عاد شعار “مصر بتفرح” للواجهة مجدداً بعد إعلان شركة “إيني” الإيطالية عن اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم أمام المياه الاقتصادية المصرية، مع ثقة متزايدة لدى رافعي الشعار عن ذي قبل؛ لأن من أعلن عنه هذه المرة جهة أجنبية تتمتع بمصداقية، عكس المرات السابقة التي أعلنت عنها جهات محلية، بداية من مشروع علاج الأيدز بجهاز اشتهر بـ”جهاز الكفتة”، وانتهاء بمشروع تفريعة قناة السويس الجديدة التي بلغ الاحتفاء بها حد اعتبارها قناة جديدة، لدرجة أن عبدالفتاح السيسي نفسه قال: إنها استردت تكلفتها من أول يوم بعد افتتاحها.
غير أن السخرية المصرية العتيدة هدت أوهام القوم وأيقظتهم على الحقيقة المفجعة بتساؤل مختصر ومرير: وماذا فعلنا بثروة الغاز التي اكتشفت من قبل؟ والذهب؟ مثلاً.
ولخص “كوميكس” ساخر (صورة مع تعليق) على صفحات التواصل الاجتماعي الأمر، عبر نشر صورة لحسين سالم وهو يتلقي رسالة على المحمول تقول: “يا حسين، انزل البلد، أخوك لقي كنز غاز وعايزين اللي يصرفه”.
ربما لا يدرك قوة وعمق السخرية الكامنة المريرة في هذا “الكومكس” إلا المصريون، الذي اعتادوا استقبال رسائل نصب من مجهولين وكأنها جاءت لهم بالخطأ (وهو خطأ مقصود).
ولمن لا يعرف فـ”حسين” هو حسين سالم، رجل الأعمال المصري الشهير الهارب في إسبانيا والمتهم برشوة مبارك وعائلته، والأهم أنه صاحب أكبر صفقة فساد معجون بالخيانة، في قضية بيع غاز مصر لـ”إسرائيل” بثمن بخس.
سؤال الثورة والثروة
لا شك في أهمية الاكتشاف الجديد، تماماً كما أنه لا شك في أهمية كل ثروات مصر؛ لأنه جرت العادة على أن “كريز” البلد يذهب لطبقة معينة، وللشعب النوى، فدائماً هناك السؤال المقلق: هل يدير هذه الثروة ممثلون حقيقيون للشعب؟ وهل الشعب فعلاً رقيب على مصير ثرواته، أم يجري استغفاله كالعادة؟
سؤال الثروة كان ذا صلة مباشرة بسؤال الثورة، فقد كان من بين أسئلة المصريين في ثورتهم الكبرى في يناير 2011م سؤال ملح عن ثروتهم العظمي.
بداية، دعنا نعرف تفاصيل الاكتشاف من أحد الذين شاركوا في هذا الإنجاز الكبير، ألا وهو المهندس محمد الغزلاوي الذي يعمل بشركة إيني الإيطالية صاحبة الاكتشاف الذي يشرحها بطريقة مبسطة بالقول: حجم احتياطي الغاز الموجود داخل طبقات الأرض في أي حقل إنتاج يقاس بوحدة TCF؛ وهو ما يعني تريليون قدم مكعب، واحد وأمامه 12 صفراً، واحتياطي مصر من الغاز الطبيعي سنة 1994م كان أقل من 1 tcf, وفي سنة 2014م وصل إلى 65 tcf.
واكتشاف حقل الشروق الجديد في البحر المتوسط الذي أعلنت عنه شركتنا 30 tcf؛ وهو ما يعني أن هذا الاكتشاف يعادل نصف احتياطي مصر من الغاز، ونصف كل ما حققته كل الشركات الأجنبية في تاريخ مصر لاستكشاف الغاز.
والشيء الخارق لكل المقاييس أن سمك الطبقات الحاملة للغاز يصل إلى 630متراً، لم نعتد على مثل هذا الاكتشاف في مصر من قبل.
كل ما سبق يعني أن احتياطينا ارتفع إلى 95 tcf، وممكن جدا أن يكون الرقم أكبر مع تأكيد الحفر في الحقل الجديد واكتشافات قريبة متوقعة.
