من الشبهات التي أطلقها أعداء الإسلام حوله شبهة “حقوق المرأة في الإسلام، ومكانتها في المجتمع المسلم”.
ويكفينا لنقض هذه الشبهة أن نقدم لمحة سريعة لحقوق المرأة في الإسلام، ولمكانتها في المجتمع المسلم، مع مقارنة ذلك بما لدى مطلقي هذه الشبهة وغيرهم من الناس.
فهؤلاء يريدون التسوية التامة بين الرجل والمرأة ويحاولون أن يرجعوا بالناس إلى الوراء، فيدفعوا كلاً من الرجل والمرأة إلى المشاركة في كل مهمة من مهمات الحياة، سواء أكانت مناسبة للتكوين الفطري أو غير مناسبة، وسواء أكانت ملائمة لخصائص الصنف أو لم تكن ملائمة له!
إنهم لا يريدون الخير للمرأة، ثم يظلمون الإسلام حين يشككون به، ويحرضون المرأة على التحرر من أنظمته، طلباً لوضع أفضل لها من الوضع الذي كرّمها الإسلام به!
لقد كانت المرأة في حضارات دعاة التسوية محل جدل، فاختلفوا حول مسائل تتعلق بالمرأة على نحو:
1- هل للمرأة روح أم ليس لها روح؟!
2- إذا كانت لها روح، فهل هي روح إنسانية أم روح حيوانية؟!
3- وعلى افتراض أنها ذات روح إنسانية، هل وضعها الاجتماعي والإنساني بالنسبة إلى الرجل كوضع الرقيق، أم شيء آخر أرفع قليلاً من الرقيق؟!
4- ثم هل هي ذات روح خبيثة شيطانية خلقت للإفساد والإغواء أم ماذا؟!
الإسلام يكرم المرأة
حينما كانت المرأة محل هذا الجدل عند هؤلاء، كان الإسلام ينادي بأن النساء شقائق الرجال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال” (رواه أحمد)، وأن الأصل التكويني للرجال والنساء واحد، فالإنسان بدأ وجوده منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام، ومن آدم خلق الله الشطر الثاني للإنسان فاجتمع منهما زوجان، ثم بث الله منهما عن طريق التناسل المتتابع ذكراناً وإناثاً، وفق مشيئته تعالى.
هكذا أكد القرآن الكريم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1).
فالأصل التكويني للناس ذكوراً كانوا أو إناثاً هو أصل واحد، ولا يؤثر في وحدة الأصل أن أحد الصنفين يمتاز ببعض الخصائص التي تتلاءم ومهماته ووظائفه في الحياة، وأن الصنف الآخر يمتاز ببعض خصائص أخرى تتلاءم ومهماته ووظائفه، ليتكامل الشطران في تأدية وظائف النفس الإنسانية في هذه الحياة.
فلتطمئن النساء إلى التكريم العظيم الذي كرمهن به الإسلام، إذ أعلن بصريح نصوصه أنهن مع الرجال من نفس واحدة، فالعنصر التكويني لكل منهما واحد، إلا أن الرجال تفردوا ببعض خصائص تناسب المهمات والوظائف المهيئين للقيام بها، وأن النساء تفردن ببعض الخصائص التي تناسب المهمات والوظائف المهيئات للقيام بها، وكمال كل من الصنفين يكون باستيفائه لخصائص صنفه، فلا يكمل الرجل ما لم تكمل ذكورته، ولا تكمل المرأة ما لم تكمل أنوثتها.
والذين يريدون من المرأة أن تنافس الرجل في خصائصه إنما يدفعونها إلى أقبح حالات النقص التي تعتري بعض النساء، ومحرضو المرأة على تجاوز واقعها التكويني، ومهماته التي اصطفاها لها الإسلام بحسب خصائصها، إنما يريدون منها أن تركع لأهوائهم وأنانياتهم.
