في عام 2005، جلس ستيفن روزن، وهو مسؤول كبير في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، لتناول العشاء مع الصحفي جيفري جولدبرج، الذي كان آنذاك يعمل في “نيويوركر” وقال: “هل ترى هذا المنديل؟”، متحدثاً مع روزن جولدبرج.
ثم أجاب: “في أربع وعشرين ساعة، يمكن لـ”أيباك” الحصول على توقيعات سبعين من أعضاء مجلس الشيوخ على هذا المنديل”.
لا يسعني إلا أن أذكر هذه الحكاية بعد الانتقاد الشديد الذي وُجه لنائبة الكونجرس إلهان عمر، عن الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا، من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء بسبب تغريدتين، أشارت فيهما إلى أن الساسة الأمريكيين يدعمون دولة “إسرائيل” بسبب الضغوط المالية من أهم جمعيات اللوبي الصهيوني (AIPAC).
هل كانت الطريقة التي صاغت بها تغريداتها هي المشكلة؟
هل أساءت إلى جزء كبير من الرأي الليبرالي الأمريكي اليهودي؟
هل ربما اصطدمت دون قصد بالاستعارات المعادية للسامية عن اليهود الأغنياء الذين يسيطرون على العالم؟
نـعم.. نـعم. ونـعم..
كما اعترفت بنفسها منذ ذلك الحين واعتذرت “بشكل لا لبس فيه”.
لكن هل كانت مخطئة في ملاحظة قوة اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل”، وفي توجيه إصبع الاتهام إلى “أيباك” (AIPAC)، وفي إلقاء الضوء -في اعتذارها- على الدور الإشكالي الذي يمارسه أعضاء جماعات الضغط في السياسة الأمريكية، سواء أكان لوبي “AIPAC” أو لوبي “NRA” أو لوبي صناعة الوقود الأحفوري؟
لا.. لا.. لا..
على أي حال، لم يكن روزن، أول مسؤول في “أيـباك” يتباهى بالسلطة الخام التي يمارسها “اللوبي الأمريكي الحزبي الموالي لإسرائيل” في واشنطن العاصمة.
صفقات “أيباك” مع بوش وكلينتون
أعود لوقت سابق، إلى عام 1992، عندما تم القبض على رئيس “أيـباك” ديفيد ستاينر بسبب شريط كان يتفاخر فيه بأنه “أبرم صفقة” مع جورج بوش الأب في البيت الأبيض لتقديم 3 مليارات دولار من المساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل”، كما ادعى شتاينر أنه “يتفاوض” مع إدارة كلينتون الجديدة بشأن تعيين أعضاء مجلس الوزراء الموالين لـ”إسرائيل”، وقال: إن “أيـباك” لديها عشرة أشخاص في حملة كلينتون، في المقر.. وسيحصلون جميعاً على وظائف كبيرة.
تكتل “أيباك” ضد تشارلز بيرسي
وفي عام 1984، عندما هزم تشارلز بيرسي، السناتور الجمهوري المعتدل من ولاية إلينوي، في حملته لإعادة انتخابه بعد أن تعرض لغضب “أيباك”؛ لأنه رفض التوقيع على رسالة برعايتها، ولأنه تجرأ على الإشارة إلى زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات باعتباره “معتدلاً” أكثر من غيره من شخصيات المقاومة الفلسطينية الأخرى، وقد جمع المساهمون في “أيباك” أكثر من مليون دولار للمساعدة في هزيمة بيرسي، وكما عبر توم دين، المدير التنفيذي لـ”أيباك”، في خطاب له بعد فترة قليلة من هزيمة عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري؛ تجمع كل اليهود، من الساحل إلى الساحل، للإطاحة بـبيرسي، وقد حصل السياسيون الأمريكيون -وخصوصاً أولئك الذين يشغلون مناصب عامة الآن، وأصحاب الطموح- على تلك الرسالة.
فتش عن اللوبي الصهيوني
بعد أربعة عقود فقط، وبينما يتهافت أعضاء الطبقات السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة على إلهان عمر، هل من المفترض الادعاء أن مسؤولي “أيباك” لم يقولوا أو لم يفعلوا شيئًا؟
وهل من المتوقع أيضاً أن ننسى أن توم فريدمان، من صحيفة “نيويورك تايمز”، وهو صاحب المناصرة طويلة الأمد لـ”إسرائيل” في الإعلام الأمريكي، الذي وصف ذات مرة التصفيقات الحميمة التي تلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أعضاء الكونجرس، بأنها “اشتريت ودفع ثمنها من قبل اللوبي الإسرائيلي”؟
أو أن جولدبرج، الذي يشغل الآن منصب رئيس تحرير مجلة “ذي أتلانتك” ويطلق عليه “الصحفي / المدون الأشهر في الأمور المتعلقة بإسرائيل”، يصف لوبي “إيباك” بأنه وحش جماعات الضغط، باعتباره ذا نفوذ في مجاله وهو الذي يملك لوبيات أخرى مثل جمعية البندقية الوطنية الأمريكية ورابطة المتقاعدين الأمريكيين؟
هل من المفترض أن ننسى أوري أفنيري، الناشط الإسرائيلي الراحل من أجل السلام، والعضو لمرة واحدة في الجماعة الصهيونية شبه العسكرية، الأرجون، الذي قال ذات مرة: إنه لو أرادت “إيباك” سن قانون يلغي الوصايا العشر، فإن 80 من أعضاء مجلس الشيوخ و300 من أعضاء الكونجرس سيوقعون عليه في وقت واحد، ككارهين لليهود؟
هل ننسي تسمية جين هارمان، عضو الكونجرس السابقة والمدافعة المخلصة عن “إسرائيل”، التي أخبرت “سي إن إن” في عام 2013 بأن زملاءها السابقين في الكابيتول هيل كافحوا لدعم دبلوماسية أوباما للتعامل مع المسألة النووية لإيران لأن الأجزاء الكبيرة من اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة، تقف ضدها، فقط لأن “إسرائيل” ضدها، معاداة السامية جبل صلب يصعب تسلقه؟
فلنكن واضحين: “أيباك” ليست لجنة عمل سياسية، ولا تقدم تبرعات مباشرة للمرشحين، ومع ذلك، فإنها تعمل “كمضاعف للقوة”، على حد تعبير أندرو سيلو كارول، من وكالة “التلغراف” اليهودية، ودعمها الخطابي للمرشح هو إشارة إلى لجان العمل السياسية اليهودية والمانحين الأفراد في جميع أنحاء البلاد لدعم حملته الانتخابية.