للتسهيل.. عموماً أي حقل غاز يمكن استخراج 60% منه، والباقي لا يمكن استخراجه لصعوبات فنية وهندسية، في النهاية الطبيعة تقهر كل تكنولوجيا البشر مهما تقدمت، ويظل الجزء غير المستخرج ثروة مستقبلية لحين وجود طرق إنتاجية بطرق اقتصادية.
وبفرض إمكانية استخراج نصف الغاز فقط المكتشف في حقل الشروق على أقل تقدير، فنحن نتكلم على إنتاج 15 tcf في عدد طويل من السنين، وغالباً ما ستكون السوق المحلية المصرية هي أول مستهلك لهذا المنتج.
فاستهلاك مصر سنوياً من الغاز الطبيعي تقريباً 1.5 tcf، وهذا الحقل وحده يكفي مصر بالمعدلات الحالية لمدة عشر سنوات في حالة استخراج نصف الاحتياطي فقط.
تكنولوجيا الحفر
ويضيف: هذا الاكتشاف في المياه العميقة في البحر المتوسط، عمق المياه 1500 متر تقريباً حتى نصل لسطح الأرض sea bed، وهو ضعف ارتفاع برج خليفة تقريباً، ونحتاج بعد ذلك لحفر 2500 متر تقريباً للوصول لطبقات الغاز.
وفي هندسة الحفر ما يعرف باسمDeepwater and Ultra-deepwater Drilling أو الحفر في المياه العميقة والأشد عمقاً، وهي تكنولوجيا صعبة ومعقدة وعالية التكاليف، وتصنف عالمياً بأنها عالية المخاطر، لكن فريق عمل Eni من مهندسين وفنيين مصريين وأجانب لديه الخبرات اللازمة لاستكمال الحفر والتنمية بنجاح.
وشركات قليلة في العالم تحتكر هذه التكنولوجيا وتستطيع أن تستخدمها؛ وبالتالي لا بديل لمصر أو أي دولة أخرى مهما كانت إلا أن تشارك واحدة من هذه الشركات؛ لأن الحفر في المياه العميقة عالي المخاطر والتكاليف؛ فبالتالي العائد للشريك الأجنبي لابد وأن يكون مجزياً، ونسبة الشراكة في الاكتشاف الجديد لم تحدد بعد، ومصر لها الأولوية لشراء حصة الشريك الأجنبي بسعر تفضيلي.
وتبلغ حصة الشريك الأجنبي، شركة إيني Eni الإيطالية في مرحلة الاستكشاف 100%، بمعني أنها تتكفل بكل تكاليف الحفر ثم تسترجع النفقات في مرحلة الإنتاج، وفي حالة عدم تحقيق اكتشاف تجاري تتحمل الشركة وحدها كامل التكلفة.
بعد ذلك في مرحلة الإنتاج ستكون النسبة غالباً بالمناصفة بين مصر والشريك الأجنبي، ولمصر أولوية في شراء حصة الشريك الأجنبي، كل هذا سيتحدد ويعلن في مرحله الإنتاج.
نقطه مهمة أخرى يوضحها المهندس الغزلاوي بقوله: إن المشروع ضخم ويحتاج بنية تحت البحر لنقل الإنتاج حتى شواطئ مصر، مؤكداً أن الاكتشاف يقع على بعد 180 كيلومتراً من سواحل بورسعيد؛ أي مسافة تعادل المسافة بين القاهرة وبورسعيد تقريباً.
والجانب الإيجابي في الأمر أن مصر لديها وحدات/ مصانع ضخمة لإسالة الغاز وتصديره في دمياط وإدكو، ولديها أيضاً خطا أنابيب لتصدير الغاز، ولديها وحدات معالجة وتخزين في حقول أخرى في مناطق الجميل وحقل التمساح وغيرها، أي أنه يمكن الاستفادة بسرعة من هذا الكشف.
فمثلاً دولة مثل موزمبيق في شرق أفريقيا اكتشفت كميات ضخمه مثل هذا الاكتشاف، لكن البنية التحتية لديها صفر، كذلك فدول الجوار في شرق المتوسط وقبرص واليونان ليس لديها البنية التحتية الموجودة لدى مصر في صناعة الغاز.
