توقع الناشط السياسي التونسي أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك مشاركة أعداد كبيرة في المظاهرة المرتقبة، اليوم الأحد، التي دعا إليها حراك “مواطنون ضد الانقلاب” رفضاً للإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد، مشيراً إلى أنه لا يمكن الحديث عن إصلاحات تحت صوت الدبابات.
جزء كبير من أنصار الرئيس يوقنون أنه لن يأتي بحل
وفي مقابلته مع “الأناضول”، قال بن مبارك، وهو ناشط بحراك “مواطنون ضد الانقلاب”: إن رئيس الجمهورية علق الدستور بقرار فردي متعسف غير شرعي وغير قانوني، وانطلق في ممارسة ضغوطات رهيبة على السلطة القضائية، من أجل تطويعها وإرغامها على الانخراط في المسار الانقلابي وتنفيذ تعليماته، وهو تدخل سافر في استقلالية القضاء.
ووفق بن مبارك، فإن حراك “مواطنون ضد الانقلاب” (مدني)، يمثل حركة مواطنية عفوية، تأسست على مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة الناس للتظاهر ضد قرارات سعيّد.
وبحسبه، فإن الحراك نفذ عدداً من التحركات في الشارع، انطلقت يوم 18 سبتمبر الماضي لتتدعّم إثر دعوة ثانية للتظاهر يوم 26 من الشهر ذاته، مرجحاً مشاركة أعداد أكبر في المظاهرة المقرر تنفيذها اليوم 10 أكتوبر.
وأشار إلى ممارسة السلطة لتضييقات على وكالات السفر وإلغاء رحلات السكك الحديدية ووضع حواجز على الطرقات لمنع مشاركة أعداد كبرى من المتظاهرين الأحد.
سعيّد لا يحسن قراءة المشهد والتوازنات الدولية خاصة أن تونس لا تملك مكونات الصمود إثر استفحال الأزمة المالية
ومنذ 25 يوليو الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيد سلسلة قرارات منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة.
وترفض غالبية القوى السياسية قرارات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها “انقلاباً على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا)، وأطاحت هذه الثورة بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 – 2011م).
سعيد واتهامات لمعارضيه
وفي السياق ذاته، اتهم بن مبارك رئيسَ الجمهورية بـ”تخوين” معارضيه وحراك “مواطنون ضد الانقلاب”.
وقال في هذا الخصوص: إن سعيّداً وصف معارضيه بالمخمورين والعملاء ليصدر، بعد ذلك مباشرة الأمر عدد (117) الذي كشف الانقلاب على حقيقته، ودفع إلى تكوين جبهات سياسية ومدنية، وتراجع أحزاب عن دعمها لإجراءات 25 يوليو.
وكان رئيس الجمهورية أصدر، في 22 سبتمبر الماضي، أمراً رئاسياً علق فيه أبواباً من الدستور، ومنح لنفسه سلطة إصدار المراسيم وتواصل العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير مسمّى.
وكشف بن مبارك أنه سيتم في التحرك الاحتجاجي بشارع محمد الخامس (بالعاصمة تونس)، الإعلان في مهرجان خطابي عن قيادة لحراك “مواطنون ضد الانقلاب” الذي يدار من قبل نشطاء، ويضم سياسيين وأنصاراً لعدد من الأحزاب ومواطنين.
كثير من الدول التي استثمرت في العملية الديمقراطية بتونس غير مستعدة للاستثمار في عودة الاستبداد
شعارات وانتقادات
بن مبارك أوضح أن قيادة حراك “مواطنون ضد الانقلاب” لا تتحمل مسؤولية جميع الشعارات المرفوعة في وقفاتهم الاحتجاجية، وذلك في إطار رده على الانتقادات حول حدة الشعارات المرفوعة في تظاهراتهم، داعياً إلى التمسك بخط “معارضة الانقلاب”.
وشدد على أن الشعارات التي رفعت في جميع التحركات تعتبر معقولة ما عدا بعض الشعارات التي سارعت قيادة الحراك إلى إيقافها، قائلاً: إنه على عكس ما قام به أنصار سعيّد لم يقم نشطاء حراك “مواطنون ضد الانقلاب” بنشر أو تعليق قوائم تخوين وأسماء مستهدفين.
حراك “مستقل”
وقال بن مبارك: كنت قريباً من سعيّد ودعمته في الانتخابات الرئاسية عام 2019م، هو صديقي، لكنني لم أكن انتهازياً ولم أبحث عن مصلحة خاصة ولم أكن خادماً للسلطة لذلك أعلنت معارضتي للانقلاب.
