أكد الشيخ د. أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن كل مَنْ فيه مثقال ذرة من عدل وإنصاف، مسلماً كان أو غيره، يؤمن إيماناً راسخاً بعدالة القضية الفلسطينية وبأن «إسرائيل» دولة مارقة مغتصبة.
وأبرز الشيخ الريسوني، في حوار له مع «المجتمع»، أن واجب المسلمين هو مقاومة هذا الاحتلال بجميع أشكال الدعم المالي والسياسي والمالي، داعياً إلى توفير جميع متطلبات المقدسيين لجعلهم متفرغين للدفاع على القدس والمسجد الأقصى.
مرحباً بكم فضيلة الشيخ على صفحات «المجتمع»، بداية كيف يجب أن ننظر إلى القضية الفلسطينية من الناحية الشرعية؟
– بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، اسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر والتقدير والتنويه لمجلتنا الرائدة والأثيرة والصامدة مجلة «المجتمع»، أطال الله عمرها، التي طالما تتلمذنا على يدها منذ عشرات السنين، فنهلنا من أخبارها وتحليلاتها وموادها الثقافية والشرعية، فبارك الله فيها وفي القائمين عليها.
أما بخصوص السؤال، فإن النظر إلى القضية الفلسطينية من الناحية الشرعية يتم أولاً من حيث الفهم والتقييم والتشخيص، وثانياً من حيث المتطلبات تجاهها.
المنصفون بالعالم ومنهم يهود يُقرّون أن قيام دولة «إسرائيل» عمل عنصري عرقي يجب أن يزول
فمن حيث النظر التوصيفي والتشخيصي لهذه القضية، لا يختلف مسلم مع غير المسلم من أهل العدل والإنصاف، فيما وقع وفيما هو واقع، ذلك أن بريطانيا أيام طغيانها وإمبراطوريتها الاستعمارية العظمى استولت على المناطق التي توجد فيها فلسطين كلها، بداية مما سمي بالانتداب البريطاني على أرض فلسطين، وصدور “وعد بلفور” بمنح اليهود وطناً لهم في هذه الأرض المقدسة، علماً أن اليهود طائفة دينية ليس لهم وطن ولا حق لهم في ذلك، وفلسطين لم تكن لهم أبداً، وإنما هو قرار ووعد بريطاني استجاب للوعود والضغوط والطلبات والمساومات الصهيونية.
ومنذ ذلك الحين بدأت بريطانيا تفتح أبواب الهجرة لليهود من شتى أنحاء العالم ومن شتى جنسياتهم وألوانهم وقاراتهم، وبدأت تأتي بهم وتمنحهم التغطية السياسية على ما يقومون به من تأسيس مليشيات وعصابات إرهابية مقاتلة، وتسليحهم أصبح عملية مستمرة على مدى عشرات السنين، إلى أن تم تتويج ذلك بإعلان قيام دولة “إسرائيل” عام 1948م، كل هذا جاء مصحوباً بغزو استيطاني من قبل عصابات إرهابية تقتل الأفراد والجماعات وتهجر الفلسطينيين، وعلى هذا الأساس قامت هذه الدولة المارقة التي استمرت إلى الآن منذ أكثر من 70 عاماً.
فالقضية الفلسطينية قضية شعب تسلط عليه الاحتلال البريطاني أولاً، ثم عصابات اليهود المهـجَّرة من كل أنحاء العالم ثانياً، واستغل في ذلك ما وقع لهم خلال الحرب العالمية الثانية، وباقي النكبات التي حدثت لهم في أوروبا عموماً عبر تاريخهم، لتجميعهم وإقامة دولة خاصة بهم، فقامت هذه الدولة على هذه الأفعال الإجرامية التي جمعت كل أنواع الإجرام التي ارتكبت في سبيل إقامتها وسبيل بقائها، والمنصفون في العالم ومنهم يهود يقرون أن قيام دولة “إسرائيل” عمل عنصري تطهيري عرقي إجرامي إرهابي، يجب أن يزول.
أما المتطلبات الشرعية لهذا الواقع، فهي ما يقرره القرآن الكريم في المئات من آياته الكريمة، من وجوب الجهاد لمقاومة الغزاة والمعتدين، ومقاومة من يخرجون الناس من ديارهم من غير حق، ومناهضة جميع أنواع المنكرات والمظالم من قتل وسجن وتهجير واستيلاء على الأراضي، وكل احتلال واغتصاب للأرض يجب أن يزول، وعلى المسلمين جميعاً وغيرهم من الخيرين من الإنسانية جمعاء أن يقاوموا وينخرطوا في كل أشكال النضال من أجل محو هذا الواقع.