كذلك فالقيمة المالية لاحتياطي هذا الحقل كبيرة جداً من 60 – 90 مليار دولار على فرض سعر 2 – 3 دولارات لكل ألف قدم مكعب إنتاج مباشر للغاز من الآبار، وهذا متوسط السعر العالمي.
ويستدرك الغزلاوي بالقول: إنه أمام مصر 3 سنين حتى يبدأ الإنتاج من هذا الحقل، مؤكداً أن “إسرائيل” في صدمة، وأسهم شركات الغاز هناك خسرت في البورصة حوالي 8% في يوم واحد؛ لأن المستهلك المحتمل لإنتاجها تبخر.
و”إسرائيل” لديها حقلان غاز هما “التامار” و”ليفياتان” مجموعهما من احتياطي الغار حوالي 20 tcf، بينما حقل الشروق وأول بئر حفر “ظهر 1” احتياطيهما يقدر بـ30 tcf
و”ظهر” هو اسم البئر الاستكشافية التي تم عن طريقها الكشف، وهو أكبر من سقف احتياطي حقول “إسرائيل” في شرق المتوسط الذي أمسي ساحة للتنافس في استكشاف واستخراج الغاز.
ويؤكد أنه من المستحيل أن تقوم شركة Eni الإيطالية بالإعلان عن كشف وهمي، فهي شركة عالمية محترفة، ولها أسهم في البورصات العالمية، ومساهمة من كل دول العالم، وجمعية عمومية تحاسبها على كل رقم تنشره وتخرج به إلى العلن.
مجاملة المشتري
المثير أن الحكومة المصرية رفعت سعر شراء الغاز من إيني وإديسون الإيطاليتين أكثر من 100%، وذلك في الخامس من يوليو الماضي، أي قبل الإعلان عن الاكتشاف بأقل من شهرين.
ووفقاً لوكالة “رويترز” التي أعلنت الخبر في حينه، قال مسؤول في الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس): إن بلاده رفعت سعر شراء الغاز الطبيعي من شركتي إيني وإديسون الإيطاليتين أكثر من 100% ليصل إلى 5.88 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وستسري الزيادة على الإنتاج من الاستكشافات الجديدة للشركتين في مصر، وبضعف السعر؛ وهو ما يعني أن حصة مصر في الحقل بدلاً من أن تكون 50% حسب اتفاقيات التنقيب ستكون 25%، مع حقيقة أن مصر تستهلك تريليوني قدم مكعب، سيكون لدى مصر اكتفاء ذاتي حوالي 25% من الـ30 تريليوناً التي هي 7.5 تريليون، يعني بحساب تزايد الطلب ستكتفي ذاتياً لمدة 3 سنوات والباقي للشركة الإيطالية.
ضع هذه المعلومة الخطيرة إلى جانب حقيقة أخرى تقول: إن الحقل المكتشف ليس جديداً، أي أنه معلوم مسبقاً أنه يضم كنزاً من الغاز، كان قد أعلن عنه في سنة 2004م!
ففي فبراير 2004م أعلنت الحكومة المصرية وشركة شل عن اكتشاف بئر غاز الشروق التي أعادت شركة إيني الإعلان عن اكتشافها الأيام الماضية! وقالت الحكومة المصرية وشركة شل في سنة 2004م: إن الحقل سيجعل مصر أكبر منتج للغاز!
لغز بتروليوم
خطوة إعلان شركة بريتش بتروليوم عن الاكتشاف ثم انسحابها، تعد لغزاً في حد ذاته، يفسره لنا د. نايل الشافعي بالقول: خبر الاكتشاف الجديد ممتاز، مشكلته أنه الإعلان الثاني عنه، حيث كان الإعلان الأول في سنة 2003م امتياز تم في منطقة اسمها شروق البحري في المياه الاقتصادية المصرية، وكتبت “الأهرام” ساعتها أن مصر ستكون من أكبر المصدرين في العالم، ونائب رئيس شركة “شل” قال في سنة 2004م: إن الاكتشاف سيغير خريطة الغاز، ولم يحدث أي شيء، بل تجمدت كل أنشطة “شل” إلى أن تنحى مبارك، فأعلنت “شل” في اليوم التالي الانسحاب من مصر، وأصدر وزير البترول بياناً بتوجيه الشكر لشركة “شل”، رغم أنها ضيعت من عمر مصر الكثير، وفرص تكليف شركة أخرى أكثر جدية، رفضت كل الصحف نشر وجهة نظري ساعتها بما فيها الصحف القومية والخاصة.
