انفضت الدورة الـ32 لمعرض تونس الدولي للكتاب هذا الأسبوع، تاركة انطباعاً عاماً مفاده أن عصر الكتاب المطبوع قد أذن بالانقراض أو في طريقه إلى ذلك، شارك في المعرض 238 عارضاً من أصل 308 عارضين، 50% منهم تونسيون، ومثلت فرنسا “ضيف الشرف” في المعرض الذي ضم بين أجنحته 100 ألف كتاب جديد، إضافة إلى العروض الفنية التي بلغت 50 عرضاً، فيما أطلق عليه خيمة الفنون في بهو قصر المعارض بالكرم، إحدى ضواحي العاصمة التونسية.
أسباب التراجع
أسباب التراجع في المبيعات، وضعف الإقبال، عزاها البعض إلى الوضع الاقتصادي الصعب، وهيمنة الجانب الاجتماعي على اهتمامات التونسيين، علاوة على ظهور الكتاب الإلكتروني، وسيطرة المعلومة الإلكترونية على المجال الإعلامي والثقافي عموماً، لا سيما وأن معرض تونس الدولي للكتاب لم يتحرر من رواسب الماضي الاستبدادي، الذي يعمل على تكييف الشأن الثقافي، وفق أجندات أيديولوجية يسارية غارقة في التنميط والبذاءة، متخذة مما يصفه البعض بالدغمائية الضدية، (رداً على لا وعي جابر عصفور الضدي)، معياراً في تحديد الناشر الذي يشارك، والناشر الذي لا يشارك.
وقال عبدالحميد المرعوي، المدير التنفيذي للدورة الـ32 لمعرض تونس الدولي للكتاب لـ”المجتمع”: لم نقبل سوى 238 عارضاً من أصل 308 طلبوا المشاركة في المعرض؛ معللاً الإقصاء بالبحث عما وصفه بـ”الجدة والجدية والجودة”، وهي معايير يقول النقاد تخضع للتقييم الذاتي، وليس هناك ما هو متفق عليه.
وقال الناشر منذر ساسي لـ”المجتمع”: قلة الدعاية للمعرض في وسائل الإعلام، وعبر الوسائط الإلكترونية، وكذلك الملصقات الحائطية ساهمت في انخفاض المبيعات إلى نسبة 40%، وطالب مؤسسات الدولة ولا سيما التعليمية بشراء كميات من الكتب للمكتبات المدرسية، وتشجيع الناشرين والكتاب، وتقديم الدعم للكتب من أجل تحديد أسعار مناسبة للقراء من ذوي الدخل السنوي المحدود، في حين أشار الناشر عبدالعزيز بن رجب (دار اليمامة التونسية) إلى توقيت المعرض الذي جاء في فترة العطلة المدرسية، حيث لا أساتذة ولا طلبة، ولا سيما الذين ليسوا من أصيلي العاصمة، ودعا إلى تغيير تاريخ المعرض من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من المعنيين من مواكبته، بينما لم يشتك علي الفندري، صاحب جناح مجموعة الفندري، من عدم الإقبال؛ لأن كتب المجموعة علمية ونتعامل مع المؤسسات الجامعية بالدرجة الأولى وليس مع القارئ العادي.
زوار المعرض
رغم قلة الإقبال، وندرة اقتناء الكتب، إلا أن زوار المعرض كانوا من مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين، ولم يتخلف بعض السياسيين والمثقفين عن زيارة المعرض سواء لتوقيع كتبهم، مثل الشيخ راشد الغنوشي، الذي أضاف إلى رصيده كتباً جديدة، مثل “إرهاصات الثورة”، و”من الفكر الإسلامي في تونس”، و”تمرد على الصمت”، و”حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية”، وكذلك عبدالحميد الجلاصي، الذي نشر مذكراته “اليد الصغرى لا تكذب”، سجل فيه معاناة الأحرار في سجون الطواغيت، وكان الشيخ راشد الغنوشي قد زار الأجنحة التونسية وغيرها وحضر توقيع كتاب الجلاصي.
ومن بين من زاروا المعرض الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي، والرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، وعدد من أعضاء مجلس نواب الشعب، وبطبيعة الحال عدد كبير من الكتاب والشعراء والمربين والمهتمين بالكتاب.
تقييمات مختلفة
الشاعر محمد الطاهر الضيفاوي نعى سوق الكتاب، معتبراً تراجع نسب الإقبال على المعارض؛ وبالتالي على القراءة، حالة تسود المنطقة العربية عموماً، واصفاً الحالة بالكارثة، ففي آخر إحصائية لـ”اليونسكو” أفادت بأن المواطن في البلاد العربية لا يقرأ سوى ثلاث دقائق في العام، ويصور الممثل حسين العياري وضع الكتاب بطريقة كاريكاتيرية، هناك إقبال على معرفة عنوان الكتاب، ومشاهدة شكله، وهذا لا يحتاج إلى قراءة، ولا شك أن الكتاب الإلكتروني اقتطع مساحات كبيرة من اهتمام الشباب.
ووفق الشاعر عبدالعزيز الميداني، تأثر الكتاب بالتكنولوجيا الحديثة، وأصبح الطالب والباحث يعتمدان على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي شيء آخر، كما أن الدولة لا تقوم بدورها في دعم المقدرة الشرائية للمواطن، لذلك يفقد الكتاب الورقي مكانته التي تبوأها الكتاب الإلكتروني، حسب الكاتب والمترجم محمد الحاج سالم.
غياب الرؤية
انتقادات كثيرة وجهت للدورة الـ32 للمعرض الدولي للكتاب بتونس، كان من أبرزها غياب الرؤية، فالتحديات التي تواجه العرب اليوم ليست في القصة والرواية والشعر على أهمية الأدب، وإنما في التصورات الكبرى والتنمية والتكنولوجيا، وهذه هي أولويات العرب والمسلمين عموماً.
ويؤكد الباحث في العلوم الاقتصادية والقانونية، شكري بن عيسى: لقد طغى على برمجة المعرض الخيارات الفرنكفونية سواء من خلال تبوؤ المؤسسة الفرنسية صفة “ضيف الشرف”، أو برمجة أغلب الندوات والمحاضرات بالفرنسية، وهي نشاطات رشى كما يصفها البعض، حيث تضخ فرنسا أموالاً طائلة في سبيل ذلك، تسببت في خلافات عميقة بين الفرنكفونيين المرتشين، وأنصار الهوية العربية الإسلامية، وصلت حتى اتحاد المحامين، وهي مساعي تثبيت المركزية الفرنسية في كل شيء تقريباً، الملاحظة الأخرى هي عودة الرقابة المسبقة على حرية النشر، وليس أدل على ذلك من منع نحو 70 دار نشر من المشاركة في المعرض.
ويقترح كثيرون ومن بينهم رئيس اتحاد الناشرين، محمد صالح معالج، تعيين هيئة قارة لا يسيطر عليها طرف واحد كما هي الحال الآن، مهمتها وضع إستراتيجية واضحة لضمان حسن التنظيم، وضمان الإقبال على البيع والشراء، ودعم المعرض من قبل الدولة بشراء الكتب للمكتبات المدرسية ودعم الكتاب على غرار قطاعات أخرى، كالسينما والمسرح.