فلسطين جزء من الوطن الكبير للأمة الإسلامية ويوجب على المسلمين الأقرب فالأقرب الجهاد والنصرة لتحريره
نحن مؤمنون إيماناً مطلقاً بديننا أن إزالة هذا الواقع الإجرامي الظالم المغتصب واجب على كل المسلمين وجوباً جماعياً كلياً وقطعياً، وعلى كل واحد من المسلمين أن يعمل ما يستطيعه بحسب موقعه وقدرته؛ بالمال والنفس واللسان والقلم والتظاهر والاحتجاج والتضامن والإسعاف، كل ما يستطيع أن يفعله لفائدة إخوانه الفلسطينيين المنكوبين فهو واجب عليه، وإذا اتسعت إمكاناته اتسعت واجباته؛ فالمسلمون مدعوون في كل وقت وحين وأينما وجدوا في القارات الست سواء كانوا عرباً أم غير عرب، لنصرة القضية الفلسطينية، وكلٌّ ينظر كيف يحقق ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إلى أن يزول هذا الظلم والبغي الذي اجتمعت له الصهيونية العالمية.
المسلمون أمة واحدة وجسد واحد وكيان واحد، ولا عبرة في هذا بالتفريق والتمزيق الحاصل الآن، وفلسطين جزء من الوطن الكبير للأمة الإسلامية، فلسطين بلد إسلامي على مدى قرون وقرون، وسكانه الفلسطينيون مستقرون فيه حتى قبل الإسلام بقرون وقرون، وقد تعرض هذا الجزء من بلاد المسلمين للاغتصاب والاحتلال، وهذا يوجب على المسلمين، الأقرب فالأقرب، الجهاد والنصرة والعمل بكل السبل لتحريره واستعادته، وهذه مسألة إجماعية لا خلاف فيها أبداً بين علماء الإسلام قاطبة.
ثم إن أرض فلسطين، الواقعة الآن تحت الاحتلال والاغتصاب، تضم قبلة المسلمين الأولى؛ المسجد الأقصى، المذكورة مكانته الإسلامية في سورة “الإسراء”، وهو أحد المساجد الثلاثة المعظمة في شرعنا؛ المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
كيف تنظرون إلى ما حققته المقاومة من انتصار في الحرب الأخيرة؟
– أولاً: إن المعركة الأخيرة التي انتهت أطوارها قبل أيام حلقة من حلقات الصراع الطويل الذي بمقتضاه يدافع إخواننا الفلسطينيون عن أرضهم ووطنهم وحقوقهم وديارهم، ولا شك أنها أيضاً حلقة من سلسلة معارك مضت وأخرى آتية لا ريب فيها، الانتصار الذي حققته المقاومة والشعب الفلسطيني برمته أفرح الأمة، حيث اشتعلت المعركة من بيت المقدس، وامتدت شمالاً وغرباً وجنوباً، وانخرطت فيها المقاومة المسلحة وأبلت فيها البلاء الحسن، وصمدت فيها صموداً أدهش وصدم دولة العدو الغاصب ومخابراته؛ لأنها كانت تعتبر أن مخابراتها تعلم السر وأخفى، ولكن ظهر لهم أن المقاومة أعدت وقدمت ما لم يكن في حسبانهم، ومع كل معركة في غزة، تُظهر المقاومة تقدماً كبيراً في تسلحها وفي صناعتها الحربية وفنون قتالها.
ثانياً: حققت المقاومة مكاسب سياسية، ففي الوقت الذي كان العدو يعتبر “حماس” منظمة إرهابية لا تفاوض معها وليس هناك حل إلا استئصالها، بدأ اليوم يبحث عن الوسطاء الذين يقنعونها من أجل وقف إطلاق النار، وكان “نتنياهو” (رئيس حكومة الكيان الصهيوني) يشترط علانية أن توقف “حماس” إطلاق الصواريخ وتعلن وتلتزم بذلك قبل أن يُقْدم هو على وقف عدوانه الغاشم، لكنه في الأخير رضخ إلى رغبة المقاومة في وقف إطلاق النار في وقت واحد على أساس الندية (حسب المتعارف عليها دولياً)، وإلا فإنه لا ندية في هذه القضية؛ لأن المقاومة على حق، والظالم لا حق له ولا يمكن ولا يصح أن يشترط شيئاً وما عليه سوى أن ينسحب.
