«الأديب الفقيه، المحدِّث، صاحب التصانيف الكثيرة: في القراءات، والفقه، واللغة، والشعر.
قرأ القرآن على الكسائي، وإسماعيل بن جعفر، وشُجاع بن أبي نصر.
وسمع الحديث من إسماعيل بن عيّاش، وإسماعيل بن جعفر.
وتفقه على الشافعي رضي الله عنه، وتناظر معه في القُرْء، هل هو حيض أو طهر؟ إلى أن رجع كل منهما إلى ما قاله الآخر.
وُلد بهَراة، وكان أبوه فيما يُذكَر عبداً لبعض أهلها، وتنقّلت به البلاد، ووَلي قضاء طَرَسوس، ثم حج بالآخرة، فتوفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين.
قال إسحاق بن رَاهُويه: الحق يحبه الله، أبو عُبَيد أفقه مني، وأعلم مني، أبو عبيد أوسعنا علماً، وأكثرنا أدباً، إنا نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا.
قال الحاكم: هو الإمام المقبول عند الكل.
وقال أبو بكر الأنْبارِيّ: وكان أبو عُبَيد قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثاً ينام، وثلثاً يصلي، وثلثاً يطالع الكتب.
وقال محمد بن سعد: كان أبو عُبَيد مؤدِّباً، صاحب نحو وعربية، وطلب الحديث والفقه، وولي قضاء طَرَسُوس أيام ثابت بن نصر بن مالك، ولم يزل معه ومع ولده، وقدم بغداد ففسر فيها غريب الحديث، وصنف كتباً، وحدَّث، وحج فتوفي في مكة سنة أربع وعشرين ومائتين.
وقال عباس الدُّورِيّ: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: أبو عُبَيد ممن يزداد عندنا كل يوم خيراً.
وقال أبو قُدامة: سمعت أحمد يقول: أبو عبيد أستاذ.
وقال حَمدان بن سهل: سألت يحيى بن مَعين عن أبي عُبَيد، فقال: مثلي يُسأل عن أبي عُبَيد! أبو عبيد يُسأل عن الناس.
وقال أبو داود: ثقة، مأمون.
وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ثقة، إمام جبل، جليل»(1).
العبر التربوية:
– التنوع العلمي الباهر والرائع لعلمائنا يدفعنا لمزيد من البحث والدرس والطلب الجاد للعلم والصبر على ذلك.
– الإنصاف المتكرر للعلماء بعضهم لبعض يدفعنا لمجاهدة النفس على التخلق بخلق الإنصاف والعدل مع الآخرين.
– الزيادة اليومية في الخير توفيق من الله تميز به علماؤنا لإخلاصهم وصدقهم وعنايتهم بتربية أنفسهم والرقي بها.
– تنوع العطاء من عالم واحد لأمته في مجالات متعددة من القضاء إلى الجهاد إلى التعليم والتربية وتفقيه الناس بدينهم إلى جانب التأليف والتصنيف.
– تقسيم العلماء للوقت بين طلب العلم والقراءة والبحث والعبادة والصلاة، وكان ذلك في الليل والنهار، فالوقت عندهم غالٍ ونفيس.
– طلب العلم رغم الفقر والعوز والحاجة دليل على حب كبير للعلم وأهله وإخبار عن نفس توّاقة وهمة عالية لا تعرف التواني والتراخي.
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش
(1) تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى ج2، تحقيق عبدالفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي.
(*) بتشديد اللام، الإمام الجليل، أبو عبيد.