“رمتني بدائها وانْسَلَّتْ”.. مثل عربي يُضرب لمن يُعَيِّر صاحبهُ بعيبٍ هو فيهِ؛ فيُلقي عيبهَ على الناسِ ويتهمهم به، ويُخرجُ نفسَه من الموضوع، وذلك هو عين ما اصطلح عليه الغرب بـ”الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة مرضية تعني الخوف من الإسلام، وهو خوف مرضي مصطنع غير مبرر رافض للإسلام والمسلمين.
وكان من مظاهر “الإسلاموفوبيا” في الغرب: الهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين، والاعتداء على مساجد ومقابر المسلمين، وانتشار صورة نمطية سلبية على نطاق واسع في وسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين.
وكان آخر الأحداث التي ما زالت حية في الذاكرة، ما قامت به الخطوط الجوية المتحدة من طرد عائلة أمريكية مسلمة من الطائرة لأسباب تتعلق بـ”سلامة الطيران”، واتضح أن سبب الطرد هو المظهر الإسلامي للعائلة فقط.
ومن قبل في بريطانيا تظاهرت إحدى المنظمات ضد بناء مسجد، وتم الاعتداء على إمام مسجد وفقء عينه، وفي ألمانيا قُتلت د. مروة الشربيني طعناً بالسكين على يد عنصري ألماني، وفي بلجيكا دعت وزيرة الداخلية إلى حظر الحجاب؛ لأنه يتنافى مع قيم المجتمع، وفي إيطاليا حرقت مساجد في مدينة ميلانو أعلنت جماعة اسمها الجبهة المسيحية المقاتلة مسؤوليتها عنه، هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر.
وقد صدر تقرير هلسنكي لحقوق الإنسان، وكذا تقرير مركز المساواة في بروكسل، ليؤكدا تزايد التعصب ضد المسلمين في أوروبا، وركز تقرير هلسنكي على دور الإعلام الغربي في تغذية التعصُّب وكراهية الإسلام.
ومما أسهم في تشكيل ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، المؤسسة الكهنوتية المتعصبة، والنمو السريع للإسلام في الغرب، وهو ما عبرت عنه صراحة منظمة أوروبية في بريطانيا وبلجيكا حين أطلقت على نفسها اسم “أوقفوا مظاهر الأسلمة في أوروبا”، إضافة إلى وسائل الإعلام الغربية ودورها في إذكاء نار التفرقة والعنصرية ضد المسلمين.
ومع ذلك لا يكف الغرب عن الحديث عن الحريات العامة والدينية التي يمنحها لكل المقيمين على أرضه، وفي الوقت ذاته تصدر عنه التقارير المتتابعة عن اضطهاد الأقليات في بلاد العرب والمسلمين، مثل الأقباط في مصر، والشيعة في السعودية.
هذه هي الحقيقة التي تنطلق منها نظرة كثير من الغربيين وهي أن الأصل في العلاقة مع الآخر – وبخاصة المسلمين – علاقة حرب وعداء، وذلك منذ أن طرح للعلن فكرة صدام الحضارات، والتي ذهبت إلى أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيس لها.
وعلى العكس مما سبق، تنطلق نظرة جمهرة كبيرة من فقهاء المسلمين خاصة المعاصرين منهم إلى أن الأصل في العلاقات الدولية هي السلم لا الحرب.
كما أن الإسلام يقيم العلاقة بين الناس جميعاً على أساس التعارف والتعايش وحفظ الكرامة الإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}) (الحجرات).
والمخالفة في الدين لا تبيح العداوة ولا البغضاء، ولا تمنع المسالمة والتعاون بين البشر في شؤون الحياة العامة: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8}) (الممتحنة).
لقد أدنا العنف بكل أشكاله، ورفضنا قتل المدنيين أينما وجدوا، ومهما تنوعت أعراقهم أو دياناتهم، وقطعنا الطريق أمام من يريدون تصفية حسابات مع حكومات ظالمة من خلال قتل الأبرياء من رعاياها، وسارعنا بالتبرؤ من كل ما يمس القيم الإنسانية المشتركة، وكل ما يعكر صفو التعايش المشترك، وأقسمنا أيماناً مغلظة أنه لا علاقة لنا بالإرهاب ولا بالإرهابيين وشاركنا في المسيرات المنددة لتفجيرات مقر الصحيفة المسيئة لنبينا، حتى توارت الجريمة الأصلية للصحفيين الذين أساؤوا للنبي، صلى الله عليه وسلم، لعلهم يصدقوننا، وينصفوننا ويبرؤوننا من تهمة الإرهاب، وفي الوقت ذاته يلوذون بالصمت تجاه من يقتلوننا، بل وكثيراً ما يبررون أعمالاً إرهابية لمواطنيهم بأنها سلوك فردي، وليس لها أبعاد دينية، فهلا أدنتم العنف بشكل صريح سواء كان عنفاً فردياً أم جماعياً، وسواء كان عنفاً شعبياً أو حكومياً، وسواء كان إرهاباً شرقياً أو غربياً! وهلا حددتم تعريفاً واضحاً للإرهاب حتى نحتكم إليه جميعاً فيقع من يرتكبه تحت طائلة القانون والعقاب؟!
وإن كنتم تريدون الوصول للحقيقة فاقرؤوا كلام أحد أعضاء حزب العمال البريطاني حيث يقول: حين اعترفت فرنسا بفلسطين حدث تفجير باريس، وحين اعترفت اليابان بفلسطين بعدها خطف “داعش” اثنين من اليابانيين وقتلهما، وحين دعمت إندونيسيا مستشفى في غزة حدثت فيها تفجيرات، وحين حددت بلجيكا موعداً لمناقشة حقوق الإنسان في فلسطين حدث التفجير.. كم حادثة تحتاجون لتدركوا أن “إسرائيل” تدير “داعش”؟!
المصدر: موقع “علامات أون لاين”.