رمضان يأتي كنسمة باردة في صيف ملتهب تحيل رمضاءه برداً وسلاماً وسعادة لا حدود لها
رمضان فرصة لوضع حد للفوضى في حياتي فبدأت بالصلاة واختيار الصديق الوفي سبيلي للعودة إلى الطريق
رمضان محطة للتزود وفرصة يتباطأ فيها قطار التوبة مانحاً الأمل للمتعثرين من أجل الصعود
لم تفارق صور النساء وهن يخرجن من المسجد يودعن بعضهن بعضاً ذهنها وودت لو كانت معهن
تورطتُ في التدخين وحاولتُ كثيراً فلم أستطع لكن مع قرب رمضان قبل عامين اتخذت القرار ونفذته
رمضان شهر الرحمة والمغفرة ولن أعود إلى معصية بعد أن تاب الله عليَّ وزاد من رزقي
كان لافتاً أن تعود آسية إلى ارتداء الحجاب بعد خلعه لمدة تزيد على 3 سنوات
«رمضان دفق نوراني كأننا نشهد فيه وبه ومعه ميلاد الانفجار العظيم، وميلاد الكون الجديد.. إنه الانفلاق الذي يفجر العيون، والغيث الذي ينزل على النفوس فتنبت من كل زوج بهيج، وهل يستوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون؟ فليس من حضر الوليمة كمن لم ينل منها سوى دخان الموقد».
هذه الكلمات التي قالها لـ»المجتمع» الأديب التونسي عمار الجماعي -العائد من فسطاط اليسار إلى وسطية الإسلام وسماحته- تعبر عن حال الكثيرين مع شهر رمضان؛ حيث يعد بالنسبة لهم محطة للتوبة والأوبة والرجوع إلى الله تعالى الذي يتبعه تغيير كامل في كل مناحي الحياة؛ حيث تصوغ التقوى حياتهم من جديد؛ وهذا هو أهم مقاصد الصيام، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183}) (البقرة).
في هذا التحقيق، نسعى إلى تتبع بعض مظاهر التغيير التي أحدثها شهر رمضان في حياة بعض الشباب الذين التقيناهم من عدة دول مختلفة؛ حيث تعددت هذه المظاهر بين الحفاظ على الصلاة والإقلاع عن المخدرات والتدخين والالتزام بالحجاب.. إلخ.
ونستكمل مع الأديب التونسي عمار الجماعي؛ حيث يقول لمراسل «المجتمع» بتونس: «يدخل رمضان علينا ونحن مكدودون من هرج الساسة، وضوضاء المعارك وضيق الصدور، فيأتي رمضان كنسمة باردة في صيف ملتهب، تحيل رمضاءه برداً وسلاماً وسعادة لا حدود لها».
ويتابع الجماعي: «إننا نتحدث عن رمضان الذي تختلف فيه المشاعر، وربما نظر إليك أحدهم باستغراب وهو يستمع إليك وأنت تصف مشاعرك، وكيف يعيد رمضان إليك روحك وحياتك وإنسانيتك، بمعنى طعمها وعذوبتها، وسعادتها، فالسعادة هي أن تعيش حياة وأنت قادر على نقيضها، وهنا تكمن عظمة رمضان، وفلسفة الجوع مع وفرة الطعام، وفلسفة العطش مع كثرة الماء، وفلسفة العفة مع مشاعية الفساد، إنه السمو الروحي مع التمكن المادي».
العودة إلى «عماد الدين»
“عماد الدين” هنا هو الصلاة؛ فهي آكد أركانه وثانيها بعد شهادتي الدخول في الإسلام؛ لذا فإن التفريط فيها أو تركها يعد من كبائر الذنوب، بل وربما يخرج صاحبه من الملة إن تركها جحوداً أو نكراناً.
ويعد شهر رمضان بأجوائه الإيمانية ونفحاته الروحانية فرصة للكثير من الشباب الذين ضعفوا طوال العام أمام الشيطان، ففرطوا في الصلاة؛ فيأتيهم رمضان ليأخذ بأيديهم ويعيدهم إليها مرة أخرى.