وكما أوضح لي توم فريدمان في مقابلة أجريت معه في عام 2013: “مهدي! إذا كنا أنت وأنا نركض من نفس المنطقة، ولديّ ختم الموافقة من “أيباك”، وليس لديك، ربما سيكون عليّ إجراء ثلاث مكالمات هاتفية على الأكثر.. أنا أبالغ ولكن ليس عليّ إجراء العديد من المكالمات الهاتفية للحصول على كل المال الذي أحتاجه لأركض ضدك، وسيكون عليك إجراء 50 ألف مكالمة هاتفية”، هل فريدمان معادٍ للسامية أيضًا؟
ما الذي يثير هذا اللغط كله حول تصريحات إلهان عمر؟ لغط غريب تماماً لدرجة أن الكثير من الديمقراطيين البارزين ينتقدون بشكل صريح وبحقٍ الأثر الخبيث الذي لا يمكن إنكاره للمصالح الخاصة، جماعات الضغط والتبرعات حول مجموعة كاملة من القضايا.
هل ليس لديهم ما يخجلون منه؟ خذ دونا شالالا، عضوة جديدة في الكونجرس من الدائرة السابعة والعشرين في فلوريدا، وعضوة سابقة في الحكومة تحت قيادة بيل كلينتون.
لا يوجد مكان في بلدنا للتعليقات المعادية للسامية، وأنا أدين هؤلاء مهما كانوا عندما يقولون: إن أعضاء الكونجرس “يشترون” لدعم “إسرائيل” أمر مسيء وخاطئ.
ومع ذلك، فإن شلالا نفسها افتخرت الشهر الماضي بأنها لم تسمح لهيئة تنظيم الاتصالات بأن “تشتريني خلال الحملة”.
لم تستطع “NRA” أن تشتريني خلال الحملة، ومن المؤكد أنها لا تستطيع شراءها الآن، أنا فخورة برعايتي لقانون التحقق من خلفيات الحزبين لعام 2019، الذي سيساعد في منع مأساة العنف المسلح الذي يودي بحياة ما يقرب من 100 شخص في اليوم بجميع أنحاء بلدنا.
كأنها تقول: إنه أمر مهين وخاطئ أن نقول: إن اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” يحاول شراء الساسة، ولكن من الجيد تمامًا أن نقول: إن لوبي “البندقية” يشتريهم.
المفارقة هي أن الأضواء الرئيسة لمركز “أيباك” لم تكن خجولة بشأن تشابهها مع هيئة الموارد الطبيعية، “أنا متأكد من أن هناك أشخاصًا ممن يسيطرون على السلاح، لكن بسبب “NRA” لا يقولون أي شيء”، وقد اعترف موريس أميتاي، المدير التنفيذي السابق لـ”أيباك”، ذات مرة قائلاً: “إذا كنت مرشحاً ضعيفاً معادياً لـ”إسرائيل” ولديك خصم ذو مصداقية، فسوف يتم مساعدة خصمك”.
وإلي اليوم، ما زال الفلسطينيون يتعرضون للقصف والمصارعة من قبل المحتلين الإسرائيليين، بدعم عسكري ومالي كامل من حكومة الولايات المتحدة، وهناك مجموعة متنوعة من التفسيرات الموثوقة لهذا الدعم: دور “إسرائيل” كأداة استراتيجية، وحاملة طائرات قوية، وهوس الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين بـ”إسرائيل”، ونبوءة آخر الزمان، وتأثير مبيعات الأسلحة والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ناهيك عن العلاقات الثقافية والاجتماعية القائمة منذ فترة طويلة بين اليهود الأمريكيين واليهود الإسرائيليين، لكن التظاهر بالمال لا يؤدي دوراً، أو أن “أيباك” ليس له تأثير كبير على أعضاء الكونجرس وموظفيه، وهذا أمر مخادع للغاية.
ولذا يجب أن نشكر إلهان عمر، عضو البرلمان الجديد، على امتلاكها الشجاعة لرفع هذه القضية المثيرة للجدل وكسر محرمة طويلة الأمد، حتى لو كانت قد فعلت ذلك بطريقة مثيرة للمشكلات.
لكن ليس عليك أن تأخذ هذه الكلمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون مرة للجمهور في الولايات المتحدة: عندما يسألني الناس كيف يمكن أن يساعدوا “إسرائيل” أقول لهم: ساعدوا “أيباك”!