والآن عدد من اليهود من المفكرين والمثقفين -وهذا انتصار آخر- بدؤوا يعبرون بتزايد عن قناعتهم بأن “إسرائيل” لا مقام لها، وبعضهم يقول: لا مقام لها إلا بقيام دولة فلسطينية تحقق المطالب الفلسطينية حسب مقررات الأمم المتحدة، بالرغم من أن الكثير منهم يعي جيداً أن هذه المقررات لم تكن حلاً في يوم من الأيام، ولم تكن جزءاً من الحل، بل هي المشكلة وجزء من المشكلة.
إن العقلاء يفكرون الآن في العودة من حيث أتوا، وبعضهم بدأ يبحث عن تسجيل أبنائه في كندا وأستراليا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وبدأ التفكير في الرحيل، وهذا لم يتم بين عشية وضحاها، لكنه عاد بقوة لأنه في كل حرب يستبد هذا الهاجس باليهود الغرباء والدخلاء حقيقة، ولكن في هذه المرة بشكل شديد وعنيف وستظهر آثاره في الشهور المقبلة، إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: إن الانتصار الإستراتيجي الآخر هو أن هذه المعركة بـ”قدسها”، و”غزتها”، و”داخلها الفلسطيني”، والتأييد الكبير الذي تحرك في الشارع العربي والإسلامي والدولي، حققت أيضاً هذا الانتصار الكبير العسكري والسياسي والإعلامي، وكان الكثير من السياسيين والإعلاميين يقولون منذ “الربيع العربي” والهجوم عليه ونكساته: إن الناس قد انصرفوا عن القضية الفلسطينية، وأصبح كل واحد يفكر في خويصة نفسه، ولكن، ها نحن نرى الآن الأمة تتفاعل بكل شعوبها العربية والإسلامية.
والانتصار الأخير هو إسقاط خرافة التطبيع التي انحشرت في الزاوية، والذين ينظرون إلى حقيقة الأمور يرون أنه افتضح أمره وسقطت عنه ورقة التوت، وظهر أنه ضد إرادة الأمة والشعوب بمن في ذلك تلك التي فُرض عليها.
إن هذا التطبيع الذي بناه “ترمب” (الرئيس الأمريكي السابق)، و”نتنياهو”، وإدارتاهما، وروّجوا له بـ”صفقة القرن”، وفُرض بضغوط شديدة ومساومات، ها هو الآن قد سقط في بضعة أيام إلى غير رجعة، علماً أن ذلك سيصاحبه التعنت ومحاولة حفظ ماء الوجه والمحافظة على الوثائق المكتوبة وبعض المكاتب المفتوحة هنا وهناك وبعض الإجراءات المتعنتة لبعض الدول لإخفاء هزيمتها في هذا المسار.
ما ميزان الشرع في الحفاظ على الأرواح خلال حروب مقاومة الاحتلال؟
– مما لا شك فيه أن حفظ النفوس والأرواح والمهج هو أحد المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، التي تتلخص في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والواجب شرعاً هو المحافظة على النفوس ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ولكن كما قال الله تعالى في محكم كتابه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 179)، وكما قالت العرب قديماً: «القتل أنفى للقتل»؛ فقد يضطر شعب من الشعوب وطائفة من الطوائف وأمة من الأمم أن تقاتل بمعنى القرآن الكريم «فيَقتلون ويُقتلون»، من أجل الضرورة العابرة التي تقاس بقياسها، ولا ضرورة اليوم أكبر من الدفاع عن فلسطين والمسجد الأقصى؛ فاحتلال الأراضي يوجب العمل على تحرير فلسطين وعودة المهـجَّرين، والبيوت والمزارع إلى أهلها، لا بد من الحرب لدفع الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، والعدو يقتحمه بمستوطنيه.
والحرب هي الحرب، وإذا قامت فهي إسلامياً تكون بين طرفين مقاتلين ومسلحين ومستعدين ولا شأن بها لمن ليسوا طرفاً فيها وهذا هو الموقف الإسلامي، فكل من لم يشارك في الحرب من النساء والشيوخ والأطفال والعباد المعتكفين في أديرتهم ومعابدهم، لا شأن للحرب بهم، بل يجب احترامهم وعدم المساس بهم.
