أثار تنصيب عبدالقادر بن صالح، رئيساً للجزائر لمدة 90 يومًا، رغم الرفض الشعبي، ردود فعل متباينة، بين حتمية المخرج الدستوري من جهة، ومخاوف الدفع نحو تأزيم الأمور من جهة أخرى.
وأعلن البرلمان الجزائري، أمس، رسمياً، شغور منصب رئيس الجمهورية، وتولي بن صالح (رئيس مجلس الأمة/الغرفة الثانية للبرلمان) رئاسة الدولة لمدة 3 أشهر، في إجراء قوبل بخروج الآلاف في مسيرات رافضة بالعاصمة.
وكانت مسيرات الثلاثاء، امتدادًا لأخرى شهدتها البلاد، الجمعة، عندما طالب المتظاهرون بذهاب من أسموهم “الباءات الثلاثة”، وهم بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز ورئيس الحكومة نور الدين بدوي.
ويصر الشارع الجزائري، على تنصيب شخصيات لم يسبق لها العمل في نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المستقيل أوائل أبريل الجاري، ويشهد لها بالكفاءة وعدم التورط في الفساد.
ووفق مراقبين وإعلام محلي، يعتبر بن صالح “ذراع بوتفليقة الأيمن”، إذ شغل منصب الرجل الثاني في الدولة وفقاً لنص الدستور منذ عام 2002.
كما ينحدر الوافد الجديد على قصر المرادية، من نفس الولاية التي ولد بها بوتفليقة، وهي تلمسان، أقصى غربي البلاد.
تعهدات الخطاب الأول
وفي أول خطاب للأمة عقب تنصيبه، أعلن بن صالح، الثلاثاء، حرصه على تنفيذ مهمة دستورية ظرفية، للتحضير للانتخابات الرئاسية في أجل أقصاه 90 يوماً من تاريخ تنصيبه.
وتعهد باستحداث هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، سيتم تشكيلها في أقرب الآجال بالتشاور مع الطبقة السياسية وتسليم السلطة لرئيس منتخب.
وحاول بن صالح طمأنة الشعب الجزائري، بشأن دوره في المرحلة الحالية قائلاً: كما تعلمون فإن رئيس الدولة المعين لا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية. ولذلك فإنني أؤكد جازما، في هذا المقام، أن طموحي الوحيد هو القيام بالمهمة الملقاة على عاتقي بأمانة.
ضوابط دستورية
وقال بن صالح في كلمته المقتضبة: إن “الواجب الدستوري يفرض علي في هذه الظروف الخاصة تحمل واجب مسؤولية ثقيلة ولن نكون إلا في التوجه الذي يؤدي إلى تحقيق الغايات الطموحة التي ينشدها الشعب الجزائري”.
وجاء تعيين بن صالح رئيسا مؤقتاً، بصلاحيات محددة، في إطار التفعيل الكامل للمادة (102) من الدستور، التي تؤكد توليه قيادة البلاد في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب المرض أو الاستقالة أو الوفاة.
وفي هذا السياق، اعتبر النائب بمجلس الأمة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، عبد الوهاب بن زعيم، أن “تعيين بن صالح رئيساً مؤقتاً للدولة، يتماشى ومقتضيات الدستور”.
وكتب منشورا على صفحته بـ”فيسبوك”، ألمح فيه إلى أن مهمة بن صالح لن تتعدى “استدعاء الهيئة الناخبة لتنظيم انتخابات في أجل أقصاه 3 أشهر ومن يريد أن يكون رئيساً يترشح والشعب وحده من يقرر من يكون الرئيس”.
دور المؤسسة العسكرية
قبل أيام من جلسة البرلمان، ترددت أنباء بشأن استقالة بن صالح من على رأس مجلس الأمة، وتعويضه بشخصية تلقى قبولا لتولي منصب رئاسة الدولة مؤقتاً.
واستقبل بن صالح في مكتبه، الأحد، وفداً من المحاربين القدامى، طلبوا منه الاستجابة لمطالب الشعب والاستقالة من منصبه، لتفادي أي تصعيدا، لكنه لم يستقل.
وبالنسبة للمحلل السياسي والخبير الدستوري، عامر رخيلة فإن “السبب الذي جعل بن صالح يستمر ويتولى مهمته في رئاسة الدولة وفقا لنص الدستور، هو عدم تلقيه إيعاز لو بسيط أو شفوي من قبل المؤسسة العسكرية، للتنحي”.
