في سبتمبر 1978م أبرمت اتفاقيات “كامب ديفيد”، وفي 26 مارس 1979م وقعت “معاهدة السلام”، وكلاهما في الولايات المتحدة التي قامت برعاية التقارب المصري “الإسرائيلي” في عهد أنور السادات، وفي مارس من كل عام تحل ذكرى المعاهدة المعروفة شعبياً بـ”كامب ديفيد”، وفي هذه المقالة نقدم خمسة مقاطع في هذه الملحمة.
المقطع الأول: هل كانت “كامب ديفيد” ضرورية؟ وهل علم الناس نصها؟ وهل كان السادات بطلاً أم خائناً؟ في هذا المقطع كان الاتفاق مع “إسرائيل” فيما نرى ضرورياً، ولكن هذا الاتفاق كان عربوناً لاستسلام مصر لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة، وإهداراً كاملاً لتضحيات الجيش المصري، ليست العبرة بنصوص المعاهدة، ولكن العبرة بدلالاتها والتفاهمات حولها، حيث خرجت مصر من حسابات القوة الإسلامية، وتركت المشروع الصهيوني يتمدد حتى اخترق مصر نفسها، وقد يختلف الناس حول تقييم السادات، ولكن الرأي السائد في الأوساط الشعبية هو أنه سياسي محنك، وأنه حصل على سيناء التي ضيعها عبدالناصر.
وفي الميزان الإستراتيجي كانت المعاهدة ميزاناً لإطلاق يد “إسرائيل” لكي تضر بمصر في جميع الساحات، وأن يقترب أملها من الهيمنة على سيناء بأن المشكلة ليست في نص المعاهدة وإنما في الأوراق اللازمة في إدارة ملف السلام، وقد التزم الرئيس عبدالفتاح السيسي حرفياً وعملياً بما قررته المعاهدة، وشهدت العلاقات مع “إسرائيل” دفئاً غير مسبوق حسبما أشار رومي قيس، وإتمار إختر على موقع “y net” الصهيوني المنشور في جريدة “الشروق” يوم 5 مارس 2016م، رغم أن “إسرائيل” لها دور في “داعش” والإرهاب وتمزيق المنطقة العربية، والتغلغل العلني في مصر وسد النهضة وغيرها.
المقطع الثاني: هل الحكومة المصرية حريصة على تطوير التطبيع مع “إسرائيل” على المستوى الحكومي والشعبي؟ حتى الآن تبدو الرغبة ظاهرة على الأقل في استقبال العديد من كبار المسؤولين “الإسرائيليين”، وربما تشهد الشهور القادمة بعض صور التطبيع مع المؤسسات الحكومية، فالتنسيق الأمني والعسكري قائم، ولكن الزيارات ليست متبادلة، كما أن “إسرائيل” تجامل فيما تظن الحكومة مصر بالسماح للمعاهدات والقوات خارج إطار المعاهدة بالعمل في سيناء، وهذه نقطة تثير السؤال: لماذا لم يتم تجميد أو تعليق أو تعديل الملحق الأول الخاص بالترتيبات الأمنية حتى تحتفظ مصر بسرية تحركات جيشها والمعدات التي تدخل إلى سيناء؟ وهل طلبت مصر تعديل الملحق أم أن “إسرائيل” تحاول أن تسجل نقاطاً، ومعروف أن مصر وهي فيما يبدو تنقل المعلومات إلى مقاتلي سيناء ضد الجيش، ولا أظن على عكس ما أشار المقال أن “داعش” تمثل خطراً مشتركاً على مصر و”إسرائيل”.
المقطع الثالث: قصة عكاشة والسفير “الإسرائيلي”.
إذا كان طرد عكاشة من مجلس النواب لا علاقة له بلقاء السفير كما قال رئيس المجلس، فلماذا طرد وهو المقرب من السلطة، وعلامات الاستفهام تحيط به وبقناته؟ هذه الواقعة تثير ثلاث ملاحظات:
الأولى: أنه بصرف النظر عن سبب معاقبة عكاشة، فإن المجلس عبر تعبيراً صحيحاً عن مشاعر الشعب المصري، وهي رسالة لـ”إسرائيل”، وعلق عليها السفير “الإسرائيلي” في التلفزيون البريطاني بأن ثقافة السلام لن تثمر في مصر، يجب أن يعرف السفير “الإسرائيلي” والحكومة المصرية أن الشعب المصري لن يقبل بثقافة التدجين لصالح “إسرائيل”، وأن مصطلح ثقافة السلام يقصد بها بيع الوهم للمنطقة العربية.