لكن كما قلت سابقاً «الحرب هي الحرب»، وقد يختلط الحابل بالنابل ويقع عرضاً أذى للأبرياء، ونحن نحافظ على أنفسنا وعلى غيرنا، ونتقي الحرب ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، والمسلمون تعرضوا إلى العدوان في بداية الإسلام، وصبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصبر معه أتباعه، ونهاهم الله عن القتل، وقال لهم: (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) (النساء: 77)، ولكن بعد التمادي المتكرر، نزلت الآية الكريمة: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39)، وحين نظلم مرات متعددة ونحاول أن نرفع هذا الظلم من غير الحرب، فلا يزداد هذا الظلم إلا تمادياً، فحينها يكون خيار الحرب هو الحل، وكما يقال: «آخر الدواء الكي»، وفيها تسقط أرواح منا ومن غيرنا، لكننا نرجو من الله ما لا يرجون، وتسقط عرضاً أرواح ممن ليسوا طرفاً في الحرب، وإذا كان العدو يتهم رجال المقاومة بأنهم يندسون وسط المدنيين فهو أيضاً يتمترس في مجموعة من المستوطنات أتى بها وأقامها وأقام منشآتها، ومن الناحية الإسلامية لا يجوز استهداف المدنيين مع العلم بأنهم ليسوا مقاتلين.
هل يمكن أن توجد مبررات شرعية لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال؟
– التطبيع الحقيقي واجب على كل صاحب حق، وهو ما قام به الشعب الفلسطيني على أرض الواقع، وهو أن تكون العلاقة بالظالمين والمغتصبين علاقة طبيعية، وهي الضرب على يدهم ومقاومتهم وإيقاف ظلمهم ومعاقبتهم، وأن ينزع ما بأيديهم مما اغتصبوه، وأن يقاتلوا ويكف بأسهم وشرهم.
وهذا السلوك الطبيعي يأتي رداً على التطبيع المقلوب والمزيف الذي قام به بعض الحكام العرب، الذين يريدون أن يطبعوا ما لا يطبع، وأن يزيفوا الحقائق ويظهروا الظالم مظلوماً والمغتصب حليماً وصديقاً، فالتطبيع الحقيقي هو مقاومة الظلم حتى يقام العدل عليه، وأما محالفة المجرمين ومصادقتهم والتسامح معهم، والتنازل لهم فجرائم إضافية، لأن من يفعل ذلك هو شريك في الجريمة والاغتصاب وشاهد زور وظلم وزيف.
والتطبيع الذي مارسه بعض الحكام لا وجود له في الدين ولا في المبادئ والقيم الإنسانية، فلا يوجد شعب ولا دين ولا حضارة ولا تاريخ ولا ثقافة ترحب بالمغتصبين وتتخذهم إخواناً وخلاناً وأحبة، ولا يوجد أي ترحيب للمغتصب وعناقه والتعاهد معه في ثقافة أي أمة من الأمم؛ فكيف يريد هؤلاء المتسلطون أن يجعلوا من العدو صديقاً ومن الصديق عدواً، فقد سمعنا مراراً قيادات سياسية وإعلامية صهيونية يدعون الدول العربية الصديقة إلى محاربة “عدوهم المشترك”، وهو الذي يسمونه تارة بـ”الإخوان المسلمين” وتارة بـ”حماس” وتارة بالمتطرفين.
والتطبيع الحقيقي في القرآن يأتي من الآيات الكريمة: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج)، ذلك أن من فضل الله على الناس أن شرع لهم القتال والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، أما الاستسلام ومسالمة العدو ومعانقته فلا يوجد لا في الدين الإسلامي ولا في الديانات السماوية بما في ذلك اليهودية ولا في المبادئ الإنسانية ولا في العهود والمواثيق الدولية.
ما واجب المسلمين؛ فرادى ومجتمعات ودولاً، للوقوف في وجه تهويد القدس؟
– الدول الإسلامية بإمكانها لو بذلت القليل من إمكاناتها وجهدها ومكانتها سياسياً ومالياً، أن تفعل الشيء الكثير وحتى تحرير القدس، لكن للأسف نرى ما نراه اليوم.