وفي حديثه لوكالة “الأناضول”، اعتبر أن “بن صالح رجل يفتقر لثقافة الاستقالة، ويعمل بالإشارات والأوامر الفوقية”.
ولكنه ذهب في الوقت نفسه إلى أن بن صالح، “ليس بالرجل المقاوم والمناور من أجل الحفاظ على منصبه”.
وأضاف المتحدث، أن من أسباب بقاء رئيس مجلس الأمة “هي رغبة الجيش في التطبيق الكامل غير المنقوض لنص المادة (102) من الدستور، وعدم تقديم تنازلات أخرى للشارع”.
وكان الجيش الجزائري، قد أكد في أربعة مناسبات متتالية، على أن المخرج الوحيد من الأزمة السياسية التي عرفتها البلاج منذ 22 فبراير الماضي، لن يكون إلا دستورياً.
وطالب رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح في خطاب له في الثاني أبريل الجاري، بالتطبيق الفوري للمواد (7) و(8) و(102) من الدستور.
لكن رخيلة رأى أن “المؤسسة العسكرية تكون قد أدركت ارتفاع سقف المطالب بشكل غير محدود، فبعد المطالبة برحيل بن صالح، بلعيز وبدوي ومطالب أخرى و هي ترفض مسايرته”.
ولا ينص الدستور الجزائري، على آليات تعيين خليفة للرئيس الانتقالي في حالة استقالته.
وفي السياق، اعتبر عامر رخيلة، أن استقالة بن صالح عقب توليه رئاسة الدولة لمدة 90 يوماً، ستكون قفزاً نحو المجهول وستزيد الأمور تعقيداً.
استمرار نظام بوتفليقة
من جانبه، اعتبر عبد المجيد مناصرة، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالبلاد)، أن تنصيب بن صالح يعد “استمرار لبقايا نظام بوتفليقة”.
وكتب مناصرة على صفحته بـ”فيسبوك” أن “بقايا نظام بوتفليقة، بن صالح وبدوي وبلعيز يستغلون الدستور ليستمروا في الحكم من خلال إدارة المرحلة الانتقالية المقدرة ب 90 يوماً بالرغم من رفض الشعب لهم”.
وأوضح أن بوتفليقة عندما استقال لغم الوضع ولم يرد تسهيل الانتقال السلس للسلطة، معتبراً أن “بقايا النظام تنتقم من الشعب الذي عزل رئيسهم”.
ورأى رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، محسن بلعباس في منشور على صفحته بـ”فيسبوك”، أن تنصيب بن صالح رئيسا للدولة “انقلاب على سيادة الشعب”.
الدفع نحو الصدام
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، أن تنصيب عبد القادر بن صالح، حدث بطريقة “مخادعة”.
وقال رزاقي: إنه “جرى توجيه الأنظار إلى أن اجتماع البرلمان بغرفتيه سيكون فقط لترسيم إعلان الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، فإذا بهم يدسون تنصيب بن صالح رئيس للدولة، في نهاية المطاف”.
ووفق المتحدث، فإن الخطوة تعتبر “أكثر من استفزازية بحق الشعب الجزائري، الرافض لكل رموز نظام بوتفليقة”.
وتساءل عن فرضية وجود خطة للدفع نحو تعفين الوضع، “إذ تزامن تنصيب بن صالح مع استعمال مدافع المياه والغاز المسيل للدموع ضد طلبة متظاهرين”.
وفي السياق، قال رئيس حزب طلائع الحريات المعارض، علي بن فليس: إن المخرج من الأزمة اقتصر حصرياً على المادة (102) من الدستور، دون المادتين (7) و(8).
وقال بن فليس وهو رئيس حكومة سابق في بيان: إن “التطبيق الحرفي والكامل للمادة (102) لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشكل إجراء للتهدئة في السياق الحالي”.
وأفاد بأن “تنصيب بن صالح رئيسا للدولة شأنه ومن طبيعته أن يغذي بشكل أكبر مرارة الشعب وغضبه، ويزيد الأزمة الاستثنائية المتسمة بالخطورة والحساسية، يزيدها تشعباً وتعقيداً”.