أجمع محللون سياسيون وباحثون بالاستيطان على أن مضاعفة اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية التي تقع برعاية جيش الاحتلال وصمت رسمي على المستوى السياسي الصهيوني ستشعل انتفاضة ثالثة، في وقت يلاحظ فيه تزايد حوادث القتل لفلسطينيين بالضفة برصاص جنود الاحتلال.
وتأتي هذه التقديرات مع كشف صحيفة “هآرتس” النقاب عن معطيات بشأن اعتداءات إرهابية للمستوطنين على الفلسطينيين بالضفة وثقتها أجهزة أمن الاحتلال، وتشير إلى أن الاعتداءات سجلت ارتفاعا غير مسبوق وتضاعفت في العامين الماضيين.
وأظهرت المعطيات التي نوقشت في جلسات مغلقة لمسؤولين بالأجهزة الأمنية ومندوبين عن المستوى السياسي بحكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينيت اعتداءات للمستوطنين وصفت بـ”جرائم قومية”، في الأعوام 2019 إلى 2021، حيث تم توثيق 1286 اعتداء إرهابيا في هذه السنوات.
وترجح التقديرات أن الاعتداءات قد يكون عددها أكبر من الأرقام المذكورة، علما أن الإحصاءات تعتمد فقط على ما وثقته أجهزة أمن الاحتلال.
وأظهرت المعيطات أنه في عام 2019 نفذت عصابات المستوطنين 363 اعتداء، أما في عام 2020 تم توثيق 507 اعتداءات إرهابية، في حين سجل بالنصف الأول من العام الحالي 416 اعتداء، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد بنهاية عام 2021 إلى أكثر من ألف اعتداء.
تصاعد وحصانة
وربط المتحدث باسم “كتلة السلام الآن” آدم كلير بين تضاعف اعتداءات المستوطنين وتكثيف نشاط عصابات “تدفيع الثمن”، الذي تصاعد عقب مقتل مستوطن خلال مطاردته من قبل دورية لشرطة الاحتلال قرب رام الله في ديسمبر/كانون الأول 2020، وتجاهل الاعتداءات من قبل الحكومات الصهيونية التي اختارت عدم الصدام مع المستوطنين باعتبارهم كتلة انتخابية تحسم مفاوضات الائتلاف الحكومي.
وأوضح كلير في حديثه للجزيرة نت أن تمادي المستوطنين في الاعتداءات يأتي في سياق صمت وحتى قبول من قبل المجتمع الإسرائيلي لهذه الاعتداءات والإجماع عليها بين الغالبية العظمى للتيارات والأحزاب السياسية الصهيونية، وهو القبول الذي يمنح لعصابات المستوطنين وتحديدا “شبيبة التلال” الضوء الأخضر لمواصلة الاعتداءات، خصوصا في ظل صمت مركبات الائتلاف الحكومي بخاصة حزب “ميرتس” المحسوب على تيار معسكر اليسار.
وعلى المستوى الأمني والعسكري، يعتقد المتحدث باسم “كتلة السلام الآن” أن اعتداءات المستوطنين تأخذ منحى تصاعديا كونها تحظى بدعم وحصانه من قبل جيش الاحتلال الذي لا يحرك ساكنا لمنع هذه الاعتداءات ولردع المستوطنين عن مواصلة الهجمات العدائية ضد الفلسطينيين.
جرائم وصمت
وأكد كلير أن المستوى العسكري لديه الصلاحيات لملاحقة المستوطنين وكبح الاعتداءات لكنه لا يقوم بذلك ويحصل على ضوء أخضر بمواصلة هذا النهج بظل صمت المستوى السياسي الصهيوني، وهو الموقف الذي عبر عنه رئيس الوزراء نفتالي بينيت برفضه القاطع للعودة لطاولة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ودعمه للمشروع الاستيطاني وإسقاطه لحل الدولتين.
ومع تصاعد عمليات قتل الفلسطينيين بالضفة برصاص جنود الاحتلال وتمادي عصابات “تدفيع الثمن” بالجرائم الإرهابية، وانعدام الأفق للعودة حتى إلى طاولة المفاوضات، لا يستبعد المتحدث باسم “كتلة السلام الآن” أن يرتد عنف المستوطنين على الاحتلال مستقبلا باندلاع انتفاضة ثالثة يكون محورها مناهضة الاستيطان والتصدي للمستوطنين.