كان الشاب المغربي أحمد -الذي يدرس الآن في كلية العلوم والتقنيات- ممن تربى على قيم إسلامية أصيلة في بيت محافظ، وكان يلازم أباه في الذهاب إلى المسجد، لكن انتقاله من مدينة صغيرة إلى المدينة الجامعية غيَّر شيئاً من حياته، فصخب الحياة والعيش بعيداً عن العائلة جعلاه إنساناً آخر -كما يقول- فهو لم يعد يصلي إلا لماماً، أو حين يكون في تجمع ويكون محرجاً أمام الناس.
يقول أحمد، بما يشبه الاعتراف الذاتي: “كان في داخلي شعور بالندم على ما يفوت عليَّ من صلاة، فأنا في صراع مع نفسي من أجل تعويدها على اتباع نظام معين تكون فيه أداء الصلاة على وقتها شيئاً مؤكداً، لكن مشاغل الدنيا والاهتمام أكثر بها جعلني مكبلاً”.
ويضيف أحمد: “أعرف أن رمضان فرصة لا تعوض، من أجل وضع حد للفوضى في حياتي، لقد مر أسبوع كامل من شهر الصيام وأنا أواظب على الصلاة، وبدأت أقنع نفسي أن الأمور ليست بتلك الصعوبة التي تُخيل إليَّ، وأن الابتعاد عن بعض الأماكن واختيار الصديق الوفي سبيلي إلى العودة إلى الطريق”.
ويضيف أحمد: “مر اليوم الأول بصعوبة، خاصة بعد ليلة قيام للتراويح، أحسست ببدني ثقيلاً في الصباح من كثرة التعب، ودارت في ذهني أفكار تدعو إلى الاستسلام والعودة إلى الاسترخاء، لكن ما إن وصل وقت الظهر وتوضأت على مضض، حتى شعرت باسترجاع للنشاط عجيب، قبل أن أتلقى مكالمة من صاحبي عبدالجليل يخبرني أن المقرئ العيون الكوشي -المحبب إلى قلبي- قد يصلي التراويح في مسجد الحي هذا المساء، مكالمة زادت من فرحي”، ويختم أحمد: “أرجو أن يمر كل رمضان على هذا الشكل، إنها فرصة لا تعوض، ولا نعرف ما يكون الأمر في رمضان المقبل”.
لم يكن أحمد الشاب الوحيد الذي استعاد حلاوة المحافظة على الصلاة في رمضان، فقد قال الحاج سالم، إمام أحد المساجد المغربية: “إن عدداً من الشباب أعادهم الله إلينا، وأصبحنا نرى المسجد عامراً في صلاة الصبح كما في التراويح”.
ويؤكد أن نسبة لا بأس بها تظل مواظبة على الصلاة بعد العيد، ثم يعلق: “رمضان محطة للتزود، رمضان فرصة يتباطأ فيها قطار التوبة مانحاً الفرصة للمتأخرين والمتعثرين من أجل الصعود مرة ثانية”.
ومن المغرب إلى تونس، مع الفتاة سنا بن يدر، التي صرحت لـ”المجتمع” بأنها ظلت إلى وقت قريب تاركة للصلاة، غير عابئة بالشعائر، ومنغمسة فيما تراه المدنية والحداثة.
وكانت، كما نقل عنها، تجلس إلى نافذتها عندما كان المصلون يخرجون من المساجد جماعات بعد أداء التراويح، وأكثر ما لفت انتباهها مشاهد النساء وهن يخرجن في وقار، والبشر يعلو وجوههن، في حين تكون قد احمرت عيناها، وذبلت وجنتاها من كثرة النظر في الحاسوب وهاتفها المحمول والتلفاز، حتى ملّت المشاهد المتعددة للمسلسلات والبرامج التي تعد خصيصاً لرمضان خارج سياقه ومقاصده.
لم تفارق صور النساء وهن يخرجن من المسجد ويتبادلن الود ويودعن بعضهن بعضاً ذهن سنا، وودت لو كانت معهن، لكنها لم تتخذ قرار الانضمام إليهن إلا بعد أن استدعتها إحدى جاراتها لطعام الإفطار في بيتها فلبت الدعوة، وبعد تناول الإفطار حدثتها أم عادل عن التراويح، وكيف أن بعض الرجال والنساء يبكون أثناء الاستماع للتلاوة، وكيف يخرجون بأرواح سامية، ولذة لا يعلمها إلا من عاشها وخبرها، ومن تلك اللحظة اتخذت قرارها بالالتزام، وناولتها أم عادل لباساً شرعياً من ثياب ابنتها، واتصلت سنا بأسرتها تخبرها بأنها ذاهبة إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح، ومن يومها لم تنقطع عن العبادة، بل وأثّرت في وسطها العائلي وبنات حيّها الثري.
