يسعى الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس إلى تهويد الشجر والحجر والبشر، والقيام بعملية إحلال تنتهي إلى تغيير معالم القدس والمقدسات فيها.
د. عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، والملاحق باستمرار من قبل مخابرات الاحتلال رغم كبر سنه (82 عاماً)، يتحدث إلى «المجتمع» عن مدينة القدس، ويشير إلى خطورة ما يتم تنفيذه على مدار الساعة وإخراج المقدسيين من المدينة.
في البداية، يقول الشيخ عكرمة صبري: إنني من خلال منبر مجلة «المجتمع» الإسلامية الصادرة في دولة الكويت، أتوجه إلى كل مسلم حر وغيور، أن يتحرك لنصرة القدس ومسجدها الأقصى، بالطريقة التي تناسبه، فيهود العالم يتم تجنيدهم من أجل مدينة القدس، ونحن أصحاب الحق أولى منهم في هذا المجال.
الاحتلال صاحب عقلية تدميرية ويقوم بكل الأعمال التي تؤدي إلى تهويد القدس
ويضيف د. صبري: الاحتلال منذ اليوم الأول لاحتلال المدينة، في السادس من يونيو 1967م، لجأ إلى سياسة التجريف والتدمير؛ فانقضَّ على حارة المغاربة المجاورة لحائط البراق، وأزال بيوت حي المغاربة وقضى عليه بالكامل؛ لتهويد ساحة البراق، فهو صاحب عقلية تدميرية، واليوم يقوم بكل الأعمال التي تؤدي إلى التهويد؛ فساحات المسجد الأقصى وأبوابه مستباحة للمستوطنين، وباب المغاربة تم الاستيلاء عليه بالكامل، ولا سيطرة لدائرة الأوقاف عليه.
ويتم تفويج المقتحمين من المستوطنين من خلال باب المغاربة باتجاه المنطقة الشرقية حتى مبنى مصلى باب الرحمة والعودة في مسار تلمودي من صحن قبة الصخرة والخروج من باب السلسلة بعد أداء الطقوس الدينية التلمودية وإلقاء المحاضرات، والتمرغ بتراب المسجد الأقصى وبث محاضرات دينية من قبل حاخامات يقتحمون المسجد، وبحراسة أمنية مشددة من قبل أذرع دولة الاحتلال.
وفي مقابل هذه الاقتحامات يتم إفراغ المسجد الأقصى من المرابطين والمرابطات، حتى لا يتم التشويش على عملية الاقتحام، ولو بقراءة القرآن الكريم، ويتم توجيه تهمة جاهزة لكل من يشوش على المقتحمين اقتحامهم تصل مدتها إلى اعتقال لأكثر من عام.
عنصرية مقيتة
ويقول د. صبري: لتحقيق غاية إفراغ المسجد الأقصى وساحاته من المصلين والمرابطين، تقوم مخابرات الاحتلال بتنفيذ حملات اعتقال يومية وإبعاد عن المسجد الأقصى في أحياء مدينة القدس خارج البلدة القديمة وداخلها، فعلى مدار الساعة لا تتوقف الاعتقالات، ويتم اقتحام المنازل وترويع أهلها، فهناك قرابة 300 ألف مقدسي يتوزعون على 18 حياً مقدسياً، وتم إخراج أكثر من 120 ألف مقدسي خارج مدينة القدس بعد إقامة الجدار العنصري، ويجبر المقدسي على هجر منزله الذي وقع خارج الجدار، وعليه البحث داخل مدينة القدس عن سكن حتى يظل داخلها، وأي مقدسي يثبت عليه المبيت خارج القدس يتم سحب المواطنة منه.
وأضاف: يعامل الاحتلال المقدسيين بعنصرية مقيتة، فالمواطنة في عرف الاحتلال مؤقتة لهم، ويتم إجبار المقدسي على إثبات مواطنته كل عدة سنوات من خلال إحضار فاتورة الكهرباء والهاتف وضريبة الأملاك، بينما المستوطن المغتصب توفر له كل التسهيلات من أجل البقاء وعدم الهروب.
وعلى صعيد البلدة القديمة، قال الشيخ صبري: البلدة القديمة بسورها التاريخي حاضنة المقدسات الإسلامية والمسيحية، والاحتلال يقوم من خلال برنامج استيطاني إحلالي بضخ المستوطنين فيها بعدة مناطق، أهمها منطقة شارع الواد التي تؤدي إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، فهناك أكثر من 7 آلاف مستوطن يشاركون 33 ألف مقدسي السكن في البلدة القديمة، فهدف الاحتلال جعل نسبة أهالي البلدة القديمة 12% فقط، وضخ المستوطنين وبناء الكنس المحيطة بالمسجد الأقصى، وهناك أكثر من 60 كنيساً أقيمت في البلدة القديمة بعد تسريب عقارات في صفقات بيع مشبوهة.