في مؤتمر سنة 2012م حضره 80 خبيراً مصرياً وممثل لشركة “شل” انتقدتها، بينما تسابق معظم الخبراء المرتبطين بوزارة البترول لتقديم الشكر للشركة، فيما اعترفت الشركة في اليوم التالي بتقصيرها.
حظر عالمي
ويغوص بنا د. نايل أكثر في شواهد التاريخ القريب بالقول: إنه عندما بدأت الشركة الحفر في سنة 2000، 2001م قالت في البداية: إن النتائج غير مشجعة، ثم قالت: إن النتائج مشجعة، رغم أن مسؤولي نفس الشركة في نفس التوقيت بشروا نيكوس رولاندس، وزير التجارة والصناعة والطاقة القبرصي، بخير كثير سيأتيهم وهو ما حكاه بعد خروجه على المعاش وأن قبرص ستكون عاصمة للطاقة.
أما رئيس الإدارة القانونية في وزارة الخارجية – يضيف الشافعي – فقد حكي لي شخصياً أنه جاءه أمر علوي بالتحرك فوراً وعمل اتفاقية ترسيم حدود مع قبرص (سنة 2003م) دون سبب واضح، وبالفعل بدأت الخارجية المصرية التفاوض حول نقاط الحدود.
ويكمل الجانب الآخر من الصورة الوزير القبرصي رولاندس قائلاً: إنه كان يطمع في الحصول على 8 نقاط كاملة في التفاوض حصل عليها جميعاً بسهولة مدهشة!
وبالفعل حدث ترسيم الحدود بين قبرص ومصر في 18 فبراير 2003م، فعادت “شل” لنشاطها في امتياز حقل “نيميد”، وأحضرت أكبر حفارات العالم، وأعلنت عن اكتشافها في فبراير 2004م السابق ذكره، وقالوا: إنه سيتم تطويرها خلال 3 سنوات، وإن مصر ستكون من أغنى دول العالم، ولم يحدث شيء، ثم أقيل فجأة رئيس عمليات “شل” في مصر، وجيء بمسؤول ماليزي، قال: إن مهمته التخلص من كل العمليات الخاسرة للشركة في مصر.
قبرص أصرت بعد ترسيم الحدود تقاسم مكامن الطاقة، وهي اتفاقية ظالمة وغير متماثلة، أي ما تأخذه لا تعطي مقابله على الجانب الآخر من الحدود، وهي باختصار أن الخزانات المشتركة بين الجانبين لا يتم تقاسمها بالعدل والكفة تميل للجانب القبرصي؛ بمعنى أن الحقل الجديد المكتشف هل له علاقة بحقول تم حفرها سابقاً؟ وهل يحق لقبرص المطالبة بنصيبها من حقل “شروق” الموجود على الحدود المشتركة؟
يؤكد الشافعي المتابع لقضية ثورة الغاز المهدرة أن هناك قراراً ما تم لتجميد جميع أنشطة التنقيب في مصر غاز وبترول براً وبحراً من وقت ما في سنة 2005م، وهو ما كشف عنه سامح فهمي، وزير البترول في حينه، قائلاً في أحد مقالاته المنشورة في “الأهرام”: إنه من سنة 2005م وصلنا أن الدول الغربية لن تسمح لمصر باكتشاف أو الاستفادة من الحفر في المياه العميقة!
يحكي د. نايل الشافعي بقية الحكاية بالقول:
ظل الغاز موجوداً في الأعماق، وفي سنة 2012م التي كانت سنة مهمة جداً، ظهر سؤال ولغز: لماذا انقلبت مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة متسولة للغاز؟
يوضح مؤكداً: لا يحدث أن تجف الحقول فجأة، وخصوصاً أن وزارة البترول كانت قد استأجرت شركة اسمها “وود ماكينزي” للتدقيق في احتياطي البترول والغاز المصري، وقالت: إن الاحتياطي المؤكد يكفي استهلاك وصادرات مصر لمدة 28 سنة، فما الذي حدث وأخفي الغاز فجأة في سنة 2012م؟ لغز كبير لا إجابة له.