شهر الحسم مع الإدمان
يعد الإدمان من أفتك الأمراض الاجتماعية التي إن تمكنت من شباب أي أمة أصابها الوهن والضعف؛ حيث تعطل العقل الذي ميز الله به الإنسان وكرمه؛ ولذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتشديد على تحريم كل أنواع المسكرات ومحاربتها، والعمل على علاج من أصابهم هذ الداء.
ولعل في شهر رمضان فرصة لكثير من الشباب الذي وقع في هذا الداء المقيت مضطراً تحت ظروف اجتماعية أو نفسية معينة، لكن ما زال يحمل بقية من الخير والاستعداد للصلاح؛ ومن هؤلاء الشاب المصري محمد عمران، حيث كانت حياته تقوم على “التنطيط” -كما يقول- بسبب عمله في التصوير الفوتوغرافي، وقد لعب التدخين في عقله بسبب بعض أقرانه، فاتجه إلى التدخين بنوعيه السجائر والشيشة، وبعد فترة بدأ الندم يتسرب إليه، فقاوم كثيراً حتى يمتنع عن ذلك ففشل، ولم يبد نتيجة إلا مع قرب رمضان.
يقول عن حكايته لـ”المجتمع”: “تورطتُ في التدخين، حاولتُ الإقلاع كثيراً فلم أستطع، لكن مع قرب رمضان قبل عامين اتخذت القرار، احتراماً للشهر الكريم، ونفذت قراري وساعدني جو الشهر على ذلك رغم صعوبة مفارقة السيجارة والشيشة بعد الإفطار لمن جرب التدخين، والحمد لله في رمضان أصبحت أحافظ على الصلاة في جماعة لا سيما صلاة الفجر، كما أقلعت تماماً عن التدخين وشرب الشيشة”.
وعن السر في التغيير يضيف: “مررت بأزمة قبيل رمضان، جعلت مني إنساناً يمتلك إرادة تجعله يقلع عن التدخين، وكان شهر رمضان فرصة؛ فتحركت وساعدني بعض الأصدقاء، وكان الأمر صعباً في البداية، لكنني تغلبت بالصبر، وعندما حل رمضان كانت الفرصة أكبر لتحقيق هدفي، وتمت بفضل الله عز وجل”، مشيراً إلى أنه سمع عن شباب كانوا يرتكبون أشياء أكبر من ذلك، وكان رمضان فرصة لهم للتوبة والرجوع إلى الله عز وجل.
وفي هذ السياق، يقول الشاب معتز محمود، وهو من سكان قطاع غزة، لـ”المجتمع”: “لشهر رمضان دور كبير في إقلاعي عن الكثير من الذنوب التي لم أستطع في بقية أشهر السنة الإقلاع عنها، وهي عادة التدخين وعدم الصلاة، بحمد الله في رمضان انتظمت في صلاتي بالمسجد؛ فرمضان المبارك كان فرصة ثمينة من أجل تصحيح الكثير من السلوكيات الخاطئة، وأقلعت عن التدخين، هذه الآفة الخطيرة التي يمارسها الكثير من الشباب المسلم هنا في فلسطين وهي مهلكة للنفس والمال”.
ووافقه هذا الرأي مواطنه عامر رجب، الذي قال لـ”المجتمع”: “في رمضان العام 2014م الذي تزامن مع حرب الاحتلال على قطاع غزة، كان محطة فارقة في حياتي، انتقلت حينها من الظلمات إلى النور، كنت قبل رمضان أتناول الكثير من الممنوعات، من بينها “الترامادول”، الذي يطلق عليه في غزة “ترومان”، وهو من الأنواع المخدرة الممنوعة في غزة، ولكن بحمد الله تركت هذه العادة السيئة، وأنا الآن منتظم في صلاتي، وأقلعت عن كل ما حرم الله، وكان ولله الحمد لشهر رمضان الفضل في ابتعادي عن كل ما يغضب الله عز وجل”.
أما مواطنهما الثالث الشاب منصور عيد فيقول: “لشهر رمضان حرمته، وروحانيات جميلة، تشرح فيها القلوب، وتطيب الأنفس؛ فكل ما حولك ينبعث منه الإيمان، فالمساجد تصدح بالقرآن والتراويح، فكان ذلك فرصة لأصحح فيها كل حياتي، بعد أن كنت ضائعاً لا أعرف للإيمان ولا لشرع الله طريقاً..”.
