اختلف التربويون في بدايات وضع فلسفة التعليم أيها أهم: المعلم، أم المنهج، أم الطالب، أم المبنى المدرسي، أم الأنشطة.. وهكذا، وظلت العملية قيد التجربة الميدانية سنوات طويلة، مع اختلاف الفكر التعليمي في كل دولة، ووجدوا في النهاية أن المعلم هو محور العملية التعليمية، فإذا نجح المعلم نجحت العملية التعليمية والتربوية معاً، وباقي الأمور هي قضايا مساندة.
لذلك كلنا يذكر المعلم الناجح والمحبوب أكثر من المنهج والزملاء والأدوات والوسائل والأنشطة، ولعل ذلك المعلم يكون ذا كفاءة علمية متواضعة، وقدرات تعليمية عادية، ومهارات محدودة، لكن بأسلوبه المحبب يستطيع أن يجعل الطلبة يحبون المادة، فيقبلون عليها ذاتياً، وإذا أحبوه أحبوا المدرسة، وسارعوا بالمشاركة في الأنشطة العامة، وتبرع الوالدين للمدرسة.
رأينا فيديوهات عديدة في وسائل التواصل الاجتماعي لأساليب لطيفة في تعامل المعلمين مع طلبتهم، بنين وبنات، وكيف استطاعوا كسب ود الطلبة، وبالتالي حب المدرسة.
لا يختلف اثنان على أن معظم منتسبي سلك التعليم جاؤوا لأسباب رئيسة: راتب مرتفع، وعطلة صيفية طويلة، إضافة لعطلة الربيع، ومكان عمل مناسب للنساء (بالأخص في دول الخليج) لعدم وجود اختلاط، ويضاف للمعلمين الوافدين المكافآت الجانبية (دروس مسائية ولجان وكونترول.. إلخ) ودروس خصوصية، وبالتالي افتقدت المؤسسة التعليمية الهدف الحقيقي من التعليم، وتحولت من مهنة تربوية إلى وظيفة مالية، مثل أي وظيفة أخرى.
وإذا استثنينا الجادين والراغبين بهذه المهنة حقاً، فإنهم يواجهون بكم المسؤوليات الملقاة على عاتق المعلم، من عدد الحصص الكبير (باستثناء الاجتماعيات)، وتصحيح الكتب والدفاتر، والاختبارات، ورصد الدرجات، وإدارة الأنشطة، وتوالي الاجتماعات (القسم والإدارة والتوجيه..)، وكم المراقبين (رئيس القسم، ومساعد المدير، والمدير، والمراقب، والموجه..)، والمقصف والرحلات ومراقبة الساحات.. إلخ، وضغط الوزارة، وطلبات الإدارة، ومتابعات أولياء الأمور، ومواجهة الشللية (مجموعة الناظر، وربع الوكيلة..)، فيشغلونه بأمور خارج التعليم، فلا ينجح في تحقيق أهدافه.
ومع ذلك تبقى آمالنا كأولياء أمور معلقة بعد الله في «المعلم»، الذي نأمل أن يبدأ بنفسية جديدة، بعيدة عن كل هذه الضغوط والتوترات، لأن أبناءنا لا ذنب لهم، وغير مسؤولين عما يجري في المدرسة أو المنطقة أو التوجيه أو الوزارة، فكما استطعت معلمنا الفاضل أن تفصل بين ظروفك الاجتماعية والأسرية والعمل، ندعوك لأن تفصل بين ضغوط العمل وتربية الطلبة.
المعلمون الأحباب.. ثقوا تماماً بأن ابتسامة أو كلمة إيجابية منكم سترتقي بالطلبة إلى العلياء، وكلمة سلبية أو لحظة غضب قد تودي بهم إلى الهاوية، فاختاروا ما تحبوه لأبنائكم.
مارسوا اللعب بالتعليم، انشروا الضحكة بين الطلبة، استمتعوا بالتدريس، استشعروا المسؤولية التربوية، وحققوا نتيجة إيجابية.
راعوا الفروق الفردية في أنماط الشخصية، ففيهم الحركي والسمعي والبصري والحسي، وفيهم الحساس والموتور والمتنمر والدلوع، وفيهم اليتيم والمقهور، وفيهم الطفل والمراهق، وفيهم الغني والفقير، وفيهم الخلوق وسيئ الخلق، وفيهم المدخن والحشاش والمدمن، وفيهم الذكي والغبي، والبسيط والفطن، فأسأل الله أن يعينكم على التعامل مع كل هذه الأصناف من البشر، لكنها مسؤولية أنتم أهل لها.
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.