أيضاً فاتفاقية تصدير الغاز المصري لـ”إسرائيل” لم يتم حل أزمتها، ولا تزال مصر تحت الابتزاز “الإسرائيلي” عبر شركة شرق المتوسط (لحسين سالم وشركاه ومن وراءه من داخل الدولة ومن الشريك “الإسرائيلي” يوسي ميمان وشركة كهرباء “إسرائيل” وتهدد بالمطالبة بتعويضات تصل إلى 20 مليار دولار).
يعرب الشافعي عن أمنياته أن يتواصل العمل في الحقل؛ لأن التواصل فيه أهم من الاكتشاف نفسه، كما أن هناك حقلين آخرين أكبر من شروق، واحداً منهما في شمال بور فؤاد، والثاني في شمال حقل ليل، وهي مع إيني الإيطالية، والاثنان موجودان على 1450 متراً وهي من الرسوبيات التي تدل على أنها من العصر بلايستوسين، وهي الموجود فيها الغاز.
في بور فؤاد يوجد على حافة سواحلها حقلان هائلان؛ أحدهما “إسرائيلي”، والآخر قبرصي تديره “إسرائيل”، وهما بعد أقل من 1.8 كيلو متر، أي أنه بالضرورة سيتم اكتشاف الغاز، والسؤال: متى سيتم الحفر؟ هل يتطلب ذلك اتفاقية تقاسم مكامن مع “إسرائيل”؟
وحقل كروان إلى الغرب مباشرة من شروق هناك مشروع هائل لتطوير الحقل، ماذا يتم فيه (مشروع دي كيه إيه دينيس وكروان)؟ إلام وصلنا فيه؟ ومن يشرف عليه؟ هل هي بريتيش بتروليوم أيضاً؟ معرباً عن يقينه بنسبة 90% بوجود غاز مصري هناك.
يختتم د. نايل الشافعي حديثه بالقول: إن وزارة البترول تقول أسباباً عديدة، إلا أنها أسرار على الشعب المصري، رغم أن أي أجنبي سيسحب كراسة الشروط سيعرف كل شيء، يهمني أن يذهب خير مصر للمصريين.
وعموماً، وبعيداً عن المماحكات السياسية، أنا متفائل بحقل شروق، وأطالب بالحفر في حقلين في شمال بور فؤاد أو شمال ليل بعمق 2450 متراً.
كارثة مستمرة
المهندس حاتم عزام، النائب بالبرلمان المصري، وأمين سر لجنة الصناعة والطاقة، نائب رئيس حزب الوسط قال على صفحته الشخصية:
ما أعلنه الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية كلاوديو ديسكالزي عن الاكتشاف من أنه الأعلى ربحية والأفضل والأجدى اقتصادياً، يطرح لغزاً جديداً، وذلك رداً على سؤال حول ما إذا كانت “إيني” تنوي بيع حقوقها في التنقيب والاستخراج بمصر لتوفير السيولة المالية.
وقال ديسكالزي في مقابلة نشرتها صحيفة “لا ريبوبليكا الإيطالية” الإثنين: لن نتخلى عن أنشطتنا بمصر؛ لأن الإنفاق هناك سيكون أقل بكثير مقارنة مع ما ننفقه في موزمبيق، والغاز الجديد يستهدف السوق المحلية بأسعار لا ترتبط بأسعار النفط التي بلغت اليوم أدنى مستوى لها في ست سنوات، الأمر الذي يعني في النهاية أن مصر ربما تشتري غازها هي من الشركة الإيطالية بأعلى من سعر الغاز المباع في السوق العالمية!
ويورد عزام: هذه شهادة وزير البترول الحالي أمام محاكمة حسين سالم، وسامح فهمي في قضية تصدير الغاز لـ”إسرائيل”، قبل شهور قليلة، وهو في منصبه الذي عينه فيه السيسي، شريف إسماعيل الذي كان وكيل وزارة سامح فهمي لشؤون عمليات البترول والغاز، ثم رئيس الشركة القابضة للغازات.
