صعدت قوات الجيش الباكستاني من حملتها ضد الانفصاليين البلوش بعد الكشف عن مخططهم في الانفصال عن باكستان والكشف عن التنسيق المستميت والواسع بينهم وبين المخابرات الهندية التي تطوق إلى فصل الإقليم بكامله عن باكستان وتحويله إلى دولة جديدة في المنطقة.
وحملة الجيش الباكستاني في الإقليم ليست بجديدة، فمنذ إعلانه عملية “ضرب عضب” قرر توسعتها لتشمل بلوشستان وكراتشي وجنوب البنجاب، وهي مناطق تعرف بأنها تنشط فيها مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، وكان الجيش الباكستاني قد ضم إقليم بلوشستان إلى عملياته ونجح في القضاء على أهم معاقل الانفصاليين، وتمكن من القضاء على عدد من قادتهم البارزين وعلى رأسهم زعيم جيش تحرير بلوشستان وهو أعنف الفصائل البلوشية المناهضة للحكومة في باكستان وأكثرها قرباً من المخابرات الهندية وأكثرها دعماً منها، وكان الضابط الهندي الذي جرى القبض عليه في مارس 2016م قد جرى القبض عليه في أحد معاقل جيش تحرير بلوشستان وبصحبته نائباً لجيش تحرير بلوشستان، وضبط معهم ملايين الدولارات، كان يقدمها الضابط الهندي للمتمردين البلوش حتى يواصلوا هجماتهم وعملياتهم الإرهابية في إقليم بلوشستان.
سيناريو التقسيم مخطط أجنبي بامتياز
وتقول باكستان: إنها تحارب عشرات الانفصاليين، وإن هناك عدداً من المجموعات الانفصالية التي تقف وراء العمل على إنجاح خطة الهند في إضعاف باكستان وتمزيقها بعد أن مزقتها في عام 1971م، بفصل إقليم البنجال الباكستاني عنها وتحويله إلى جمهورية بنجلاديش التي سارعت الهند كأول دولة لتعترف بها وترفع أعلامها، ثم تتسابق “إسرائيل” وأمريكا والعواصم الغربية للاعتراف بها دون أي تردد، واستمرت الحلقة إلى أن وجد المسلمون أنفسهم “مكرهاً أخاك لا بطل” في الاعتراف بهذه الجمهورية ورفع أعلامها على أراضيهم بعد أن باتت أمراً واقعاً، ودولة عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، ومع الأسف أن السيناريو نفسه يخطط له الهنود اليوم وبدعم من أمريكا و”إسرائيل” ودول معادية، وهو سيناريو إن تحقق لهم فسيعرض باكستان لخطر كبير، وسيحولها إلى دولة صغيرة في المنطقة؛ إذ إن مساحة إقليم بلوشستان تمثل ثلث أراضي باكستان وتحوي ثروات الإقليم على 70% من الثروات التي تزخر بها باكستان.
الانفصاليين يفقدون التأييد المحلي
ويقول الخبراء: إن الكشف عن علاقة الانفصاليين البلوش مع المخابرات الأجنبية وخاصة الهندية منها زاد في توسع الهوة ليس بين الانفصاليين والباكستانيين بل بين الانفصاليين البلوش والسكان البلوش المحليين الذين ينظرون بدورهم نظرة الشك والريبة، فيمن يتعاون من قادتهم مع الهند التي ينظرون إليها على أنها دولة معادية للإسلام وتقتل المسلمين، وبخلاف الانطباع الذي يحاول الانفصاليون إعطاءه عن أنهم يتلقون تأييداً شعبياً منقطع النظير في بلوشستان، وأن غالبية البلوش من العلمانيين ولا دينيين، ولا يتعاطفون مع قضية الاستقلاليين في كشمير، ويجمعون على تمسكهم بحقهم في تقرير المصير وتشكيل دولتهم الخاصة بهم، لكن الأوضاع على الأرض تؤكد أنه من غير الصحيح ما يشاع من المزاعم القائلة: إن هناك حراكاً في بلوشستان يطالب بالاستقلال أو تقرير المصير، وإن الوعي البلوشي لم يصل إلى هذا المستوى من التفكير الذي يروج له الانفصاليون وقادتهم في الغرب.
وتقول هذه المحطات التلفزيونية والمؤسسات الإنسانية: إن السكان البلوش وهم قلة قليلة في الإقليم بمقارنتهم مع السكان الآخرين في الإقليم وهم البشتون والبنجابيون والسكان القادمون من السند لم يعبروا خلال اللقاء معهم وخاصة مع الشريحة المثقفة منهم بأنهم يتحدثون عن تقرير المصير، ويطالبون بجمهورية بلوشستان، أو أنهم يرغبون في أن تكون لهم دولة خاصة بهم، فجميع من استمع إليهم يتحدثون عن غضب واستياء من ذهاب ثرواتهم إلى العرقيات الأخرى مثل البنجابيين وإلى السكان الآخرين بينما يتم استخراجها من أراضيهم.
