أخبرني أنه حين نام الليلة الفائتة انتابته الوساوس فقد ظل يتقلب في فراشه، طافت به الهواجس، صنبور المياه يساقط قطرات متتابعة، يبدو أن الجن يدير فيما بينه حديثا، اعتقد أن باب الحجرة قد ارتحل بعيدا، تحرك به السرير حتى خرج من سقفها، بات وحيدا تمسك بخناقه أوهام لا حصر لها؛ حين كان في عمله نهارا حدثه أحد زملائه أن أعمار الجن تزيد على ألف عام، استطرد بأن سيدنا الخضر يطارد السامري منذ عهد نبي الله موسى، يأجوج ومأجوج يسكنون مغارة في جبال الهمالايا ويخرجون من نفق شمالي سيبريا، التمس الأدعية والمأثورات فما أجدت عنه، في تلك الليلة مثلت له أطياف من بشر وأشكال غريبة من خلق الله، رجل يحمل سيفا يلمع، امرأة تجري يتبعها كلب أعرج في رقبته ناقوس أصفر عليه أشكال غريبة؛ مقطوع الذيل ينبح عند منتصف الليل، ترى هل كل تلك الأشياء التي تخايل أمامه صارت بلا ذيل، مقام أخضر تحوطه أرانب صغيرة، طفل يتألم وقد أمسك بكسرة خبز، أسماك تسبح في الفضاء، سأل شيخا يقطر العطر من لحيته: أين نحن؟
أعرض عنه وأخذ يمشط شعره…
تناهى إلى سمعه صوت امرأة تغني.
هل غادر العالم الأرضي؟
ثمة شواهد تدل على ذلك، لا عين له بل يداه تحولت كل واحدة منهما إلى جناح كبير، لا ذيل له، تتدلى رابطة عنق من رقبته؛ فيما مضى كان الرجل السري والذي يعرفه كل سكان البناية يفحص بطاقة هويته المميكنة، يسأله عن وصلات عقله من أين تبدأ وإلى أي جهة تنتمي، لا زوجة له، فليس مجنونا حتى يجعل امرأة تشاركه حبات الفول وأرغفة الخبز ثم بعد ذلك تشي به إلى ذلك الرجل الذي يقال عنه إنه سري.
تحسس جسده، أدرك أن شيئا ما ينقصه، تسبقه البومة العجوز، تهزأ به، تعلو ظهره ومن ثم تضحك في جنون؛ تتجمع طيور غريبة؛ وطاويط وعصافير خضراء؛ غربان كل واحد منها يمسك في منقاره بفأس، يحوطون به، لا يجد منفذا يهرب منه؛ تصيح البومة الحكيمة: لا ندفن كائنا بلا ذيل؛ لابد أن ذلك جاسوس.
دعوه يرتحل بعيدا.
فر من هؤلاء، علا بناية بها صخب، رأى الرجل الذي يقال عنه “سري” يتصدر الواجهة؛ تتجمع لديه بطاقات مميكنة، صور لأناس كان يعثر بهم في طريقه، حامل الصحيفة اليومية والذي حفظ كل الوعود وصدق كل الأحاديث، قارئ نشرة الأخبار في نشرة التاسعة وربع، المرأة التي كانت تلبس إسورة حول معصمها، ثمة شعارات مموهة تغطي واجهات البنايات؛ يهزأ منها فهي دائما يسلو بها الجوعى والكسالى.
حفرة كبيرة فوق سطح البناية العملاقة بها آلات زمر وطبل؛ روابط عنق قرمزية؛ صورة كبيرة لقائد يلوح بيديه ومن حوله تهتف جموع بلا ذيل.
سيارات تجوب الفضاء يقودها أناس معهم حبات من ليمون، يتقاذفونها فيما بينهم.
تكبر صورة الرجل السري حتى تطاول قرص الشمس؛ تموج البنايات بتلك الألحان الراقصة.
تحسس ذيله مرة أخرى؛ به ندوب ملونة، يقذفه الرجل السري بحصاة فيوقعه.