وباختصار، فقد دافع أمام المحكمة عن سعر بيع الغاز من وزارة البترول إلى شركة حسين سالم بالأمر المباشر، والذي يصدر بعد ذلك لـ”إسرائيل”، هل تعلم كم هو سعر الغاز الذي دافع عنه لتبيع به الوزارة لحسين سالم الذي يبيعه لـ”إسرائيل”؟ 75 سنتاً، يعني أقل من دولار واحد، في حين أن حسين سالم يبيع للصهاينة بـ1.75 دولار الوحدة إلى دولارين، ليس هذا فحسب، بل إن مصر كانت تشتري الغاز من الشركاء الأجانب وقتها بـ2.4 دولار.
الكارثة أن شريف إسماعيل الشاهد كان عضو اللجنة التي شكلها سامح فهمي لتسعير الغاز لحسين سالم و”إسرائيل”! وهو نفسه الذي وافق على مضاعفة سعر شراء الغاز لصالح وزارة البترول من الشريك، بزيادة 100% ؛ أي أن مصر ستشتري الغاز عندما يبدأ الإنتاج من الاكتشاف الجديد بسعر 5.8 دولار للمليون وحدة حرارية، بدل 2.6 دولار للمليون وحدة حرارية كما كان قبل شهرين أو ثلاثة!
يؤكد عزام أن الاكتشاف حقيقي وموجود، وكان من المفروض أن يفرحنا لو كانت شروط التعاقد جيدة مع الشريك الأجنبي ولم تقم الحكومة بتغيير السعر، بمعني آخر كأنهم ضاعفوا حصة الشريك الأجنبي وقللوا نسبة مصر المجانية من الغاز، أي أنه لو أن الشريك الأجنبي له حسب العقد 40٪ مصر ستدفع له ثمن غاز يكافئ حصة قدرها 80%، ومصر حصتها 20% من الغاز المجاني، والباقي بأموال المصريين.
يضع عزام احتمالا خيالياً بافتراض حسن نية القائمين على الأمر ويطرح سؤالا جدلياً: هل رفعوا السعر نظراً لارتفاع تكلفة الإنتاج؟
يجيب هو بالقول: الشريك الأجنبي يسترد ما ينفقه من استثمارات بالكامل ويتم اقتطاع نسبة 40% من الإنتاج كل سنة للشريك الأجنبي (قبل توزيع باقي الغاز على مصر وعلي الشريك الأجنبي)، وهو بذلك يسترد استثماراته كاملة.
ثم إن سعر تكلفة الإنتاج مستحيل أن تكون الضعف أبداً تحت أي ظرف، خصوصاً أن شركة بترول بلاعيم (الشركة المشتركة بين مصر وإيني الإيطالية) لديها تسهيلات بحرية ومنصات في البحر موجودة بالفعل يتم عليها تعديلات بدلاً من أن يتم عمل منصات جديدة، طبعاً بالإضافة لمعدات جديدة ستعمل تحت المياه، لكن مثلما قلت، فإن الشركة ستسترد كل استثماراتها وفوقها أرباح.
سؤال افتراضي جدلي آخر: ربما زاد سعر الغاز العالمي؟
يجيب عزام عن نفسه: على العكس تماماً، أسعار البترول في العالم تراجعت لمستويات رهيبة بسبب أن دول “أوبك” زادت إنتاجها بسبب موضوع الغاز الصخري الخاص بأمريكا وسعر البرميل من البترول هبط من سعر أعلى من 100 دولار للبرميل إلى حدود الـ40 دولاراً للبرميل، وبالتبعية سعر الغاز يقل ولا يزيد.
السؤال الذي سيقفز قطعاً لرأس كل من قرأ كل هذه الألغاز: هل هناك أمل في الإنقاذ على المدى القريب عبر تعديل الاتفاقيات؟
الإجابة الصادمة والمؤسفة: لا، فالاتفاقية لمدة 30 سنة وبسعر ثابت.
وهو ما يعني خسارة مالية بنسبة ١٠٠٪ وطبعاً وارد جداً حدوث مديونيات جديدة أكثر.