ويقولون: إنه لا يسمح لهم بالاستفادة من خيراتهم، وإنهم ما زالوا محرومين من الغاز الطبيعي الذي يستخرج من إقليمهم، بينما يستفاد منه السكان الآخرون في البنجاب والسند وغيرها، ويشعر الكثير منهم بالحرمان، وبعدم العدالة في تقسيم الثروات؛ وهو ما حمل البعض منهم إلى التشدد، ووصلت الحال بهم إلى التفكير في الانفصال والاستقلال وتقرير المصير على أنه الحل الوحيد للتمتع بالثروات والاستفادة منها، لكنه في رأي غالبية البلوش حل ليس واقعياً، ولا يمثل التيار الأكبر بين البلوش، فهو في رأيهم مطلب غير واقعي، وقد يعرض مستقبلهم للخطر، فهم سيبقون أقلية بين السكان في باكستان وحتى داخل إقليمهم.
مستقبل الانفصال
ويقول المراقبون: إن حراك البلوش لم يتوقف يوماً، فمنذ إعلان استقلال باكستان عن بريطانيا وقرارها تشكيل دولة خاصة بالمسلمين يكونون بعيدين عن الهند وقضية بلوشستان تستيقظ تارة وتنام تارة أخرى، وظل إقليم بلوشستان غير تابع لباكستان مند ظهور باكستان إلى الوجود عام 1947م، ولم ينضم إلى باكستان حتى عام 1958م، ليتم ضمهم إلى باكستان ويصبحون الإقليم الرابع فيها، لكنهم رفعوا السلاح في الستينيات ثم في السبعينيات من القرن الماضي، وكانوا يعودون إلى بيت الطاعة ويتصالحون مع الدولة، وظلت أسباب حراكهم هي الثروة والإشراف عليها؛ إذ إن باكستان تقول: إن الإشراف والسيطرة تظل بيد الحكومة المركزية.
ومازالت أسباب الحراك هي نفسها التي تحرك المجموعات الانفصالية اليوم، لكن العنصر الجديد اليوم هو دخول المخابرات العالمية في تأجيج الصراع وتغذيته وتشجيعه والتحريض عليه، وهي اعترافات أدلى بها ضباط المخابرات من الهند وأفغانستان وأمريكا، وبات هذا التمر يشكل تحدياً لباكستان وخطراً على مستقبل الإقليم، وهو ما جعلها تسارع إلى قطع الطريق على التدخل المخابراتي الأجنبي ومحاربته بمختلف السبل والوسائل، وأدت هذه الخطوة إلى تراجع الانفصاليين وتراجع شعبيتهم في الإقليم وإلى القضاء على 80% من نشاطهم المسلح وتطهيرهم من الإقليم، حيث باتوا مطاردين وفارين إلى دول الجوار، ودمرت أغلب معسكراتهم ومعاقلهم وجرى القضاء على العشرات من الجماعات الانفصالية التي بلغ عددها في عام 2010م أكثر من 30 مجموعة انفصالية، أما اليوم فعددها على الأصابع وباتت مشتتة ومتصارعة على الغنائم.
وكانت الحكومة الباكستانية قد أعلنت أن عام 2015م مثل تطوراً مهماً في القضاء على الانفصال ومرحلة جديدة شهدها الإقليم، حيث جرى القضاء على 204 من أشهر قادة الانفصال والقادة الميدانيين، بينما جرى القبض على 9 آلاف من أنصارهم في إقليم بلوشستان، وقتل خلالها 70 جندياً في معاركهم ضد الانفصاليين، لكن الأهم أن الغالبية من البلوش تؤيد عملية السلام، وتتحمس لفكرة الحكم الذاتي الموسع، لكن تحت إدارة باكستانية، وهو ما حمل عدداً من القادة إلى الدخول في جهود السلام مع الحكومة وحمل بالانفصاليين في الخارج إلى إعلان موافقتهم على الحوار، وسيبقى الامتحان الأصعب اليوم هو في تمكين باكستان البلوش من إدارة إقليمهم بحرية أوسع وتركهم يشرفون على ثرواته ويشعرون أنهم يتقاسمونها مع الآخرين بالعدل وبالحجم الذي يجب أن يكون عليه، وفي حالة واصلت باكستان وفاءها للبلوش بمنحهم إشرافاً أوسعاً على ثرواتهم وأشعرتهم أنهم يتمتعون بإدارة الإقليم بحرية، وأنهم مواطنون من الدرجة الأولى، فسيتم القضاء على الانفصاليين وأفكار تقرير المصير خاصة بعد اعترافات ضباط المخابرات الهنود بأنهم هم من يقفون وراء الانفصال ويدعمونه وليس البلوش أنفسهم.