وفسر أن البعض يحاول تشويه هذا الحراك بربطه بأحد الأحزاب السياسية (النهضة)، مؤكداً استقلاليته عن أي جهة سياسية، وأن المشاركين غداً في التحرك الاحتجاجي ممثلون عن جميع الأحزاب.
حريات في تدهور
واعتبر بن مبارك أن واقع الحريات في تونس بدأ بالتدهور، مشدداً على أن الحقوق والحريات لا تضمن إلا في دولة ديمقراطية، وأن السلطة ستنتهي إلى استهدافها.
وتابع: نرى اليوم أشخاصاً تحت الإقامة الجبرية دون موجب قانوني واعتقالات دون قضايا ومداهمات ليلية للمنازل ومنع سفر عشوائي وإحالات لمدنيين وصحفيين وسياسيين على المحاكم العسكرية وتضييقات على المظاهرات.
عندما ينسحب الجيش والقوة الصلبة للدولة ونعود إلى دولة القانون يمكن أن نناقش الأفكار المطروحة للإصلاح
وأضاف: لن نتحدث عن أي إصلاحات تحت صوت الدبابات، عندما ينسحب الجيش والقوة الصلبة للدولة ونعود إلى دولة القانون، يمكن أن نناقش ونتفاعل مع الأفكار المطروحة لإصلاح تونس.
ودعا أيضاً إلى توحيد الفعل السياسي، معتبراً أن الشارع التونسي والميدان قادران على توحيد تحرك المعارضين أكثر من القاعات المغلقة.
أزمة
وأكمل بن مبارك: تونس اليوم ليست في انتظار اقتراح حلول على غرار مقترح الرئيس السابق المنصف المرزوقي (دعا سابقاً لعزل سعيد ومحاكمته والذهاب لانتخابات مبكرة)، وإنما في وضعية إقناع السلطة، بوجود أزمة قائلاً: إن رئيس الجمهورية لا يبحث عن حل على اعتبار اعتقاده أن تونس كانت في أزمة وهو من توصل إلى حل.
وزاد: عندما يقر سعيّد بزجه للبلاد في أزمة سياسية واقتصادية مالية ودبلوماسية خانقة ضربت السيادة الوطنية، وجعلت تونس ملفاً من بين الملفات الشائكة في المنطقة على طاولات الدول العظمى سندخل عندها في مرحلة البحث عن حل.
حكومة بودن
وحول تكليف سعيد لنجلاء بودن بتشكيل الحكومة، قال بن مبارك: إن تكليفها جاء في إطار تكوينه لفريق مساعد له، تؤدي فيه بودن دور السكرتارية الخاصة والمكلفة بتنسيق أعمال الإدارة العمومية، وفق تعبيره.
كما ندد بتوظيف المسألة الجندرية والمرأة، مشدداً على أنه سيتم التعامل مع هذه الحكومة ونجلاء بودن على أنها ذراع من أذرع الانقلاب.
تونس في عزلة
بن مبارك اعتبر أن عزلة تونس ستتعمق أكثر مع تمادي الانقلاب وتدويل القضية لتصبح ملفاً على طاولات الأزمات الدولية.
وبيّن أن كثيراً من الدول التي استثمرت في العملية الديمقراطية، غير مستعدة للاستثمار في عودة الاستبداد، معتبراً أن ما يحدث في تونس أصبح يمثل تهديداً للاستقرار في المنطقة.
كما أنّ رئيس الجمهورية، حسب بن مبارك، لا يحسن قراءة المشهد والتوازنات الدولية، خاصة وأن تونس لا تملك مكونات الصمود إثر استفحال الأزمة المالية، على اعتبار انعدام مصادر تمويلنا الذاتية، التي أكدها البنك المركزي في بيانه الأخير، الأمر الذي لا يعيه سعيّد الذي يسبح بين السحب، وفق وصف بن مبارك.
وختم بن مبارك بالقول: إن أنصار رئيس الجمهورية مواطنون لا يعتبرون أعداء أو خصوماً لأحد، والأمر يقتصر على اختلافنا في الرأي معهم، جزء كبير من بينهم يوقنون أن سعيّداً لن يأتي بحل، هو تمكن فقط من تغيير مشهد ما قبل 25 يوليو، ولكن نحن لا نرى حلاً في بيع الأوهام للشباب.