بينما يتوجه دونالد ترمب إلى ملعب الغولف، يتجهز خصمه جو بايدن، لدخول البيت الأبيض، بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية.
أمام “بايدن” ملفات أربع سنوات مضطربة من السياسات الأمريكية الاستثنائية، التي غيرت وجه المنطقة العربية ومفاهيمها بشكل كبير، حتى في الوقت بدل الضائع من عمر ترمب الرئاسي، قبل حزمه لحقائبه، دون ترتيب الفوضى التي تسبب بها.
يقدم الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، توفيق طعمة، من لوس أنجلوس، في لقاء مطوّل مع “قدس برس”، قراءة شاملة للمشهد الأمريكي الجديد وتأثيره على الفلسطينيين والصهاينة من جهة، والعلاقات مع دول الخليج، بالإضافة لتركيا وإيران والملفات المتشابكة بينهما.
وأكد “طعمة” أن الشعب الفلسطيني يدرك تماما، أنه لا فرق بين إدارة أمريكية ديمقراطية أو جمهورية، لأن السياسية الأمريكية لا تتغير فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، الذي يتلقى الدعم اللامحدود من كلا الطرفين.
وأشار إلى أن ترمب، جاء أساسا من خارج مؤسسة الحزب الجمهوري، فاتبع سياسة مخالفة، فاعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وأوقف دعم الأونروا، وضم الجولان.
ويعتقد المحلل السياسي أن “بايدن سيعيد العلاقات مع السلطة الفلسطينية، ويفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وسيعيد الدعم للأونروا والمؤسسات المدنية والخيرية الفلسطينية في القدس”.
أما بالنسبة للاستيطان، فاستبعد “طعمة” أن يكون هناك تغيير في السياسة الأمريكية، “رغم أن الديمقراطيين ضده، لكنهم لا يضغطون على الاحتلال لوقفه، ويكتفون بالاستنكار لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي”.
السلطة الفلسطينية بين المصالحة أو العودة للمفاوضات
وأكد طعمة أن بايدن سيضغط من أجل العودة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، محذراً من انزلاق الأخيرة، وتراجعها عن ملف المصالحة الوطنية.
وأضاف: “عوَّدتنا السلطة خلال السنوات الماضية أنها عندما تكون في مأزق، فإنها تلجأ للمصالحة، وعندما تخرج منه تبتعد عن حماس والفصائل الفلسطينية، وتتحدث بصفتها الجهة الوحيدة التي تمثل الفلسطينيين، وكأن هذا الملف تكتيكي وليس توجها استراتيجيا للمستقبل”.
واستبعد أن “يكون هناك مصالحة، في ظل وجود بايدن”.
المشهد “الإسرائيلي” وحظوظ نتنياهو الانتخابية
ويرى طعمة أن فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيمنع الأحزاب “الإسرائيلية” المعارضة زخماً قوياً في مواجهة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خاصة حزب أزرق أبيض.
وأضاف: “إدارة بايدن الجديدة ستواجه صعوبة في التعامل مع شخص مثل نتنياهو، باعتباره يمينياً متطرفاً، كما كان ترمب يمينيا متطرفاً”.
وتابع: “لذلك ستفضل الإدارة الأمريكية الجديدة التعامل مع شخصية “إسرائيلية”، أقل تطرفا، لأن بقاء نتنياهو سيتسبب بمشكلات مع السلطة، وبالتالي فإن حظوظ الأخير ستضعف بشكل كبير في أي انتخابات مقبلة”.
العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من إيران وتركيا
وأكد طعمة أن الولايات المتحدة ستعيد تفعيل الاتفاق النووي مع طهران، وفق البنود التي تم التوقيع عليها، قبل إلغائها من قبل إدارة ترمب.
ولفت إلى أن أوروبا، وخاصة ألمانيا، لم تكن راضية عن خروج أمريكا من هذا الاتفاق وفرض عقوبات على إيران.
وأضاف: “ربما يكون هناك شروط أو تحسين لبعض بنود الاتفاقية قبل العودة إليها من قبل الولايات المتحدة، وربما يترافق ذلك مع قرار أمريكي برفع العقوبات عن إيران”.
أما بالنسبة لتركيا، فيرى طعمة أن “الولايات المتحدة لن تدخل في حالة تصادم مع أنقرة، خاصة أن بايدن سيركز على الوضع الداخلي الأمريكي، في ظل تفشي جائحة كورونا، وما نتج عنها من تدهور الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة للتوتر الحاصل نتيجة عنف الشرطة الأمريكية تجاه السود، وكذلك ملفات التعليم والصحة ستكون حاضرة”.
وأكد أن إدارة بايدن ستكون بحاجة للتعامل مع تركيا، لحل المشكلات في شرق المتوسط، ومنطقة الشرق الأوسط.
واستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بالضغط على تركيا للخروج من سوريا، قائلاً: “ربما ستضغط باتجاه إجراء مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة وإلزام النظام بوقف القصف على المدنيين واحترام حقوق الإنسان”.
المأزق الخليجي
أما بالنسبة لدول الخليج العربي التي تماهت مع سياسة ترمب في الفترة السابقة، “فإنها ستجد نفسها في مأزق مع احتمال التقارب الأمريكي الإيراني، مما قد يدفعها للتقارب مع روسيا إلى حد ما”، وفق طعمة.
إلا أن “طعمة” يعتقد أن التقارب الأكبر للدول الخليجية سيكون مع “إسرائيل” لمواجهة الخطر الإيراني، معتبرا أن هذا الخطر مبالغ فيه، و”استخدمته دول الخليج كشماعة لتبرير علاقاتها مع الاحتلال”.
الطفل المدلل
من جانبه، أشار الباحث والمحلل السياسي، سليمان بشارات، أن الاحتلال الإسرائيلي ككيان، هو الطفل المدلل للإدارة الأمريكية، وبالتالي فإنه لن يتأثر بالسياسات الأمريكية بتغير الإدارات، “وهذا ما شهدناه خلال خطابات الرؤساء خلال خطاباتهم الانتخابية، وحتى بعد توليهم لمناصبهم الفعلية”.
وأكد أن التأثر المباشر سيكون على شخص نتنياهو، “الذي فقد أعز الأصدقاء بالنسبة له، وكانت العلاقة بينهما في تناغم كبير جدا، إذ استغلها بنقل السفارة وصولا إلى حالة التطبيع”.
وأضاف: “بذهاب ترمب، فإن هذا التغير سينعكس على أمور أخرى تتعلق في جزئية تعزيز دور نتنياهو السياسي، وما يمكن أن يحصل عليه على الأرض في زمن قياسي، وهذا قد يؤثر على حظوظه في أي انتخابات مقبلة لدى الاحتلال”.
وأردف: “من جهة أخرى، فإن ذلك سيعزز الكوابح لدى نتنياهو في عدم التسرع باتخاذ قرارات على الأرض فيما يتعلق في التهويد والاستيطان وجزئيات أخرى من القضية الفلسطينية”.
وفيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية، عبر بشارات عن مخاوفه وشكوكه في تأثر أو توقف هذا الملف أو وصوله لحالة من الفتور والتلكؤ، في ظل رئاسة بايدن.
وأوضح أن هذه المخاوف نتيجة رهان السلطة الفلسطينية على عاملي الوقت والزمن في تغيير المواقف، سواء الأمريكية أو “الإسرائيلية”، تجاه العديد من القضايا.
ويرى بشارات أن أكبر الخاسرين من فوز بادين، “محور التطبيع العربي الإسرائيلي، الذي لن يحصل على الدور السياسي الذي كان يتطلع له”.