لكن يبقى الواجب على كل المسلمين؛ أفراداً ومجتمعات ومؤسسات ودولاً وحكومات، أن يناصروا القدس وأهل بيت المقدس، ودعمهم مالياً وسياسياً وإعلامياً، لأنهم أثبتوا أنهم قادرون على حماية المسجد الأقصى الذي أنيطت بهم أمانته، فهم قائمون بواجبهم خير قيام، وهم قائمون على قدم وساق ليل نهار في حماية الأقصى والحفاظ على إسلامية مدينة القدس وما حولها، والمعركة الأخيرة وقعت من أجل المحافظة على القدس وعلى أحياء القدس عربية وإسلامية، فالمقدسيون قادرون على ذلك، فقط يحتاجون إلى الدعم المالي والسياسي والإعلامي، والدول الإسلامية بيدها ورقة يمكن أن تستعملها وهي أن القدس لا توجد تحت الحكم “الإسرائيلي” بقوة قرار التقسيم الذي هو في الأصل قرار ظالم، وبالتالي فإن هذا الأمر المقرر بقرارات الأمم المتحدة فرصة للضغط لأجل إبعاد العدو عن المدينة المقدسة، والأيسر من ذلك هو دعم أهل القدس من قبل حكام المسلمين وعلمائهم وأثريائهم.
لقد قاوم المقدسيون في المعركة الأخيرة خطوات جديدة من التهويد، بمحاولة الاستيلاء على المساكن والأراضي في حي الشيخ جراح وفي باب العامود وقطع أشواط في الاقتحامات المتواصلة، ونجح المقدسيون في صدهم وإيقافهم بجهودهم وتضحياتهم، وقد وجدوا دعماً شعبياً من مختلف إخوانهم في الدول العربية والإسلامية، فكيف لو أصبح هذا الدعم متواصلاً وليس موسمياً، وكيف لو انخرطت فيه الدول الإسلامية بأموالها، ومن الواجب أن نجعل المقدسيين متفرغين للدفاع عن القدس لا يفكرون إلا في أمرها بتوفير مؤونتهم ورزقهم ومصاريفهم الطبية والدراسية، لأنهم في هذا ينوبون عن جميع المسلمين في الانتصار لقضية المسجد الأقصى وبيت المقدس.
«علماء المسلمين» نشأ ونُصْب عينيه قضية فلسطين بكل تفاصيلها وحرَّك الآلاف من العلماء في العالم لنصرتها
ما دور العلماء اليوم في نصرة القضية الفلسطينية؟
– أستطيع أن أبشر وأطمئن بأن العلماء اليوم أخذوا يتحركون أكثر فأكثر، ويعودون إلى مواقعهم الطبيعية، وهي القيادة والريادة في المجال التوجيهي والتنويري للمسلمين في قضاياهم المختلفة وفي طليعتها القضية الإسلامية، بدؤوا يعودون إلى الميدان ويتقدمون الصفوف في العمل الثقافي والإعلامي والديني، في المساجد والمنابر الإعلامية، ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
وهم في غضون هذه السنة، ولا سيما بعد الخطوات التطبيعية التي انزلقت إليها بعض الدول العربية، انعقدت المئات من المؤتمرات والمهرجانات وشاركوا في البرامج التلفزيونية وأصدروا الأعداد الكثيرة من الفتاوى والمؤلفات والمقالات، وهم بذلك يتصدرون بها هذه المعركة الثقافية والإعلامية والفكرية والعاطفية لهذه القضية، والعلماء كانوا قد غُيِّبوا وغابوا وضعفوا وتواروا، لكن الآن عادوا بحمد الله تعالى.
والدور الذي يقوم بها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دور رئيس وريادي في هذا الصدد، خاصة أن رأس هذا الاتحاد ورئيسه المؤسس له شيخنا الإمام الشيخ يوسف القرضاوي من المهمومين بشكل قوي بالقضية الفلسطينية، وقد نشأ هذا الاتحاد ونُصْب عينيه قضية فلسطين بكل تفاصيلها ومجرياتها، وحرك الآلاف من العلماء في العالم الإسلامي، خاصة أنه اتحاد له أعضاء في كل أنحاء العالم، وبث في العلماء روح الشيخ القرضاوي التي هي روح الإسلام وروح العلماء بأن يكونوا حاضرين غير غائبين، يقظين غير غافلين، متبوعين غير تابعين، والعلماء يعودون إلى الوضعية الطبيعية شيئاً فشيئاً، وما عليهم في ذلك إلا الاستمرار للعودة إلى قيادة الأمة في قضاياها المصيرية وبالله تعالى التوفيق.