” التي تضم إلى جانبها فضائية “الأقصى”؟
– “شبكة الأقصى الإعلامية” تضم خمسة مقرات إعلامية؛ وهي “فضائية الأقصى”، و”مرئية الأقصى المحلية” التي تغطي غزة والضفة المحتلة، وكذلك إذاعتا “الأقصى”، و”الأقصى مباشر”، و”وكالة شهاب للأنباء”.
انطلقت الشبكة عام 2003م بإنشاء “إذاعة الأقصى”، وواكبت التصعيد الصهيوني على غزة، ثم تطور الأمر تدريجياً فأنشأنا “مرئية الأقصى المحلية”، وبقي الأمر على هذا النحور حتى انتقلنا إلى العمل الفضائي بإنشاء “قناة الأقصى الفضائية” عام 2006 – 2007م، وكذلك قمنا بتأسيس “وكالة شهاب الإخبارية”.
ومن باب المفارقات أن “شبكة الأقصى” على قائمة المؤسسات الإرهابية في توصيف الإدارة الأمريكية، وهذا يدل على أننا استطعنا أن نوجد لنا موطئ قدم، وأن ننقل الصورة الحقيقية من فلسطين للعالم.
- ما السياسية التي ترتكز عليها الفضائية في نقل الأخبار والتغطية؟
– نحن انطلقنا لنغطي هموم الشعب الفلسطيني، فنحن مع الشعب نتألم لألمه ونحزن لحزنه، وعندما أقول الشعب الفلسطيني فإني أقصد عامة الشعب بكافة أطيافه وفئاته وتياراته المختلفة ومناطقه الجغرافية، ونحن أيضاً مع المقاومة، وهذا ما يميز “فضائية الأقصى”، فهي قناة تحمل اسم الإعلام الإسلامي المقاوم، ومن هذا المنطلق تنطلق سياستنا في نقل الأخبار.
- كيف تعاطيتم مع إرهاصات بدء الحرب على غزة؟
– منذ اختطاف الجنود الثلاثة في الضفة الغربية تعاملنا مع الأمر بشكل جدي، وكان العدو الصهيوني يستهدف الكل حيث استهدف الضفة وغزة، وبدأ بالتحريض من فترة حتى يهيئ الرأي العام الصهيوني، ومن هنا عرفنا أن العدو يستعد لمعركة مع قطاع غزة المحاصر؛ ولذلك بدأنا بتقسيم الطواقم الموجودة في قطاع غزة إلى خمس فرق حسب المحافظات في غزة، توزعت تلك الفرق في رفح وخان يونس ودير البلح وشمال غزة، إضافة إلى إعداد خطة جيدة لإخلاء المباني والمقرات التي يتواجد بها الموظفون، وتهيئة أماكن سرية للعمل فيها، خاصة وأننا نتعرض للاستهداف المباشر من قبل طائرات الاحتلال.
- هل لديكم خطط مدروسة للتغطية أثناء الطوارئ كالحروب مثلاً أم أن الأمر أشبه بالتغطية العشوائية؟
– هناك تخطيط جيد لحالة الطوارئ والأزمات، ونحن نعيش بشكل شبه متواصل في الطوارئ والظروف الاستثنائية كوننا نقبع تحت اختلال غاشم، ولكن قبل التخطيط نعتمد على الله عز وجل في الثبات والنجاح في التغطية.
- كيف كنتم تعملون وتنقلون الصورة في ظل القصف والعدوان وأنتم ضمن الأهداف الصهيونية؟
– لم تكن المرة الأولى لقصف مقرات “شبكة الأقصى”، فهي المرة الخامسة، ولدينا خبرة وتجارب مع حالة الطوارئ والحروب، ونعلم أننا مستهدفون حالنا كحال رجال المقاومة، ولكن الفرق بين المقاوم والإعلامي أن المقاوم يختفي عن الأنظار، بينما الصحفي متواجد في عين الحدث يقوم بتصوير الأحداث ونقلها رغم القصف والدمار؛ لأن هذه رسالة يريد أن ينقلها، وهناك العديد من الإخوة الزملاء فقدناهم في هذه الحرب وغيرها من الحروب السابقة أثناء نقلهم للأحداث، كان آخرهم الزميل سامح العريان الذي استشهد وهو يقوم بتصوير الأحداث في الشجاعية.
