منذ نشأة جامعة الدول العربية في العام 1945م – أي منذ ما يربو على 70 عاماً – والعرب يحدوهم أمل الوحدة المشتركة اقتصادياً، ولكن رغم توالد الأفكار لم يكن لها حظ على أرض الواقع وتحولت إلى حبر على ورق، وسبقنا بها غيرنا تطبيقاً وتنفيذاً، فتأسس الاتحاد الأوروبي في عام 1957م – أي بعد 12 عاماً من تكوين جامعة الدول العربية – رغم الاختلافات اللغوية والثقافية والصراعات التاريخية الدموية بين الدول الأوروبية، وأصبح هذا الاتحاد الكتلة الاقتصادية الأولى في العالم، والكتلة البشرية الثالثة بعد الصين والهند، هذا فضلاً عن تكتلات أخرى مثل تجمعات «النافتا» و»الآسيان» و»الميركوسور».. وغيرها.
ولا شك أن الاتحاد الأوروبي مُني بنكسة كبرى بإعلان بريطانيا الخروج منه بناء على الاستفتاء الذي أجرى يوم 23 يونيو 2016م، وأسفر عن تأييد 51.9% للخروج من الاتحاد مقابل 48.9% طالبوا بالبقاء، وهو الأمر الذي قد يعرض الاتحاد لهزات أخرى بخروج دول أخرى من الاتحاد، ومع ذلك فالاتحاد الأوروبي لا يزال متماسكاً.
مقومات الوحدة الاقتصادية
إننا في عالم لا يعرف سوى لغة القوة والمصالح، ورغم ما يجمع الدول العربية من قواسم مشتركة – كاللغة والدين والثقافة والتكوين والتاريخ والجغرافيا – لم تجمعهم في واقعهم المعاصر خطوات حقيقية تمكنهم من الوصول للمستوى الطبيعي أو المقبول في مسيرتهم نحو الوحدة الاقتصادية أو التكامل الاقتصادي.
لقد كان أمل الدول العربية في نموذج دول مجلس التعاون الخليجي كنموذج مبدئي للوحدة العربية، رغم ما تعرض له هذا النموذج من عدم التقدم للأمام كثيراً في مجالات السياسة النقدية والمالية والهيكلية وتوقف المفاوضات نتيجة لاختلافات جوهرية بين بعض الدول بذات الشأن، ولكن ما نراه الآن يجعل ذلك الأمر مشكلة هينة.
إن ما تمر به الأمة من مرحلة تنازع واختلاف – تغذيه الصهيوأمريكية باعتبارها المستفيدة من ذلك – هو إنذار لعدم الوقوع في مكايد الشيطان ووعوده، والعودة إلى ميزان العقل وحل المشكلات كلها بالحوار بعيداً عن الصدام، والاستفادة من الدور المحمود لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في لم الشمل والتأليف بين الإخوة.
إن هذه الأزمة فرصة للوقوف مع النفس وتعزيز إرادة الوحدة الاقتصادية العربية، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولكن يجب أن ندرك أنه لن تتحقق تلك الوحدة ما سادت قومية العصبية والفردية وعزل الإسلام كمنهج حياة، وقد فطن المستشرق “جب” Gibb)) إلى سر توحد العرب بقوله عنهم: “إنهم تجمعهم حقيقة تاريخية هي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وذكرى الإمبراطورية العربية بالإضافة إلى اللسان العربي والإرث الحضاري المشترك”.
الوحدة فريضة إسلامية
لقد كان العرب قبل الإسلام أمة، لكنها ممزقة، لم تعرف للوحدة سبيلاً، وللتكامل مكاناً، ولم تكن العربية وحدها أو القومية وعاء لجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم، ولم يحدث تكاملهم ووحدتهم وتحولهم إلى بنيان مرصوص وجسد واحد إلا في ظل الإسلام، وهذه حقيقة تاريخية، فنجاح مشروع الوحدة العربية اقتصادياً وسياسياً مرتبط بعودة الروح الإسلامية لتسري في القومية العربية، فتهذبها بتعاليم الدين، وتضع مسيرة التكامل في طريقها الصحيح.
إن الإسلام كمنهج حياة جعل من وحدة المسلمين فريضة إسلامية، وقد قامت مناسكه وشعائره من صلاة وصيام وزكاة وحج ونحوها على العمل الجماعي لا الفردي، وعلى ذات الدرب يقوم نظامه الاقتصادي.
كما أن الإسلام دين يربي أبناءه على العزة، ويرفض لهم التبعية الاقتصادية، ويأمرهم بأفضل استخدام ممكن للموارد المتاحة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: “لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ”، وكذلك يرتب الإسلام أولويات الإنتاج في المجتمع وفقاً لحاجات الناس من ضروريات وحاجيات وتحسينات، ويمنح العنصر البشري مكانته بصفته أفضل مخلوق وخليفة الله في أرضه، من خلال حرية الحركة والعمل والتملك وممارسة النشاط الإنتاجي وحمايته من أي تعديات.
لذا فليفر العرب إلى شريعة ربهم، فبها تحل خلافاتهم، وتكون الوحدة سبيلهم، فالاعتصام بحبل الله هو النجاة، ولنا في تجربة الأندلس عبرات وعظات.