وأشار الشاب عيد إلى أن أكثر الآفات التي تواجه الشاب المسلم هو بعده عن دين الله؛ فيشكل شهر رمضان المبارك للكثيرين من الشباب عهداً جديداً لتصحيح مسار الحياة والعودة إلى الله، والالتزام بمتطلبات الإيمان.
وعن تجربته الشخصية، قال لـ”المجتمع”: “كنت أتناول الكثير من المشروبات المحرمة، لكن في شهر رمضان المبارك تغير كل شيء؛ أقلعت عن كل المحرمات، وبحمد الله أعانني الله على الانتظام في صلاتي، وأنا عازم بعون الله على تأدية العمرة إذا أتيحت لي الفرصة هذا العام”.
أنقذني من الضياع
وإلى تونس، حيث يروي رزق أبو جمعة لـ»المجتمع» عن بصمات رمضان في حياته، وكيف أنقذه شخصياً وأنقذ أسرته من الضياع والتفكك، فقال: «كنت مدمناً على شرب الخمر، وكنت غالباً ما أعود إلى المنزل، وأتشاجر مع زوجتي أمام أبنائي الستة، وكنت تحت تأثير الخمر أضربها، وأحياناً يكون ضرباً مبرحاً، وكان رمضان فرصة لنوع من الاستقرار؛ حيث أتوقف عن شرب الخمر، ويتوقف الشجار بيني وبين زوجتي، ثم أعود للشراب ليلة العيد».
ويمضي قائلاً: “استمرت الحياة لبضع سنوات على تلك الحال؛ “نكد في نكد وخصومة في خصومة”، حتى كان رمضان الماضي، حيث استعنت بالله على عدم شرب الخمر بعد رمضان كما جرت العادة وإنما التوبة نهائياً”.
ويشرح رزق ذلك قائلاً: “قبل رمضان العام الماضي عدت إلى البيت ثملاً، وتكررت الخصومة مع زوجتي، وضربتها كالعادة، وكانت تذهب إلى بيت أهلها كل مرة، ولكنها لم تكن تذهب إلى الشرطة أو القضاء، وكانت تعود بعد كل فترة، إلا أنها هذه المرة أطالت فترة الغياب، وفي أعقاب إحدى السهرات المشؤومة ذهبت إلى منزلهم ثملاً، وتصرفت وتكلمت بدون عقل، فخرج إليَّ شقيقها الأكبر وحدثت بيني وبينه معركة كدت أفقد فيها حياتي لولا تدخل أخيه الأصغر الذي كان صديقي، ومع حلول شهر رمضان الماضي قررت تمتين عزيمتي بألا أعود لشرب الخمر بعد رمضان كعادتي، وعززت ذلك بالدعاء وبالصلاة في المسجد جماعة، حيث صليت التراويح، ولأول مرة أذوق حلاوة الإيمان والحمد لله.
واليوم أكره الخمر، وأحذر منه، وقد تاب الله عليَّ وعلى الكثير من أصدقائي، وعاد السلام والوئام إلى أسرتي، وأصبح بإمكاني توفير بعض المال الذي كان يذهب إلى المشروبات في حين كانت أسرتي تعيش الأمرّين”.
قبل 40 يوماً
كل سنة مع اقتراب حلول رمضان المبارك، يعتقد عدد من المدمنين على الخمور أن صيامهم سيكون باطلاً إذا ما صادف «نقطة من خمر في أجسادهم»، ويعتقدون أن «أقل من أربعين يوماً قبل رمضان لن تكون كافية لتطهير أجسامهم من هذا السم، لذا فهم يمتنعون عن تناول الخمور قبل 40 يوماً من دخول شهر رمضان.
يقول فريد، من المغرب، لـ»المجتمع»: «ابتليت بشرب الخمر منذ التاسعة عشرة من عمري، بسبب مرض تسبب في فشلي الدراسي، كنت أظن أن الإدمان الحل الوحيد للهروب من مشكلات الحياة، خاصة مع قلة اليد، أنا اليوم في الثالثة والعشرين من عمري، أقوم بأعمال يومية أجني بها رزقي، لكن ما يذره نهار الكد يسحبه ليل القنن».