- ما أشد الأيام كانت قاسية عليكم في الحرب؟
– الحرب كانت بمجموعها حرباً همجية وقاسية، فالعدو استخدم كل آلياته ومعدّاته ليبطش بالناس في هذا القطاع المحاصر، لكن كانت هناك أيام صعبة جداً علينا كيوم استشهاد الزميل سامح العريان، وكذلك مجزرة الشجاعية التي استشهد فيها أكثر من سبعين شهيداً، كانت تلك الليلة من أقسى الليالي والساعات التي مرت علينا، ولكن حاولنا أن نكتم الجراح وأن ننقل الصورة للعالم.
- حدثنا عن قصف الفضائية، وما الأضرار التي أصابت المكان؟
– تم استهداف مقرين رئيسين للفضائية، ودُّمر المقران بشكل كامل خاصة المقر الجديد الذي كنا على وشك الانتقال إليه، ولكن قصف الطائرات له حال دون ذلك، ولا أخفي عليكم أن التكلفة باهظة، فنحن اليوم لا نمتلك شيئاً، ونقوم بنقل البث عن طريق أجهزة قديمة ومهترئة، وأنا أتعشم بأمتنا أن يكون هناك دعم للإعلام الإسلامي المقاوم ليدافع عن شرف هذه الأمة.
- الموظف الذي يعمل في مؤسسة كـ”الأقصى” بماذا يستشعر أثناء ذهابه لعمله وهو يتوقع ألا يرجع كون الفضائية ضمن الأهداف لطائرات الاحتلال الصهيوني؟
– من هذا المنطلق كنا نستشعر أننا كالمقاتلين في الميدان، نبتعد عن الأهل، ونذهب إلى تلك الأماكن الخطرة، وكنا حقيقة عندما نرى العائلات التي استشهدت بأكملها، وكذلك البطولات الفذة التي تمتع بها رجال المقاومة في تصديهم لآليات الاحتلال الصهيوني وجنوده؛ فإننا نستصغر ما نقدمه أمامهم.
- ما الرسالة التي كنتم تسعون لإرسالها للعالم الخارجي في تغطيتكم؟
– كنا نركز في نقلنا للأحداث على محورين؛ محور المظلومية، وهو أننا شعب مظلوم محاصر يتعرض لمجازر بشعة، فكنا ندافع عن شعبنا المظلوم بما أوتينا من قوة، والمحور الآخر هو تعزيز المقاومة الميدانية مع الأجنحة العسكرية، فكان لنا تواصل مع غرف الطوارئ للفصائل الفلسطينية لنقل العمليات البطولية وتصويرها وإبراز الوجه الجهادي الرائع للأبطال من شعبنا الفلسطيني بمختلف فصائله.
- هل تعتقد أنكم استطعتم إرسال هذه الرسالة للعالم الخارجي؟
– بفضل الله استطاعت قناة “الأقصى” أن تمثل نبض الأمة، وذلك بشهادة العديد من أبناء أمتنا العربية والإسلامية، ونستطيع القول: إن الرسالة وصلت لأبناء شعبنا الفلسطيني ولأمتنا، وأيضاً هناك نقطة مهمة؛ أن قناة “الأقصى” استطاعت أن تغزو المجتمع الصهيوني، فالكثير من الصهاينة كانوا يشاهدون “الأقصى”؛ لأنهم يعلمون أن إعلامنا لديه مصداقية ومهنية وموضوعية أكثر من إعلامهم الذي تفرض عليه رقابة عسكرية، فلا ينقل الصورة الحقيقية لما كان يدور من أحداث في غزة وخاصة الخسائر البشرية في صفوف الجنود.
