في هذا العدد، نفتح نافذة على إحدى الأقليات المسلمة بأوروبا، من خلال هذا الحوار مع الشيخ سعيد عزام، رئيس مجلس الإفتاء السويدي، الذي ألقى الضوء على عدد المسلمين بالسويد وأوضاعهم وأبرز التحديات التي تواجههم.
نرحب بكم في هذا الحوار، بداية؛ ما عدد المسلمين في السويد وأوضاعهم كأقلية مقارنة بدول أوروبية أخرى؟
– أهلاً ومرحباً بكم وبمجلة «المجتمع» التي تعد مصدر أخبار وثقافة للمسلمين في العالم.
بالنسبة لعدد المسلمين بالسويد البعض يقدرهم بـ700 ألف، وآخرون يقولون: إن عددهم يتجاوز المليون، ويرجع ذلك إلى أن ديانة المرء في السويد لا يتم ذكرها في الهويات الشخصية، أو جوازات السفر، وعادة يتم احتساب المسلمين من خلال الدول التي جاء منها المهاجرون، وفي الغالب لا يتم حساب أولاد المهاجرين في التعداد، ولذلك يقال مثلاً لمن جاء من أفغانستان بأنهم من المسلمين السُّنة 100%، والذي يأتي من الصومال مسلمون 100%، ولمن جاء من سورية بأنهم مسلمون 80%، وهكذا، وعلى هذا الأساس يتم الحساب، وهذا الحساب تقريبي وغير دقيق، ومع تدفق السوريين على السويد في الفترات الأخيرة، نستطيع القول: إن عدد المسلمين يزيد على المليون مسلم.
أما وضع المسلمين هنا في السويد فهو أفضل من أوضاعهم في غيرها من الدول الأوروبية؛ نظراً لكون الاقتصاد السويدي ما زال متعافياً، فالسويد وألمانيا ما زالتا تتمتعان باقتصاد جيد، أما الدول الأوروبية التي تعاني من مشكلات اقتصادية نتيجة قضية العقار وغيرها من القضايا الأخرى، ومع ضعف الاقتصاد تتأثر العلاقات بين مكوّنات المجتمع، بسبب الكساد والبطالة؛ الأمر الذي يؤدي إلى نظرة أصحاب البلاد الأصليين إلى الوافدين إليهم على أنهم هم السبب الرئيس وراء هذه الأزمة الاقتصادية التي يمرون بها، وكان من نتيجتها تفشي البطالة في الدولة التي تستضيفهم، ويرون أنهم عائق في سبيل تحريك عجلة الاقتصاد.
أما في السويد، فإن قوانين البلاد تحمي المواطن السويدي بغض النظر عن أصله أو عرقه أو دينه، ولذلك ما زالت السويد منفتحة على المسلمين؛ حكومة وشعباً، وحينما حاول البعض في السويد أن ينشروا الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي كانت سائدة في الدنمارك، من أجل شق الصفوف، وإحداث نوع من توتير العلاقات بين المسلمين والحكومة، عملت الحكومة السويدية على منع نشر هذه الرسوم.
لكن هذا لا يمنع من أن نشير إلى أن المد العنصري يتزايد، والحزب العنصري “إس داي” يحرز تقدماً في استطلاعات الرأي، حيث أصبح ترتيبه الثالث بعد الحزب الاشتراكي، وحزب “المدرات”، وهذا الحزب العنصري قام بتطوير بعض أدبياته، بحيث تتناسب مع القوانين السائدة في السويد، حتى يستطيع دخول الانتخابات، ويفوز، ويدخل مجلس النواب، ومعه أيضاً حزب عنصري آخر هو “الحزب السويدي الديمقراطي”، وهم يسعون في المستقبل للتحالف مع اليمين، وعند ذلك سنجد اختلافاً كبيراً، ومن الممكن أن يتعرض المسلمون لأعمال عنصرية كما يحدث في الدول الأوروبية الأخرى.
لماذا تتخذ الأحزاب العنصرية موقفاً عدائياً من الإسلام؟
– بعض هذه الأحزاب ورثت الفاشية، وقاموا بتطوير خطابهم، وقد بدؤوا في الصعود مع ظاهرة ما يسمى «الإسلاموفوبيا»، والعداء للإسلام، في البداية كان السائد هو الخوف من الإسلام والمسلمين، ثم انقلب إلى عداء للإسلام والمسلمين.
وبالنسبة لهذه الظاهرة الفكرية بدأت تقوى في المجتمعات الأوروبية حتى أصبحت أيديولوجيا، وصاروا يختزلون النظرة إلى الإسلام والمسلمين المهاجرين على أنهم مجموعة مغلقة على نفسها؛ لا تندمج، وتؤمن بقيم رجعية، وأنها تحض على العنف، وليس لديهم عقلانية ولا حقوق إنسان، ولا احترام للمرأة، وبدأت هذه الأفكار الأيديولوجية تغذو الناس من خلال تركيزهم على بعض الأشياء التي تحصل من بعض المهاجرين، من خلال الإعلام الذي يسيطرون عليه، وينسبون الأعمال الفردية التي يقوم بها بعض المسلمين إلى الإسلام.
ونحن دائماً ننبه إلى أن العنف والإرهاب والأفعال السيئة ينبغي أن تُنسب إلى الأشخاص الذين يقومون بها، ولا ينبغي أن تُنسب إلى الأديان؛ لأن الأديان تدعو إلى الرحمة والرفق والسلام والتعاون بين بني البشر.