احتكاك وانتفاضة
ويتفق الصحفي الصهيوني المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن مع المتحدث باسم “كتلة السلام الآن”، مؤكدا أن جميع الظروف والتطورات تشير إلى أن الانتفاضة الثالثة مجرد مسألة وقت، مرجحا أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الاعتداءات للمستوطنين على الفلسطينيين بالضفة والأغوار.
ووسط هذه المعطيات والتطورات الميدانية والتعقيدات السياسية بالاحتلال، يقول شطيرن إن قادة أحزاب الائتلاف الحكومي الحالي بخاصة بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس، ووزير القضاء جدعون ساعر، ووزير الداخلية أييلت شاكيد يريدون تعزيز شعبتيهم لدى معسكر اليمين وبصفوف المستوطنين.
وعليه، تلتزم هذه القيادات الصمت حيال تمادي الجماعات الاستيطانية بالاعتداءات على الفلسطينيين، ويضيف شطيرن “ليس من المستبعد في المستقبل إمكانية احتكاك المستوطنين مع قوات الأمن الصهيونية بالضفة، التي نأت بنفسها عن كبح اعتداءات المستوطنين خشية الصدام والانتقام من جماعات المستوطنين الذين باتوا يسيطرون على مفاصل الحكم بالاراضي المحتلة”.
ضعف وابتزاز
وعزا الإعلامي الصهيوني تضاعف اعتداءات المستوطنين خلال النصف الأول من العام الجاري وتسجيل حوادث غير مسبوقة إلى قناعة جماعات المستوطنين بأن حكومة بينيت الداعمة أصلا للمشروع الاستيطاني والرافضة للعودة إلى المفاوضات على أساس حل الدولتين ضعيفة وهشة وتتوافق بين مركباتها على هدف واحد هو منع عودة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو إلى مقاليد الحكم.
وعليه، يعتقد أن جماعات المستوطنين تدرك أن حكومة بينيت لا يمكنها مواجهتهم والصدام معهم وكبح الاعتداءات، ومن ثم يقومون بابتزازها وإربكاها عبر فرض وقائع جديدة على الأرض بوضع اليد على مزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع دائرة البؤر الاستيطانية، وترهيب وترويع الفلسطينيين كونهم الحلقة الأضعف بخاصة باستهداف أراضيهم وممتلكاتهم البعيدة عن التجمعات السكنية الفلسطينية.
استهداف وحماية
وفي الجانب الفلسطيني، حذر مسؤول ملف الاستيطان في السلطة الفلسطينية بشمالي الضفة الغربية غسان دغلس من تداعيات التصاعد بالإرهاب الدموي للمستوطنين ضد الفلسطينيين الذين فقدوا الأمن الشخصي، وباتوا رهائن للاعتداءات التي تنفذها “شبيبة التلال” وعصابات “تدفيع الثمن”، تحت رعاية جنود الاحتلال وحمايتهم.
وأوضح دغلس أن إرهاب المستوطنين الذي هو بمنزلة سلاح للتوغل والسيطرة على الضفة يضرب في كل فلسطين التاريخية ولا يقتصر على الضفة، مثلما تجلى ذلك خلال هبة الكرامة في مايو/أيار الماضي، إذ قوبلت هذه الجرائم الإرهابية بتبرير من قبل المؤسسة الرسمية، وصمت بالمجتمع الإسرائيلي الذي يتقبل اعتداءات وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
وأكد مسؤول ملف الاستيطان في السلطة الفلسطينية أن هذه الاعتداءات للمستوطنين والهجمات أخذت منحى عمليات عدائية دموية تستهدف الفلسطينيين وأمنهم الشخصي، وتحمل في طياتها أبعادا إرهابية، حيث شملت الممتلكات والعقارات، والمقدسات، والأراضي، والمزروعات، والمحاصيل، وهي الاعتداءات التي ستشعل انتفاضة ثالثة إذا لم يوضع لها حد من قبل المجتمع الدولي المطالب بتوفير الحماية للفلسطينيين.