ويتابع فريد: «في بداية تعاطي هذا المسكر المهرب، وجدت مقاومة كبيرة من عائلتي، وكدت أتشرد بسبب معاقرتي للخمر، لكن في النهاية، اقتنع الجميع ألا فائدة من مقاومتهم، وفضل خالي أن أسكن في سطح بيته أجاور «مصيبتي» على أن يراني الجيران عائداً إلى البيت مترنحاً!».
لكن في جلسة ودية مع الأصدقاء خلال إفطار خيري -يحكي فريد- كيف أنه مع اقتراب رمضان، ولأول مرة في حياته تتلاطم الأفكار في ذهنه، فلا يمكن أن يستقبل هذا الشهر الكريم بمعصية.. صحيح أنني لا أصلي، لكن لا يمكن أن أصوم وفي بطني قطرة من حرام!
وجد فريد ضالته في العمل الخيري خلال رمضان، وأصبح محرجاً وهو يرى الجميع ينهض للصلاة كلما أذن المؤذن، يقول: «رمضان شهر الرحمة والمغفرة، وهذه السنة لن أعود إلى معصية بعد أن تاب الله عليَّ، وزاد من رزقي بعد أن وجدت عملاً في محل تجاري، أنا الآن أفكر في بناء أسرة، والتوبة خطوة في طريق طويل».
لبس الحجاب
يعد الحجاب من الفرائض الإسلامية التي يسعى الشيطان إلى إثناء بعض ضعيفات النفوس عنها؛ وهو ما يكون له أثره في تأجيج الغرائز ونشر الفتن بين الشباب.
ولكن بعض الفتيات تجد في شهر رمضان فرصتها للعودة والرجوع وارتداء الحجاب.
فقد كان لافتاً في أحد أحياء المغرب أن تعود آسية إلى ارتداء الحجاب بعد خلعه لمدة تزيد على 3 سنوات.
هي فتاة في الثانية والعشرين، تعمل بائعة أثواب للنساء، كانت معروفة بحيويتها وعلاقاتها المتعددة، واشتراكها في أعمال خيرية متنوعة إلى أن انقطع كل شيء بدون سبب معروف، عرفها أهل الحي فتاة محجبة منذ صغرها، بدا الأمر طبيعياً؛ ففي المدينة الكبيرة لا يلقي الكثيرون البال لمثل هذه الأمور، والحرية مكفولة للجميع فيما يقوم به بخصوص اللباس، يميل النساء في الحي إلى ارتداء الحجاب أكثر بسبب العادة، وتفضل أخريات السفور، دون أن تجد لوماً من الأخريات، وإنما هو عتاب خفيف ونصح في المناسبات.
تقول آسية: “في جلسة عائلية رمضانية مفعمة بأجواء أخوية نادرة ذات صباح قبل ثلاث سنوات، وأنا أحاول لبس حجابي، شعرت بضيق كبير، حاولت الوضوء فلم أستطع، فقد سيطر عليَّ إحساس كبير بالاكتئاب، وبدت لي الدنيا مظلمة من دون روح، فقد فقدت أبي قبل أيام، ولم أستطع تقبل الأمر، وبدأت أسأل نفسي: لماذا اختار الله أن يبعد عني أبي في وقت كنت في أشد الحاجة إليه؟ منذ ذلك الحين بدأت أغير طريقة حياتي، فقد حان الوقت لكي ألتفت إلى نفسي، وأبحث عن طريقي بحريتي”.
تضيف آسية: “كنت أعتقد أن التحرر من الحجاب هو بداية لإثبات نفسي، وفي مرات كنت أشعر أنه نوع من الانتقام من القدر الذي حرمني أبي(!) والعياذ بالله تعالى”.
وتستطرد قائلة: “في جلسة نفسية لمعالجة الاكتئاب الذي لازمني، قالت الطبيبة: لو كان أبوك حياً ما سعد بما تقومين به من تدمير حياتك والتجني على مستقبلك.. رنت تلك العبارة في أذني رنيناً لا يحتمل، فانفجرت باكية: لو كان أبي حياً ما كانت أي مشكلة، لذا لا أحتاج إلى أي مساعدة من أي أحد، وتركت العيادة بسرعة”.