تأثير المساجد والمؤسسات الإسلامية على أتباعها ضعيف رغم أن لديها فرصة كبيرة لا تتهيأ لغير المسلمين
كيف تنظر للدور الذي تقوم به المساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية الموجودة بالسويد؟
– الدور الذي تقوم به المساجد والمؤسسات الإسلامية ضعيف، لأنها تعاني من شح التمويل، وكثير من المسلمين لا يتبرعون لها كما كانوا يتبرعون من قبل؛ لذا نجد أن كثيراً منهم لديه التزامات أسرية، كما أن الكثير ممن جاؤوا من البلاد الإسلامية أتوا من بلاد شعوبها فقيرة تحتاج إلى دعم أبنائها في الخارج، خصوصاً الموجودين في السويد.
والأمر الآخر؛ أن هذه المراكز والمؤسسات ليس لها واجهة إعلامية، ولذلك لا تتعاون مع بعضها بعضاً بشكل كبير، كما أن نظرتها إلى العنصرية وارتفاع أسهمها لا يتناسب مع الخطر الشديد الذي تسببه هذه العنصرية على مستقبل المسلمين في السويد.
من هذا المنطلق، فإن تأثير المساجد والمؤسسات الإسلامية على أتباعها ضعيف، رغم أن هذه المراكز والمساجد لديها فرصة كبيرة لا تتهيأ لغير المسلمين، وهي يوم الجمعة؛ حيث يجتمع كثير من المسلمين في بعض المراكز للصلاة، في كل مركز يصلي بين 500 و1000 مصلٍّ، وأي مركز أو حزب من الأحزاب غير الإسلامية يتمنى أن يكون به مثل هذا الجمهور حتى يؤثر فيه تأثيراً إيجابياً، لكن كثيراً من المراكز والمساجد ليس لديها خطة دعوية، ولا تجيد بث الرسائل التي تريد إيصالها للمصلين، فضلاً عن الذين لا يأتون إلى المراكز والمساجد؛ لذا تجد، على سبيل المثال، أن هناك ضعفاً في التواصل مع هؤلاء.
والأمر الآخر، أن هذه المراكز والمؤسسات نظراً لشح التبرعات وضعف الميزانية، لا تجد فيها موظفين ثابتين، وإذا وجد موظف واحد أو اثنان فلا يستطيعان القيام بأعمال مركز إسلامي كبير، خصوصاً أن العمل التطوعي في العادة لا يقوم بتلبية الغرض المطلوب منه؛ لأن الجميع مسؤول وعليه التزامات، سواء في عمله أو دراسته، وبعض الناس يأتون المراكز من أجل الصلاة، ثم يرجعون إلى بيوتهم.
بمناسبة الحديث عن المؤسسات الإسلامية، ما دور مجلس الإفتاء السويدي الذي ترأسونه؟
– مجلس الإفتاء فكرة قديمة، لكننا قمنا بتفعيلها حديثاً في ظل هذه التحديات التي تموج في أوروبا، ووصلت تأثيراتها إلى السويد، ويجب قطع الطريق على غير المؤهلين الذين لم يدرسوا العلوم الشرعية أن يتصدوا للفتوى وتوجيه الناس، كما أن إسكات الناس في ظل الديمقراطية والحريات الموجودة التي لديها فضاءات واسعة في هذه البلاد أمر صعب، ولا يستطيعه أحد، لذا أفضل شيء هو أن توجد مجامع كمجلس الإفتاء، وهذه المجامع يكون فيها المؤهلون الوسطيون المعتدلون، وهؤلاء عندما يخرجون إلى الناس بفتوى مؤصلة تراعي الواقع، وتسقط على حاجات الناس ومعيشتهم، وتجيب عن تساؤلات الشباب، وتتكلم في النوازل العامة، وبالتالي لا يبقى لهؤلاء المتشددين مكان، ويصبح صوتهم نشازاً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون لهذا المجلس في المستقبل المرجعية سواء مع الجهات الرسمية أو المؤسسات والمراكز الإسلامية، أو على الأقل، نتعاون مع من هو مثلنا في نفس التوجه وبمثل هذه التخصصية الموجودة عندنا، والله أعلم.
هل للإعلام الإسلامي والخليجي خاصة أثر مناصر للمسلمين في السويد بشكل أو آخر؟ وكيف ذلك؟
الإعلام الإسلامي خاصة الخليجي كان له تأثيره على الحكومة الفرنسية ووجدنا ذلك في دعوات المقاطعة
– الإعلام الإسلامي، وخصوصاً الخليجي، كان له أثره ووقْعه على الحكومة الفرنسية، ووجدنا أثره في دعوات المقاطعة، وغضبت فرنسا من ردود الفعل الموجودة في العالم الإسلامي، فما كان من الرئيس الفرنسي «ماكرون» إلا أن يختار قناة خليجية (الجزيرة) من أجل توضيح موقفه وتصريحاته، وأنا متأكد من أنه لو قامت للمسلمين منصات إعلامية في أوروبا، فستكون بإذن الله داعمة للمسلمين بها، وأيضاً يكون له أثر كبير في تبنيها لدعم قضايا المسلمين في بلادهم الأصلية، ونحن بالنسبة لنا نؤمن بأن المسلمين يد واحدة، ويتعاونون فيما بينهم، فيما لا يتعارض مع قوانين البلاد التي يعيش فيها المسلمون.