صدمة كبيرة تلقاها عشاق إذاعة القرآن الكريم بمصر، عقب رواج مقطع مصور لشاب يسخر فيه من أداء مذيعي الإذاعة المصرية الشهيرة، وأحدث حالة من الجدل بين مؤيد ومعارض لم تكن لتقع حالة الجدل تلك لولا الانقسام المجتمعي الذي جرى منذ سبع سنوات وشاعت معه حالة عداء للدين، وفق متابعين.
والمقطع الذي يعد واقعة غير مسبوقة، يؤدي فيه شاب ما يسمى بكوميديا الموقف أو “ستاند أب كوميدي” على أحد المسارح أداء مسرحياً ساخراً من طريقة إلقاء مذيعي القرآن الكريم، وهي الواقعة الأبرز -بحسب مراقبين- في دلالاتها على سقوط هيبة الإذاعة القديمة في القلوب، وهي الإذاعة التي لطالما حملت لواء المحافظة على القرآن الكريم وبث روح الدين الإسلامي، التي كانت مركزاً إعلامياً يتبنى التوجه الإسلامي على مدار ما يقارب الستين عاماً.
وقال مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي: إن مثل هذا المقطع لو كان قد انتشر قبل الحملة الرسمية على الدين التي دشنها مسؤولون بالسلطات، لكان هناك موقف شعبي قاطع بالرفض، لكن الانقسام الحالي بشأن المقطع بين نقده وتأييده، يشي بأن الحملة على الدين قد باتت تؤتي أكلها بالتأثير في نظرة العديدين لكل ما يتعلق بالدين ومؤسساته ورمزياته.
ورغم أن المقطع مصور في أحد المسارح الصغيرة بالقاهرة منذ عام، فإن إعادة بثه وانتشاره الكبير والسريع طرح العديد من علامات الاستفهام حول من وراء بثه حالياً، وهل يريد من ورائه إلهاء الجماهير عن قضايا أهم وأخطر، أم يريد التشويه لا سيما وأن بثه على مواقع التواصل الاجتماعي تزامن مع ترويج مقطع مصور لراقصة برازيلية ترقص في أحد مراكز تصفيف الشعر بمحافظة البحر الأحمر؟
وفجَّر المقطع حالة من النقد تجاه اهتمام البعض به مصحوباً بذم مقولة: إن المصري متدين بطبعه، وكأنما يريد من يقف وراء ترويج فيديو الراقصة بالتزامن مع السخرية من إذاعة القرآن الكريم أن يقدم صورة للشعب المصري وكأنه تغير من شعب متدين محب للإسلام إلى شعب يلهث وراء غرائزه ولا تعنيه مقدساته ورموزه الدينية.
ورغم هذه الأهداف المضمرة في أنفس مروجي هذه المقاطع، اندلعت حملة شعبية على منصات التواصل الاجتماعي بوسوم (هاشتاجات) داعمة لإذاعة القرآن الكريم على “تويتر”، لدرجة تصدرها موقع “تويتر” للتدوينات المصغرة، ما حدا بإذاعة القرآن لنشر شكر على دعمها من خلال صفحتها الرسمية على “فيسبوك”.
جدل واسع
ورأى مراقبون أن الانقسام تجاه السخرية هو في حقيقته كاشف لدلالات أعمق، فإذاعة القرآن الكريم التي لطالما نظر إليها المصريون باحترام بالغ، تم الزج بها في “لعبة سياسية رخيصة”، حيث باتت بوقاً للتبرير الشرعي لبعض سياسات السلطة، الأمر الذي أفقدها هيبتها وقداستها لدى كثير من المصريين، حتى هان على بعض شباب مصر الذين تربوا على صوت الإذاعة ونشؤوا على احترامها؛ ما دفع البعض تحميل السلطات مسؤولية الحط من قدر المؤسسات الدينية التي قامت بتسييسها حفاظاً على مصالحها على حساب مصداقية هذه المؤسسات وشفافيتها، وممن تورطوا في هذا الأتون.
وبرز الانقسام في تباين ردود الفعل في الشارع المصري، فهناك فريق محتقن غاضب يرى التطاول على إذاعة القرآن الكريم هو تطاول على الإسلام ذاته، كون إذاعة القرآن الكريم منصة دينية مهمة جداً قامت بدور إسلامي محوري في التاريخ المعاصر، حيث صب أنصار هذه النظرة غضبهم على أجهزة الدولة التي فتحت المجال لما أسموه بالحرب على الإسلام.
في الوقت الذي رأى فيه آخرون أن ما فعله الشاب كان عفوياً بسيطاً، والهدف منه فقط هو السخرية من الأداء التقليدي لمقدمي البرامج، وليس فيه أي إساءة للإسلام.
ورأى أنصار هذا الفريق أن كثيراً من المصريين باتوا يتعاملون بحساسية مفرطة تجاه القضايا التي تمس الإسلام.
وقال الكاتب الصحفي سليم عزوز: إن العهد الوحيد الذي ارتبطت فيه الإذاعة بالخطاب السياسي هو العهد الحالي، إذ كان خطابها منذ النشأة “دينياً صرفاً”، والخلط وقع الآن فقط، فلم تكن جزءاً من السجال السياسي في أي عهد مضي، كما لم تتكلم في الاشتراكية ولم تتكلم في السلام، ولأجل هذا فإن من يتابعونها ينزعجون لهذا التحول الراهن.
تاريخ عريق
في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء الموافق 25 مارس 1964، بدأت مصر أول بث لإذاعة القرآن الكريم، ومنذ ذلك الحين وهي تحتل مكانة سامية بين مسلمي العالم أجمع، الذين تعلقت قلوبهم بأصوات مشايخها من القراء المصريين إلى حد إنشاء متحف خاص للقارئ المصري مصطفى إسماعيل في إيران، هذا إلى جانب ارتباط الوجدان المسلم والعربي بأصوات الإذاعيين في هذه الإذاعة التي تحتل قداسة خاصة لدى الكثيرين.