المقدسيون عمدوا إلى «الوقف الذري» حتى يوقفوا تسريب الأراضي والبيوت والممتلكات في البلدة القديمة
الوقف الذري
ولفت د. صبري قائلاً: حتى يوقف المقدسيون تسريب الأراضي والبيوت والممتلكات في البلدة القديمة، عمدوا إلى ما يسمى بـ»الوقف الذري»؛ أي وقف المنزل أو المحل التجاري أو الأرض في المحكمة الشرعية من أجل قطع الطريق على أي فرد من أفراد العائلة البيع في المستقبل، وتبقى الملكية وقفاً ذرياً يستفيد منها أفراد العائلة في المستقبل دون التمكن من البيع لأي جهة؛ حيث تسعى الشركات الاستيطانية مع سماسرة ضعاف النفوس إلى شراء ممتلكات داخل البلدة القديمة والمناطق المحيطة بالمسجد الأقصى مثل بلدة سلوان، وهي الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى التي يطلق عليها من قبل المستوطنين «مدينة داود»، حيث يتم استهدافها بشراء منازل وأراض داخلها بصورة جنونية.
وكل منزل يتم الاستيلاء عليه بصفقة بيع مشبوهة يتحول إلى ثكنة عسكرية بين المقدسيين، من خلال كاميرات مراقبة أمنية، ووضع حواجز عسكرية لحماية المستوطنين، وتفتيش كل من يمر من المكان.
وما يجري في الشيخ جراح من تهجير لأكثر من 500 مقدسي وإحلال مستوطنين مكانهم ما هو إلا خطوة على تهويد كافة الأحياء المقدسية، فبعد القدس الغربية وتهويدها بالكامل ينتقلون على القدس الشرقية ومحاولة إذابة كل فاصل بينهما، فهناك أكثر من 20 ألف منزل مقدسي في مربع الاستهداف والهدم، والمحاكم تقوم بالبت فيها بشكل متفرق، حتى يكون الهدم على مراحل دون إثارة ضجة، كما يحدث الآن في حي الشيخ جراح المقدسي.
وشدد الشيخ صبري قائلاً: الصمت تجاه سياسة الاحتلال والمستوطنين في القدس المحتلة يزيد من لعابهم في قضم الأرض وتهويد المقدسات؛ ففي ساحة البراق تقام منشأة ضخمة في المكان حتى يتم حجب قبة الصخرة المشرفة، إضافة على إقامة مرافق سياحية تمس المسجد الأقصى، مثل إقامة تلفريك يمر من فوق المسجد الأقصى، واعتبار ساحات المسجد الأقصى حدائق عامة، ليست تابعة له، وتسري عليها قوانين الحدائق العامة.
ونوه د. صبري قائلاً: التحريض على مدينة القدس من قبل المستوطنين بلغ مداه، فهم يطلقون على المسجد الأقصى «جبل الهيكل»، ويتم إحضار أدوات الهيكل المزعوم على أبواب المسجد في كل بداية شهر عبري وخصوصاً عند باب القطانين، وتمارس الطقوس عند أبواب «الأقصى» بحراسة مخابراتية مشددة، في إشارة إلى تشجيع المستوى السياسي والأمني لهذا التوجه الخطير.
هناك محطات أفشلت مخطط الاحتلال مثل افتتاح مصلى «باب الرحمة» وإزالة البوابات الإلكترونية وإحباط مسيرة توحيد القدس
وعن إحباط ما يجري من مخططات مرعبة، لخص الشيخ صبري عدة محطات أفشلت مخطط الاحتلال، منها افتتاح مصلى مبنى باب الرحمة، بتاريخ 17/2/2019م، المغلق منذ عام 2003م، وتحويله إلى مصلى، وكانت منظمات الهيكل المزعوم تسعى إلى تحويله إلى كنيس في المنطقة الشرقية والدخول إليه من مقبرة الرحمة ومن خارج السور، وهذا الإنجاز التاريخي يعد نصراً مؤزراً أفشل مخططاً مرعباً، وما زال الاحتلال يقوم باعتقال من يقوم بارتياد المصلى، إلا أن إصرار المقدسيين أفشل كل مخططاتهم.
وكذلك محطة إفشال «البوابات الإلكترونية»، في يوليو 2017م، وإزالتها بعد أسبوعين من الصمود أمام باب الأسباط، وكذلك إفشال مسيرة توحيد القدس، في 28 رمضان الماضي، إضافة إلى الصمود الأسطوري من قبل المقدسيين اليومي على مدار العام.