- البعض يتهمكم أنكم تبالغون في نقل الصورة الحقيقة للمقاومة؛ حيث تعطونها حجماً أكبر مما هي عليه، وكذلك تظهرون أن العدو تكبد الخسائر الهائلة.. هل هو نوع من الحرب النفسية أم أنها اتهامات ليس لها رصيد من المصداقية؟
– نحن كنا في أخبارنا ننقل اعترافات العدو عن عدد القتلى والإصابات والأضرار المادية التي كانت تصيب المستوطنات جراء صواريخ المقاومة، مع علمنا أن العدو كان يخبئ الكثير من أعداد القتلى، وفعلاً تكشف العديد من القتلى بعد الحرب، وكنا نكاشف شعبنا بالحقيقة وليس عيباً في أن نكون منحازين لشعبنا ووطننا، ولكن طبعاً بما لا يتعارض مع الموضوعية والدقة في نقل الحدث.
- إلى أي مدى ساهم دور وسائل الإعلام المختلفة في رسم صورة الانتصار جنباً إلى جنب مع المقاومة المسلحة؟
– هناك تكاتف إعلامي بين المؤسسات الإعلامية المختلفة، وهذا ما ميز هذه الحرب، حيث كانت هناك موجات بث مشتركة مع العديد من القنوات؛ كـ”فلسطين اليوم”، و”قناة القدس”، و”الجزيرة”، هذا عزز الرواية الفلسطينية، ودحض الرواية “الإسرائيلية” التي كانت الغالبة على المجتمع الغربي، واستطاعت وسائل إعلامنا الفلسطيني أن تنقل الصورة عن هذا الشعب المحاصر الذي يبحث عن حقوقه لتظهر أن العدو هو من يبدأ الحرب والبطش بالناس.
- عليكم عبء ثقيل كون الفضائيات التي تحمل الرسالة المشابهة لرسالتكم قليلة نسبياً مع الفضائيات التي تنشر التضليل والروح الانهزامية، هل تضعون ذلك في اعتباراتكم؟
– نعرف أننا ضعفاء في إمكانياتنا، لكننا أقوياء بالله، وأقول لك: إن صاحب الرسالة سيصل إلى الناس، ونحن استطعنا والحمد لله رغم قلة الإمكانيات أن نصل للناس، ونوجد لنا موطئ قدم بين هذه الفضائيات، ولكننا نحتاج إلى دعم لمواصلة هذا العمل وتطويره؛ وذلك بإنشاء قناة باللغة الإنجليزية، وكذلك أن تصل “قناة الأقصى” على الأقمار الأخرى التي تصل إلى أمريكا الجنوبية والشمالية؛ لنستطيع أن نرسل الرسالة والصورة الحقيقة لكل العالم، وهذه رسالة نوجهها لإخواننا العرب والمسلمين في كل مكان؛ أن يساعدونا في الوصول إلى هذه الأهداف بكل السبل المتاحة.
- هل كان هناك تعاون بين المؤسسات الإعلامية في التغطية؟
– كان بالفعل لدينا منظومة إعلامية متكاتفة ومتعاونة، وكان هناك وحدة في الفهم وفي المنظومة، نعرف الرسالة التي ستقوم فيها وإذا كان هناك بعض الإشكاليات في الميدان نقوم بحلها.
- رسالتك الأخيرة للشعوب العربية التي كانت تتابع فضائية “الأقصى” على مدار الوقت.
– نقول لشعوبنا العربية والإسلامية: أنتم ظهيرنا الشعبي، ونقدر الجهد الذي تبذلونه في تضامنكم مع شعبنا الفلسطيني ومساعدتكم له، وعشمنا كبير فيكم أن تعينونا على تخطي هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها.