مع مرور نحو أربعة أشهر، تستقرّ مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية على رصيف محطة الجمود، من دون بادرة تفاؤل، بالرغم من حركة مكوكيّة يقوم بها رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري، في الخارج وبدأها في مصر.
وعمد الحريري إلى تحريك مروحة علاقاته الخارجية، أمام جمود عملية التشكيل، الذي ترافق مع تداول مقطع مصور لرئيس الجمهورية ميشال عون، أوائل يناير الماضي، يتهم فيه رئيس الحكومة المكلف بـ”الكذب”، وهو ما أعقبه الحريري بتغريدة من “الكتاب المقدس” عن “المكر والخطية”.
وفي 3 فبراير الجاري، أجرى الحريري -المُكلف منذ 22 أكتوبر الماضي- مباحثات في القاهرة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومسؤولين آخرين، حول المستجدات والأوضاع العامة في لبنان، لينتقل بعدها إلى الإمارات وفرنسا.
لا اعتذار ولا تراجع
مع الدخول المصري على الخط اللبناني، قال مصطفى علّوش، نائب رئيس “تيار المستقبل”، بزعامة الحريري، لـ”الأناضول”: إن الحكومة تتألف في لبنان حصرًا، وإذا هناك نيّة لحلحلة هذا الأمر، يجب أن تكون عند الرئيس عون.
وعن زيارات الحريري الخارجية، رأى علّوش أنها محاولات لتشبيك العلاقات ودعم لبنان على مختلف المستويات، فالرئيس الحريري لا يدوّر (يبحث) على أي حلّ للحكومة، لا في مصر ولا في الخارج.
وتابع: إذا لن يكون هناك حلحلة من قبل عون، سينتهي العهد بدون حكومة، نافياً أيّ نيّة للحريري للتراجع أو الاعتذار عن عدم التشكيل.
ويُشار بـ”العهد” في لبنان إلى فترة حكم رئيس الجمهورية، وقد انتُخب عون في 31 أكتوبر 2016، وتنتهي رئاسته في العام 2022.
تفاوض أمريكي إيراني
رأى منير الربيع، محلل سياسي، أنه لا معطيات حتى الساعة لإمكانيّة حلّ العقد الحكوميّة، بالرغم من تغيّير الظروف الإقليميّة والدوليّة.
وتابع الربيع: من الواضح أن الجانب الأمريكي أبدى تجاوبه مع المبادرة الفرنسيّة، كما أنّ فرنسا تستمرّ بالضغوط في محاولة منها لتشكيل الحكومة.
وبعد أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت، في 4 أغسطس الماضي، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة بلهجة “تهديد” لتشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين لا ينتمون لأحزاب سياسية، وإجراء إصلاحات إدارية ومصرفية.
وبمناسبة مرور 6 أشهر على الانفجار، أصدر وزيرا الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والأمريكي أنتوني بلينكن، “إعلاناً مشتركاً”، في 4 فبراير الجاري، تضمن مطالبة للمسؤولين اللبنانيين بتنفيذ التزامهم بشكل نهائي بتشكيل حكومة ذات مصداقية.
واعتبر الربيع أن المشكلة تكمن بين عون، والحريري؛ رئيس الجمهوريّة يصرّ على الثلث المعطلّ والتدقيق الجنائي (في حسابات مصرف لبنان المركزي) والإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمّا الحريري فيرفض التنازل عن هذه الشروط ويتمسّك بالحكومة المصغّرة وعدم إعطاء الثلث المعطل إلى أي طرف.
و”الثلث المعطل” أو “الثلث الضامن” يعني الحصول على ثلث وزراء الحكومة؛ مما يتيح التحكم في مصير أغلب قراراتها، التي تتطلب موافقة ثلثي الوزراء على الأقل حتى تمر.
وأردف: عون نقل لماكرون أنه لا يمكن التعاون مع الحريري لإجراء الإصلاحات، في محاولة منه لتعزيز شروطه وتحسين وضعيّة مفاوضاته.
ورأى أن موقف عون يأتي لأسباب عدّة، أبرزها إعادة تعويم عهده وإعادة تعويم جبران باسيل (صهره، وزير الخارجية السابق)، والتفاوض في سبيل رفع العقوبات عن صهره.
وفي 6 نوفمبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على باسيل؛ بدعوى تورطه في الفساد وعلاقات مع جماعة “حزب الله” اللبنانية، حليفة إيران والنظام السوري، وهو محور يتبادل العداء مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” وأنظمة عربية حليفة.
ورأى الربيع أن التفويض الفرنسي قد يؤدّي إلى بعض الترييح على الساحة اللبنانيّة بانتظار حصول مفاوضات إيرانيّة – أمريكيّة قد تؤدّي إلى تسهيل تشكيل الحكومة في مرحلة مقبلة.
وحول التعويل على زيارة الحريري لمصر، أجاب بأن الحريري ذهب إلى مصر للتأكيد على تمسّكه بالتكليف، علماً أن الموقف المصري يتماهى مع الموقف الفرنسي حيال المبادرة.
وزاد بأن الحريري يبحث عبر هذه الزيارة عن غطاء عربي لمبادرته والحصول على مساعدة مصريّة مع الفرنسيين وغير الفرنسيين للبقاء على موقفه وعدم التنازل وعدم الاعتذار.
وتابع: مصر تواكب الحراك الفرنسي بالحدّ الأدنى من قدرتها على التدخل في لبنان، لكن لا يمكن الحديث على أن الفرنسي سيسلّم هذه المهمّة إلى مصر، إنّما هناك تكامل منذ الأيّام الأولى للمبادرة الفرنسيّة.
حوار مباشرة مع واشنطن
متفقاً مع الربيع، رأى جوني منيّر، كاتب ومحلّل سياسي، أن الحريري يسعى إلى تعزيز الغطاء السُّنّي الإقليمي وإعادة علاقاته مع السعوديّة عبر مصر.
ونفى منيّر حصول أي حلحلة حكوميّة قريبة، معتبراً أن الشعب اللبناني هو الحلقة الأضعف في الوقت الراهن.
وعن تعثّر تشكيل الحكومة، قال: إن المشكلة ليست بالأسباب الظاهرة، وإنّما بالخلفيّات، هناك قرار داخلي بعدم تشكيل حكومة للذهاب إلى حوار مباشر مع الولايات المتحدة.
وتابع أن الحوار اللبناني بطريقة غير مباشرة مع الأمريكي، عبر الفرنسي، لن يُقدّم أي أمر، فالرئيس عون يودّ ضمانة مستقبل صهره باسيل ورفع العقوبات عنه، وهذا لن تستطيع فرنسا أن تقدّمه، فهو حصراً عند الأمريكيين.
واستطرد: أمّا حزب الله فيودّ التفاوض أيضاً على ضماناته المستقبليّة، وهذا الأمر لا تستطيع فرنسا توفيره.
ماكرون.. زيارة واردة
على خط موازٍ، قال مصدر مقرّب من عون، لـ”لأناضول”: إن زيارة ماكرون إلى بيروت واردة، لكنّ الأولويّة في الوقت الراهن هي تشكيل الحكومة.
وكان ماكرون ينوي زيارة لبنان مطلع ديسمبر الماضي، إلّا أنّ إصابته بفيروس كورونا عطلته.
ونفى المصدر -مفضلاً عدم نشر اسمه لكونه غير مخول بالحديث للإعلام- أن يكون هناك أي تطور بالداخل، قائلاً: “هناك حركة خارجيّة ويتم رصدها”، متمنيّاً أن “تكون مفتاح الحلّ للأزمة الداخليّة”.
وأردف: جولات الرئيس الحريري ممكن أن تعطي نتائج إيجابيّة إذا كان فعلاً يرغب في تعديل مواقفه، ولا سيّما في موضوع التشكيل والتجاوب مع الرئيس عون.
وشدّد على أن الرئيس عون لا يتمسّك بالثلث المعطّل كما يُشاع.
ومطلع الأسبوع الحالي، اتهمت الرئاسة الحريري بالتفرد في تشكيل الحكومة، ورفض الأخذ بملاحظات عون.
مصر.. نصائح فقط
أما خالد ممتاز، محلل سياسي، فقال: إن مصر لا تملك سوى النصائح في الشؤون السياسيّة الداخليّة اللبنانيّة.
وأضاف ممتاز لـ”الأناضول” أن مصر غير قادرة على تقديم مساعدات اقتصاديّة للبنان، ليس فقط من باب القدرة، وإنّما هناك قرار دولي بمنع تقديم مساعدات للبلاد (لحين تشكيل الحكومة المرغوبة).
وتابع: هناك إمكانية في تشكيل الحكومة في حال حصول تسوية، لكن المعضلة تكمن بكيفيّة وصول المساعدات من الخارج، وإعادة إنعاش الاقتصاد.
وتحول الخلافات السياسية حتى الآن دون تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد 6 أيام من انفجار المرفأ، الناتج عن تخزين مواد شديدة الانفجار، وفق تقديرات رسمية أولية.
وزادت تداعيات الانفجار وجائحة كورونا من أزمة اقتصادية يعانيها لبنان منذ عام، وهي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990)، بالإضافة إلى استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.