الملاحظة الثانية: مدى حرية سفير “إسرائيل” في التحرك للمجتمع المصري، وإذا كان يحمل مخططاً لإزالة الحاجز النفسي الشعبي ضد “إسرائيل”، فهل يقوم السفير المصري في تل أبيب بتقديم رؤية مصرية لثقافة السلام التي يجب أن تحددها مصر الدولة، أم أن مصر هي المستباحة ورؤيتها غائبة وجسدها مسجى؟ وهل يجوز لأي نائب أن يلتقي بالسفير “الإسرائيلي”؟ وكيف نعرف جريمة الجاسوسية في مثل هذه الأنشطة؟ بالقطع يقوم السفير “الإسرائيلي” بواجبه الدبلوماسي مطمئناً في تحركاته وفي أنشطته، ويفخر بأنه ليس معزولاً في مصر، وأنه يلتقي بالجميع، وما معنى أن يبرز الإعلام “الإسرائيلي” صورة السفير المصري الجديد مع نتنياهو بشكل خاص؟ إذا كانت خطة “إسرائيلية” لتسويق الوهم إلى العرب والمصرين فإنه يجب تعزيز الموقف المبدئي والنفسي للشعب المصري بمبررات عملية.
الملاحظة الثالثة: لماذا كان رفض الشعب المصري للتطبيع مع “إسرائيل” سليماً؟ أولاً لأن “إسرائيل” في المدرك المصري زرعت في فلسطين، وطردت أهلها، وقامت باعتداء على الدول العربية المجاورة وهي سورية ولبنان والأردن وتونس ومصر والعراق واحتلت الأراضي العربية.
ثانياً: لأن “إسرائيل” قتلت الأسرى من الجيش المصري بدم بارد، وأنتجت فيلماً كاملاً، وفاخرت بجريمتها، وهناك ثأر بين المصريين خاصة الجيش وبين الإرهاب “الإسرائيلي”، كما أن جريمة بحر البقر وقتل الأطفال لن يمحوها أن تبني “إسرائيل” مليون مدرسة تعويضاً عن الهمجية “الإسرائيلية”.
ثالثاً: أن “إسرائيل” ضالعة في مشكلات سيناء والإرهاب الذي وقع فيها؛ في طابا وشرم الشيخ ودهب، وأنها تتمنى الشر لمصر، كما أن الإعلام “الإسرائيلي” يعتبر مصر دولة عدواً.
رابعاً: لأن الشعب المصري عندما قام بثورته العظيمة في يناير 2011م أفزع “إسرائيل”، فسعت مع بقايا النظام القديم وبعض دول الجوار في اضطراب الأوضاع في مصر، ويستحيل على “إسرائيل” أن تقبل نظاماً ديمقراطياً، كما أن نهوض مصر من كبوتها يعني تغير كل الخرائط، وأولها ميزان القوة “الإسرائيلي”، لأن أمن “إسرائيل” المطلق قائم على استمرار أوضاع مصر.
خامساً: أن “إسرائيل” هي التي تآمرت على مياه النيل، وأنها هي التي فصلت جنوب السودان، وهي التي تحاول إقامة دولة كردية في العراق، ولها دور سيتضح فيما بعد في تمزيق سورية، فالتعاون مع أعداء المصريين في كل المراحل.
سادساً: أن “إسرائيل” هي الفائز الوحيد، ومصر إحدى دول المنطقة التي يحاصرها الإرهاب.
المقطع الرابع: هو أن بعض الإعلام المصري والعربي ينشر مقالات لكتاب “إسرائيليين”، وتسمح بعض الفضائيات لظهور شخصيات “إسرائيلية”، هذه مسألة تحتاج إلى مناقشة؛ لأن المقال الذي أشرنا إليه في صدر هذه المقالة يعتبر القدس عاصمة “إسرائيل”، ولم تتحفظ جريدة “الشروق” على ذلك، وخطورة ذلك هو أن يتسلل المنطق “الإسرائيلي” بشكل ناعم إلى المواطن العربي الذي فقد مناعته الثقافية، وتخلت عنه نظمه الإعلامية والثقافية في الصد عن ثوابته مع الأجيال الجديدة التي لم تعاصر أحداث الصراع العربي “الإسرائيلي”.
المقطع الخامس: أنه بعد 37 عاماً أين تقف مصر وإيران و”إسرائيل”؟ لا أعتقد أنني بحاجة إلى الإجابة المفصلة عن السؤال، ولكن تكفي الإشارة إلى أن إيران التي تعرضت للعزلة والضغوط والعقوبات صارت لاعباً إقليمياً معترفاً به لأول مرة منذ ثورتها الإسلامية، في نفس العام وقَّعت مصر معاهدة السلام مع “إسرائيل”، ونحن نعتقد أن كافة الانهيارات والتراجعات التي شهدتها مصر راجعة بدرجة أو أخرى إلى هذا التحالف الجديد الذي أفقد المنطقة العربية مناعتها، وأدى إلى ضياع العراق وكافة الصراعات الأخرى التي تشهدها المنطقة؛ لأن الفراغ الذي تركته مصر بهذه المعاهدة دفع المشروعات الإقليمية الأخرى إلى أن تملأه، وهي إيران و”إسرائيل” وتركيا، وضيع على العرب فرصة أن يكون لهم مشروعهم الإقليمي، كما كان سبباً في ظهور صدام حسين وضياع العراق، كما أنه أرهق السعودية ودول الخليج لمحاولة تعويض تراجع مصر إلى مراتب متأخرة في جميع مؤشرات النهضة.
أما “إسرائيل”، فيجب أن تفخر بأن جهدها وحظها جعلها الدولة الوحيدة المتماسكة صاحبة الدور المتنوع، والتي تطل على الخرائب العربية.