تتابع آسية قصتها: “في صباح أول رمضان هذا العام، استيقظت باكراً على غير العادة، لمحت أمي في ركن من البيت تقرأ في مصحفها العتيق، اقتربت منها، تحرك شعور داخلي: هل تستحق أمك التي ضحت من أجلك أن تستمري في تعنتك؟ هو نداء داخلي أصابني على حين غرة في أجواء رمضانية مفعمة بالإيمان والإحسان”.
وتضيف: اقتربت من أمي التي استقبلتني بابتسامتها المعهودة، لكن هذه المرة وجدت فيها رسائل مشفرة وأخرى واضحة: ألم يحن الوقت بنيتي الجميلة أن تعودي إلى رشدك؟ مال قلبي إلى أمي ميلاً شديداً، أمسكت المصحف من يدي أمي، ونظرت فيه نظرة خاطفة، سرعان ما تحولت إلى قشعريرة: ها أنت تصومين، لماذا تصومين؟ أو ليس الذي تصومين له هو الذي أمرك بالحجاب، وأمرك بالصلاة؟”.
وأردفت: “كانت فرحة أمي ذلك الصباح وهي تراني مرة ثانية أستقبل القبلة فرحة لا توصف؛ فهي لم تنهرني حين وضعت عني الحجاب ولم تخاصمني، ولكنها اليوم من شدة فرحها قالت: أعاد الله لي بنيتي، أعاد رمضان فلذة كبدي”.
جرس إنذار
الشاب القطري حمد السعد (20 عاماً)، يقر بأنه كان لديه العديد من المعاصي، وهو أمر لا يخلو منه عبد مسلم، في ظل الفتن التي يتعرض لها الشباب في ظل هذا العصر، على حد قوله، لكنه يقول: «على الرغم من أنها من الصغائر، فإنني حرصت على ألا تصل إلى الكبائر، وأعانني الله على التخلص منها؛ ما جعل رمضان هذه السنة يمثل لي تحولاً كبيراً في حياتي، فهو بمثابة تغيير حقيقي لي».
أما الشاب علي المنصور (22 عاماً)، فيؤكد أن “رمضان في حد ذاته غنيمة كبيرة للشاب المسلم خصوصاً، كونه موسماً هائلاً للطاعات، وفرصة كبيرة للإقلاع عن كافة المعاصي والذنوب، مهما صغرت أو كبرت، لذلك ينبغي أن يكون الشهر الكريم بالنسبة للجميع بمثابة جرس إنذار للتخلي عن كافة العادات والسلوكيات الخاطئة، التي تغضبه سبحانه وتعالى.
ويضيف أنه “عن نفسي فإن رمضان هذا العام كان مختلفاً عما سبقه من أشهر؛ حيث كان فرصة كبيرة للإقلاع عن العديد من العادات الخاطئة، التي لم تكن تتناسب مع السلوكيات القويمة التي ينبغي للمسلم أن يتسم بها، ولذلك فرمضان هذه السنة غير”.
د. منال خضر، المستشارة الاجتماعية والأسرية المصرية، تعلق قائلة: إن رمضان رقم صعب في الشهور العربية لإحداث تغيير في الإنسان المسلم على المستوى الديني والعودة إلى الله والتوبة، أو على مستوى تعديل السلوك والعادات الاجتماعية السيئة؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له”.
وتضيف: بحسب رصدنا لشريحة الشباب من البنات والأولاد، فإن الشباب المدخن ينتهي تماماً من عادة التدخين في النهار، ويحاول أن يقللها ليلاً احتراماً لشهر رمضان، وأرى بنات كثيرات يرتدين الحجاب في رمضان احتراماً للشهر الفضيل، وحتى بعض البنات غير المحجبات تجدهن يذهبن إلى المسجد بعباءة خصصتها للصلاة حرصاً منها وإيماناً أن هذا هو ديننا وامتثالاً لأوامر الله.
وأضافت: هناك نماذج من الشباب والبنات بحكم علاقاتي كمستشارة أسرية أعرفهم بشكل شخصي يحرصون على الاستعداد لرمضان قبله بشهور؛ فهناك فتيات يستعددن بتجهيز ملابس الحجاب والالتزام بالزي الإسلامي في رمضان، ويعتبرنه عيداً وموسماً للحجاب والعودة إلى الله، وهناك من الشباب من يعتبر رمضان فرصة للتدريب على الإقلاع وترك التدخين نهائياً، بجانب تواصي الشباب والبنات على عمل الخير وعمل شنط رمضان والوجبات الجاهزة لتوزع على الفقراء.