مسؤولية المرأة الدينية
ويقرر الإسلام أن المرأة كالرجل مسؤولة مسؤولية كاملة عن الأمور الدينية تجاه ربها، وتجاه المجتمع الإسلامي، وأن حكمها حكم الرجل في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب، لأنها مزوّدة بكل العناصر التي تؤهلها للتكليف.
ولذلك كانت المرأة مسؤولة عن إعلان الإسلام، وهي في ذلك تقف مع الرجل في مرتبة واحدة، وتعامل مثل معاملته، ومتى أعلنت إسلامها فنطقت بالشهادتين عصمت دمها ومالها إلا بحق الإسلام وحسابها على الله تعالى.
والمنافقات من النساء كالمنافقين من الرجال، والمشركات منهن كالمشركين منهم، والكوافر منهن كالكفار منهم، يستقبلون جميعاً عند الله نصيبهم من العذاب، قال تعالى: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 73).
وقال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (الفتح: 5-6).
فالنساء والرجال بين يدي أركان العقيدة والشريعة الإسلامية سواء، تكليفاً وجزاءً، ولولا تقرير الإسلام أن الصنفين مستويان من حيث العموم في تزويدهما بعناصر التكليف لما جعلهما الإسلام على صعيد واحد، ولما خاطبهما بخطاب واحد، تبشيراً أو إنذاراً، أو إرشاداً وموعظة.
ولذلك قال علماء الإسلام: إن النصوص الإسلامية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي موجهة للنساء أيضاً، في كل الأحكام والعظات والتكاليف وأنواع التربية الإسلامية، ما لم يكن مضمون الخطاب مما يتعلق بخصائص الرجال التكوينية، وما لم يصرح في الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء.
هذا هو واقع المرأة في الإسلام، بينما نجد أمماً يُخرِجون المرأة عن مجال التكاليف الدينية، اعتقادية كانت أو عملية، ويجعلونها أشبه بالبهائم التي لا تعقل مسائل الدين ويحقرون تكوينها، وينزلون بها عن مرتبة الإنسانية التي كرمها الله بها، وإن أشبهت في الصورة تكوين الرجل، أو يجعلونها شيطانة إغراء وإغواء، أو دمية متعة وخدمة.
ودعاة تحرير المرأة، الذين يحاولون دفعها إلى ما وراء الحدود الإسلامية إنما يخادعونها، ليهبطوا بها عن مرتبة الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل والإرادة.
وهدفهم من ذلك أن يقذفوا بها إلى سوق الرذيلة المشاعة لكل فاسق، ويزجوا بها في أتون الخدمة والعمل والكدح الشاق، لتكسب لقمتها وكساءها ومأواها، وهذا ما انتهت إليه حرية المرأة في كثير من البلاد التي تتحلى بشعارات تحرير المرأة، فقد أمست المرأة فيها لا تجد أباً ولا أخاً يعيلها متى غدت فتاة قادرة على الكسب، وساد عندهم شعور عام أنه من الواجب أن تخدم الفتاة في أي عمل، ولو بذلت فيه عفافها لأي طالب.
وهذا ما يريدون أن يحولوا إليه المرأة المسلمة بدعاياتهم المضللة.
إن المرأة المسلمة يحق لها أن تفخر بالمجد الذي كرمها الله به، فجعلها شقيقة الرجل في التكوين، وجعلها شقيقته في التكريم، ثم جعلها شقيقته في التكليف، وأخيراً فلها من الجزاء ثواباً أو عقاباً نظير ماله، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)(1).
_______________________________
(1) للتوسع في الرد على هذه الشبهة ينظر:
– كتاب أجنحة المكر الثلاثة، الشيخ عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي.
– شبهات وإجابات حول مكانة المرأة في الإسلام، د. محمد عمارة.
– المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام، الباحث علي بن نايف الشحود.
(*) دكتوراه في العقيدة وعلم الكلام.