طالب عدد من الخبراء بضرورة تفعيل المطالبات الأمريكية بشأن ملف حقوق الإنسان بمصر على أرض الواقع، وليس مجرد الدعاية وتسجيل المواقف عبر المناسبات واللقاءات بين مسؤولي البلدين، وذلك تعليقاً على الحوار الإستراتيجي المصري الأمريكي بواشنطن مؤخراً.
واتهم الخبراءُ الإداراتِ الأمريكيةَ المتعاقبة بالمتاجرة بملف حقوق الإنسان مع الحكومات العربية، وخصوصاً مصر، كنوع من الابتزاز لتحقيق المطالب والمصالح الأمريكية، وليس من أجل الإنسان المصري، كما يزعمون، متوقعين الإفراج عن أعداد محدودة من المعتقلين خاصة غير المنتمين للتيار الإسلامي كتسجيل موقف لا أكثر.
وكان الحوار الإستراتيجي المصري الأمريكي قد اختتم أعماله مؤخراً، الذي استمر لمدة يومين، وتناول عدة ملفات من بينها ملف حقوق الإنسان بمصر، وهو الحوار الذي توقف لمدة سنوات بعد أن كان حواراً دورياً منذ عام 1998م.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال الحوار الإستراتيجي، أن أمام مصر الكثير من العمل في مجال حقوق الإنسان، بينما جاء رد وزير الخارجية سامح شكري مؤكداً أن حقوق الإنسان يجب أن تكون متوازنة مع اعتبارات أخرى.
محاولة للابتزاز والدعاية لا أكثر
وفي سياق تعليقه، قال مدير مركز تكامل مصر مصطفى خضري: لم تكن حقوق الإنسان هدفاً أمريكياً حقيقياً في يوم من الأيام، ولكن هي إحدى أدوات “البروبوجاندا” الأمريكية التي يتم توظيفها لتحقيق أهداف أخرى، ودائماً ما تكون مدخلاً لابتزاز الأنظمة الدكتاتورية للحصول على امتيازات عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، وكلما كان النظام أكثر دكتاتورية، والحاجة الأمريكية إليه أكثر إلحاحاً؛ زاد الضغط عليه لابتزازه، ولذلك يترفع بايدن عن التعامل مع السيسي بشكل مباشر، وهو ما سيساعد في توطيد العلاقة بين البنتاجون والعسكريين المصريين كباب خلفي للمصالح بين البلدين على حساب العلاقات السياسية المتوترة بين الرئيسين.
وحول إمكانية استجابة الطرف المصري للمطالب الأمريكية في هذا الملف، قال خضري لـ”المجتمع”: ربما سيسعى نظام السيسي لإجراءات تجميلية تساعد شركات العلاقات العامة التي يتعاقد معها النظام؛ لترقيع صورته أمام الإعلام الأمريكي، تمهيداً لكسر حالة المقاطعة البايدينية للسيسي، ولكن تلك الإجراءات ستكون في صالح المعتقلين من التيارات الليبرالية واليسارية وبعض المشاهير من الصحفيين والحقوقيين وليس لجميع المعتقلين، فعداء السيسي مع أبناء التيارات الإسلامية أكبر من رغبته في صداقة بايدن.
وأنهي كلامه بالقول: برغم البرجماتية الأمريكية التي ترجح المصلحة عن أي خيار أخلاقي؛ فإن علاقة بايدن وإدارته الديمقراطية بنظام السيسي تكتنفها الكثير من الملابسات، فالسيسي ونظامه وسياساته؛ كان إحدى الأوراق التي استخدمها بايدن في حملته الانتخابية للهجوم على سلفه ترمب، فقد صرح بايدن أثناء حملته الانتخابية قاصداً السيسي: “لا مزيد من الشيكات الفارغة لـدكتاتور ترمب المفضل”، والإدارة الديمقراطية تريد تبييض وجهها محلياً ودولياً بتنظيف الحظيرة الأمريكية من أزلام ترمب خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ولن تجد أفضل من ملف حقوق الإنسان ليكون مكنسة لتنظيف الحظيرة.
التنصل المصري لا يزال مستمراً
أما الباحث الحقوقي أحمد العطار، فيرى أن ملف حقوق الإنسان في مصر دائماً ما يكون هو العنوان الأبرز في مباحثات المسؤولين المصريين مع نظرائهم الغربيين وخاصة الأمريكيين، ولكن ورغم أهمية هذا الملف، فإن الجانب المصري دائماً ما يتنصل من مسؤولياته عن طريق إنكارهم بوجود خلل في منظومة حقوق الإنسان على أرض الواقع، ودائماً ما نجد السيسي أو الخارجية المصرية يقومون بادعاء أنهم يسيرون بخطى ثابتة من أجل تحسين أوضاع السجون وفتح أبواب الديمقراطية والحوار المجتمعي.
وأضاف لـ”المجتمع”: على الجانب الفعلي وما وثقته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات المصرية والدولية، بالأرقام والشواهد والأدلة؛ فإن ملف حقوق الإنسان المصري يشهد انتهاكات ومخالفات تصاعدية خطيرة عكس ما تحاول السلطات المصرية تصديره خارجياً، ورغم ذلك نجد ضعف الضغط والتعامل الخارجي مع هذا الملف؛ إذ إنه دائماً ما نجد أن السلطات المصرية تعرف جيداً كيف تتهرب من مسؤولياتها الدستورية والقانونية تجاه هذا الملف، ونجد المجتمع الدولي دائماً ما ينشغل بملفات أخرى.
وطالب أن تكون هناك أفعال وليس أقوال، وأن يكون هناك ضغط أمريكي حقيقي على الجانب المصري، وألا يكون اللقاء مجرد لقاء روتيني لا ينتج عنه انفراجه في ملف المعتقلين السياسيين.
مجرد تجميل ولا رهان على أي موقف أمريكي
وبدوره، أكد خبير العلاقات الدولية سيد أبو الخير أن ملف حقوق الإنسان تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية للابتزاز والضغط على الحكام وخاصة في الدول العربية، ولا تنسَ أن الحزب الديمقراطي الأمريكي هو من قام بدعم انقلاب السيسي، وكان بايدن مساعداً لأوباما، وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر ليست وليدة اللحظة أو اليوم أو هذا العام، ولكنها مستمرة منذ الانقلاب حتى الآن، وما زال التعذيب في السجون يمارَس بمنهجية وكذلك الاعتقالات مستمرة.
وأكد لـ”المجتمع” أنه لا يعول على تلك اللقاءات التي غالباً تتم لإخفاء تنازلات، والاستجابة للأوامر الأمريكية، وأنه سوف يتم اتخاذ بعض الإجراءات الكلية فقط لزوم تجميل وتحسين صورة الانقلاب، وقد بدأت بالفعل قبل أي لقاء بإنشاء مركز دعم الرئاسة في ملف حقوق الإنسان، وتم فتح مركز ومقار له في كل المحطات والمراكز، ولا ندري ما مهمته؟ وماذا يفعل؟ وسوف يتم الإفراج عمن يخدمون المصالح الأمريكية من العلمانيين والليبراليين وغيرهم، أما الإخوان وأمثالهم سيظلون في المعتقلات!