أطلق شباب حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحكومي في المغرب، “مبادرة النقد والتقييم” التي وقع عليها المئات خلال بضعة أيام وما زال الأمر مستمرا، وضمت أعضاء من المجلس الوطني للحزب، وآخرين من اللجنة المركزية لشبيبة الحزب، وشملت مختلف جهات، وأقاليم المملكة، بالإضافة إلى أعضاء الحزب في الخارج، وخلقت نقاشا ساخنا داخل الحزب، وتعد هي الحدث السياسي البارز على الصعيد الوطني المغربي.
وتدعو المبادرة إلى عقد مؤتمر استثنائي قريبا (2021 الموعد العادي للمؤتمر) لبث الروح في الحزب الذي قيل إن بريقه بدأ يخفت مع تولي المسؤولية الحكومية لفترتين متتاليتين، وفي أفق انتخابات محلية وبرلمانية تجري بعد سنة، ويسعى الخصوم والمنافسون بكل ما أوتوا من قوة من أجل منعه من تصدرها مرة أخرى.
وفي حين رفضت قيادات الحزب التعليق على المبادرة في اتصال مجلة المجتمع بها، تفاعل المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية مع المبادرة واعتبرها إيجابية، فيما أكد بيان لأصحاب “النقد والتقييم” أنها طوق نجاة قد يساعد الحزب على تجاوز لحظاته العصيبة التي مر منها، وتضميد جراح الماضي”.
وأشاد البيان بـالخطوة التي أقدم عليها بعض أعضاء المجلس الوطني من خلال مراسلة رئيس المجلس لإدراج نقطة الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي في جدول أعمال دورة المجلس المقبلة نهاية السنة الجارية.
مؤشر إيجابي
وقال عضو شبيبة الحزب محمد بن الديوس إن المذكرة خلقت الحدث على الصعيد الوطني وهو مؤشر إيجابي على أن نبض الحياة مازال ينبض في جسم السياسة المغربية، وهو دليل آخر على أن حزب العدالة والتنمية حزب يتنفس هواء ديمقراطيا، يكفي أن هذه المذكرة تفاعل معها سريعا مكتب المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الذي نوه بها وفتح نقاشا حولها.
وقالت حليمة اشويكة عضوة المجلس الوطني للحزب إن الرسالة الأساسية في مبادرة النقد والتقييم هي أن حزب العدالة والتنمية، إلى حد الآن على الأقل، ما يزال حزبا حقيقيا يمتلك شبابه ومناضلوه القدرة على ممارسة النقد والمطالبة بتصحيح الاختلالات، وما يزال يحمل مضمونا نضاليا يمانع ويرفض أن يدخل في جبة الأحزاب الإدارية، وهذه هي الرسالة التي ينبغي أن تلتقطها القيادة الحالية وتتفاعل معها بصدق وجدية.
من جانبه أبرز وزير التشغيل في حكومة العثماني محمد أمكراز -الذي قيل إن المذكرة تستهدف الإطاحة به من رئاسة شبيبة الحزب- أن أي نقاش صحي بالأساس لأن أعضاء، ومناضلي حزب العدالة والتنمية لا يربطهم بهذا الحزب إلا الإيمان بالفكرة، التي تشكل جوهر الاجتماع والنضال والتضحية من قبلهم. والاستمرار في الارتباط بالحزب، والنضال من داخله، رهين بتعبير الأعضاء عن آرائهم، وإبداء ملاحظاتهم، وذلك نابع من الإيمان بأن الحزب ملك لجميع أبنائه، لذلك يجتهد الجميع من أجل تقويته.
وتزامنت المبادرة مع بروز آراء من محللين سياسيين وبرلمانيين من الحزب أبرزهم بلال التليدي وعبد العالي حامي الدين تعتبر أن الحزب في حاجة إلى قيادة جديدة لمرحلة جديدة تتسم بالتعقيد وارتفاع سقف التحديات التنظيمية والحزبية والسياسية.
وقال كريم عايش -المحلل السياسي للقناة الثانية- إن المذكرة المقدّمة، يمكن اعتبارها بمثابة “حركة تصحيحية داخل حزب العدالة والتنمية، من طرف شباب الحزب وقواعده”، مشيراً إلى أن المبادرة ممارسة ديمقراطية لتتبع عمل هياكل الحزب وشخصياته التي تسيّر الشأن العام وتقييمه، خصوصاً أنها أشارت بوضوح إلى عدم رضاها عن واقع الحزب.
وأشار عايش أن عريضة المؤتمر الاستثنائي، “تبرز الشفافية والنزاهة التي تتعامل بها هياكل الحزب أمام المستجدات التنظيمية وتفاعلها الإيجابي مع مسارات التجمعات التنظيمية والانتقادات، ويبقى الآن فقط أن يتم احترام القانون الداخلي واتباع المساطر الضرورية”.
واحتلت المبادرة مكانا مميزا في الإعلام المغربي، واختلفت الآراء بين من يراها دعوة صريحة للإطاحة بسعد الدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، وعودة الأمين العام السابق للحزب عبد الإله ابن كيران، والذي أقصي من الحياة السياسية بعد الشعبية التي اكتسبها خلال ترؤسه للحزب والحكومة في فترة حرجة من تاريخ الغرب، وبين من يراها نوعا من “الهذيان السياسي” الذي يريد أن يعيد للحزب بريقا فقده ولا يمكن بأية حال من الأحوال استرجاعه بعد القرارات اللاشعبية التي اتخذها وأثرت على المعاش اليومي للمواطنين.
ونفى القائمون على المبادرة كل هذه التخمينات مؤكدين أن الأمر مرتبط بإرادة المؤتمرين، والمؤتمر سيد نفسه، ومخرجاته تظل مفتوحة أمام كل الاختيارات.