يشهد ملف صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكيان الاحتلال الصهيوني حراكاً مكثفاً بوساطة عدة أطراف، من أبرزها مصر وقطر وتركيا، تقوم على أساس إفراج الاحتلال الصهيوني عن آلاف من الأسرى الفلسطينيين، مقابل إطلاق «حماس» سراح 4 أسرى «إسرائيليين» محتجزين لديها، ومنهم جنديان فقدت آثارهما خلال عدوان عام 2014م على قطاع غزة، ولا يعرف الاحتلال مصيرهما؛ هل هما على قيد الحياة أم لا؟
عرضت «حماس» لأول مرة على وسائل الإعلام عبر المتحدثين باسمها خارطة طريق للتوصل لصفقة تبادل الأسرى تقوم على أساس إمّا الذهاب نحو صفقة تبادل كاملة يتمّ تنفيذها على دفعة واحدة، وتشمل الإفراج عن أسرى صفقة «شاليط» عام 2011م المُعاد اعتقالهم والنساء والأطفال والمرضى، بالإضافة إلى ذوي المحكوميات العالية، وإمّا تجزئة الصفقة إلى مرحلتين؛ بحيث يتمّ في المرحلة الأولى إطلاق سراح الأسرى المعاد اعتقالهم في صفقة «شاليط» والأسيرات والأطفال، مقابل تقديم «حماس» معلومات حول الجنود الصهاينة، فيما تشمل المرحلة الثانية الإفراج عن الآلاف من الأسرى ذوي المحكوميات العالية مقابل إطلاق سراح الجنود الأربعة، وهذا العرض أكده لـ«المجتمع» المتحدث باسم حركة «حماس» عبداللطيف القانوع.
من جانبه، يؤكد المختص في الشأن الفلسطيني و«الإسرائيلي» د. ثابت العمور، لـ«المجتمع»، أنه لم يتوقف الحراك في موضوع صفقة تبادل الأسرى بين «حماس» والاحتلال، ولكن ما يحدث أن الأمر تتزايد حركته في بعض الأحيان وفق معطيات سياسية معينة، ولا سيما في الحسابات السياسية للاحتلال، كالانتقال من حكومة «نتنياهو» إلى حكومة «بينيت»، أو لدخول وسطاء جدد على خط الصفقة والتبادل، لافتاً إلى أن صفقة التبادل هي إحدى المعارك التي تدور بين «حماس» والاحتلال، وتتحرك الصفقة دوماً حسب حسابات كل طرف، لذلك رأينا قبل عام تحريك «حماس» للصفقة وتقديم رئيسها بغزة يحيى السنوار لعرض من جزأين، ثم تعنت الاحتلال بعد الحرب الأخيرة، وربط إعادة الإعمار بإنجاز صفقة التبادل، وحدثت اتصالات وتداول الوسطاء وجهات النظر لدى كل طرف، وعندما وجد كيان الاحتلال تعنت «حماس» وتمسكها بموقفها فكان اللقاء بين رئيس وزراء الكيان والرئيس المصري، وانتهى بفك ربط صفقة الأسرى بإعادة الإعمار لقطاع غزة، وهذا تحول مهم جداً يُحسب لـ«حماس».
وأشار العمور إلى أنه عندما بدأ الأمر يتحرك باتجاه الصفقة حدثت عملية «نفق الحرية» من سجن جلبوع التي خلطت أوراق الوسطاء، لكنها لم توقف الاتصالات والمقترحات، وعندما أعاد الاحتلال اعتقال الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع حدث تبدل في التفاصيل؛ إذ طالبت «حماس» بإدراج هؤلاء الستة في قائمة أي صفقة قادمة، وعاد الحديث مرة أخرى عن تغيير في العروض؛ إذ عادت «حماس» وقدمت خطة من جزأين؛ إما أن تتم الصفقة دفعة واحدة ويفرج الاحتلال عن الأسرى من النساء والمرضى والأطفال، والذين أعيد اعتقالهم بعد صفقة «شاليط» وباقي الأسرى كلهم، مقابل إفراج «حماس» عن الأسرى الأربعة لديها دفعة واحدة، وإما الإفراج عن النساء والمرضى وأسرى صفقة «شاليط» بما مجموعة 1117 أسيراً، وفي مقدمتهم الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم، مقابل معلومات عن الجنود الأسرى لدى «حماس» وعددهم أربعة، والأرجح أن الاحتلال سيذهب للخيار الأول.
وأكد العمور أن هناك عدة أطراف بعضها انسحب وبعضها زادت وتيرة تدخلها، وأهم الوسطاء في الصفقة حالياً مصر وقطر وتركيا، موضحاً أنه لا أحد من الوسطاء يضغط على «إسرائيل»، لأن الضغط ذاتي ومن داخل الكيان، لكن الضغوطات كلها على «حماس» للموافقة على الصفقة بالشروط «الإسرائيلية»، وهذا ما يفسر الخطة الأخيرة التي قدمتها «حماس» وعرضتها على وسائل الإعلام، وفي العادة تُقدَّم المقترحات للوسطاء ولا تُعرَض في الإعلام، ولكن عرضها من قبل «حماس» يعني قطع الطريق على ضغوطات الوسطاء بأن هذا ما لدينا.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفي الصواف، لـ«المجتمع»: إن «حماس» بدون شك قدمت مقترحين لإبرام الصفقة، والآن الكرة في ملعب الاحتلال، وهو ما يعطلها، ولا يوجد أي تقدم رغم الجهود المبذولة من مصر، مؤكداً أن الإشكاليات قائمة، و«حماس» قدمت قائمة بأسرى الاحتلال وهم أربعة، ولا يعرف مصيرهم إلا «حماس»، وكل ما يتحدث به الاحتلال تخمينات، وإذا أرادت معرفة مصير جنودها فعليها تنفيذ مطالب «حماس»، مشيراً إلى أن الاحتلال مُصرٌّ على أن الجنديين اللذين بحوزة المقاومة هما في عداد القتلى، لكن «حماس» لن تفصح عن أي معلومة عن الأسرى إلا بشروطها.
وعن إمكانية تنفيذ حكومة «بينيت» لصفقة تبادل في ظل التركيبة الائتلافية الحالية، أشار الصواف إلى أن «بينيت» سيكون هو الفائز للاستمرار في الحكم إذا نفذ صفقة تبادل أسرى، مستشهداً برئيس الوزراء السابق «نتنياهو» الذي أبرم صفقة «وفاء الأحرار»، لافتاً إلى أنه لا عدد محدداً للأسرى الذين تريد «حماس» إدراجهم في الصفقة، وأن من يحدد كشوف الأسماء هي «كتائب القسام»، الجناح المسلح لـ«حماس».