بسم الله الرحمن الرحيم القائل: (إنَّمَا المُؤمِنُونّ إخَوَة) (الحجرات: 10)، وأصلي وأسلم على من بعثه الله بالحنيفية السمحة، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، هاجر إلى المدينة المنورة، فكان أول عمله تأليف القلوب بين الأوس والخزرج، وآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى يأتي الأنصاري إلى أخيه المهاجريّ فيناصفه ماله، ويخيّره من نسائه حتى يطلّقها فيتزوجها المهاجري، فيرد المهاجري على أخيه الأنصاري بالوفاء والتقدير لهذه الأخوة بقوله: “بارك الله لك في مالك وأهلك”، حقًا إنها أخوة عظيمة ومرتبة عالية، لا تكاد ترى نماذج منها في هذه الأيام إلا قليلًا.
والأخوّة تعتبر امتزاجاً للأرواح وتصافحاً للقلوب، فتحتاج إلى صفاء وحسن نية من كلا المتآخين، فالله عز وجل يذكِّر المؤمنين بنعمة الأخوّة فيقول: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخوانًا) (آل عمران: 103)، فالأخوّة نعمة من الله سبحانه لا يشعر بأهميتها وعظمها إلا من عرف فضلها وخيرها، وإليك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي”.
فتخيل يا أخي الداعية وأنت واقف في عرصات يوم القيامة، تنتظر الحساب، والشمس قد دنت من الرؤوس قدر ميل، إذْ بمنادٍ يناديك فتكون تحت ظل عرش الرحمن بسبب صدق أخوّتك!
حقاً إنها كرامة وإنه لفوز عظيم، لكن لتعلم أيها الداعية أن شرط هذه الأخوة أن تكون خالصة لله سبحانه، فلا تؤاخِ الناسَ لمنصبٍ أو جاهٍ أو مالٍ إلى غير ذلك من الأمور التي قد انتشرت انتشار النار في الهشيم في هذا الزمان -وخاصة بين الشباب- فما إن ترَ شابًا قد اشترى سيارة جديدة أو حصل على جائزة قيمة أو لديه سائق، إلا وأصحابه وأقرانه قد انكبوا عليه من كل حدب ينسلون، فهذا يريده ليوصله، وآخر ليسوق سيارته الجديدة ويفتخر بها، وثالث ليشاطره جائزته، أما أن تلاقي أخا يبارك له في السيارة أو الجائزة ويدعو له بالتوفيق والبركة دون أي ميلان دنيوي، فقليل ما تراه، وذلك لأن النفوس أصبحت متعلقة بالدنيا، أما النفوس المتعلقة بالآخرة فإنها تطبّق وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “وأن يحب المرء، لا يحبه إلا لله”(1).
وذلك بأن لا يتغير مستوى المحبة في النفس بين الإخوة، سواء بزيادة الجفاء أو نقص الإكرام، وذلك لأنها ليست علاقة عاطفية، بل إنها علاقة ربانية يجمعها حب الله عز وجل ورابطة العقيدة التي هي من أشد الروابط، فكما قيل: “إخوة الدين أقوى من عرى النسب”.
وأوصيك أيها الداعية: باختيار الأخ الصالح المصلح الذي إذا رأى منك تقصيرًا نصحك، وإذا رأى منك خللًا سدّدك، ويردد دائماً معك مقولة معاذ رضي الله عنه: “اجلس بنا نؤمن ساعة”، ويُذَكِّرُكَ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”(2).
وفي الختام: نسأل الله سبحانه أن يجعل إخوتنا خالصة له وحده، لا لأحد سواه، لأنها الأخوة الوحيدة التي تستمر في الحياة وبعد الممات.
والحمد لله رب العالمين.
_________
الهامشان
(1) رواه البخاري (رقم/ 6941)، مسلم (رقم/ 43)
(2) رواه أبو داود (رقم/ 4833) حسنه الألباني.