أكد د. عصام عبدالشافي، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سكاريا التركية، أن الحديث عن إصلاح مجلس الأمن ليس جديداً، بل بدأ في عام 1952م، أي بعد مرور 7 سنوات فقط من تأسيس الأمم المتحدة؛ وذلك لعدم عدالة تكوين المجلس والعضوية فيه.
وأضاف، في حواره مع «المجتمع»، أنه كانت هناك الكثير من الأطروحات والأفكار قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن كان هناك نوع من الرفض من الدول المتحكمة في المشهد الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا؛ لأن مثل هذا القرار ينال من تأثيرهم في المنظومة الدولية، لكنه أكد أنه بعد ما واجهته هذه الدول من سياسات روسية تعتبرها عدوانية وعدائية وتضر بالمنظومة الدولية، أصبح هناك تفكير جدي في إعادة هيكلة مجلس الأمن.
بداية، كيف كانت نشأة الأمم المتحدة؟ وما الغاية من ذلك؟
– تُمثل الأمم المتحدة الركيزة الأساسية للنظام الدولي المعاصر منذ عام 1945م وحتى اليوم، وقد بدأت المفاوضات لتأسيسها أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1941م وليس بعد نهايتها؛ ولكن كانت هناك تجربة سابقة لمحاولة تأسيس الأمم المتحدة عام 1920م، تمثلت في عصبة الأمم، وهي المنظمة التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، ودعا إلى تأسيسها آنذاك الرئيس الأمريكي «توماس ويلسن»؛ حتى تكون هناك منظمة دولية لضمان السلم والأمن الدوليين.
ورغم أن الرئيس الأمريكي هو الذي دعا إلى تأسيس عصبة الأمم، فإن الولايات المتحدة لم تنضم إليها، وفشلت التجربة لأنها لم تُجرّم الحروب، ولم تمنع الدول أو القوى الكبرى من شن حروب، أو التوقف عن سياسة الاستعمار أو التوسع في المستعمرات؛ ولذلك نشبت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939م.
وبعد مرور عامين على بداية الحرب العالمية الثانية، تعددت المفاوضات من جانب القوى الكبرى، وكانت أيضاً بمبادرة من جانب الولايات المتحدة التي استضافت العديد من اللقاءات والمفاوضات والمباحثات بين عدد من الأطراف؛ كان من بينها الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين؛ بل إن هذه المفاوضات شارك فيها خلال العام الأول (1941 – 1942م) أكثر من 40 دولة.
وبطبيعة الحال، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945م، تم الإعلان رسمياً عن تأسيس الأمم المتحدة في سبتمبر 1945م، بعد توقيع 51 دولة على ميثاق الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسسكو الأمريكية، وتم الاتفاق على أن تكون مدينة نيويورك هي المقر الرئيس للأمم المتحدة.
ولأن المنتصر هو الذي يضع المبادئ والقواعد، وضعت الدول المنتصرة الميثاق من حيث مبادئه وقواعده أو من حيث هياكل المنظمة، وكان الهدف الأول وفق الميثاق هو تحقيق وحماية السلم والأمن الدوليين.
فهل تحقق بالفعل السلم والأمن الدوليان؟!
– عند السؤال عن مدى تحقُّق ذلك، يكون الجواب أن الأمر نسبي، ويجب قياس ما حققته الأمم المتحدة بعد عام 1945م ومقارنته بالوضع قبل ذاك العام.
فقبل عام 1945م كانت هناك حربان عالميتان كبريان؛ الأولى من عام 1914 حتى عام 1918م، وراح ضحيتها أكثر من 10 ملايين قتيل، ثم حرب عالمية ثانية من عام 1939 حتى عام 1945م، وراح ضحيتها أيضاً أكثر من 50 مليون قتيل حول العالم، ولكن بعد تأسيس الأمم المتحدة لم نشهد حرباً عالمية بهذا الحجم.
نعم هناك حروب جزئية، وهناك توترات وعدم استقرار في كثير من المناطق والأقاليم، لكن مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل تأسيس الأمم المتحدة يمكن القول: إنها نجحت بدرجة كبيرة في وضع أسس وركائز وتخفيف حدة الصراعات والأزمات، وأصبحت الأزمات يطغى عليها الطابع الإقليمي وليس الدولي، باستثناء ما نشهده الآن في الأزمة الأوكرانية.
هل لتأسيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن غايات أخرى غير المعلنة تكرس هيمنة الدول الكبرى على العالم؟
– بطبيعة الحال، عندما نتحدث عن تأسيس المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الإقليمية والدولية، فالأمر فيه ما هو معلن ومتاح للجميع، وفيه ما هو سري ويكون حصراً أو قصراً على الأعضاء المؤسسين أو الشركاء الأساسيين، ولكن فيما يتعلق بالأمم المتحدة تحديداً، هناك أيضاً ما يسمى الكشف عن الوثائق السرية التي يمر عليها فترات زمنية محددة، سواء فيما يتعلق بسياسات القوى الأطراف المؤسسة أو في سياسات المنظمات، والأمم المتحدة مر عليها حتى الآن أكثر من 77 عاماً، وكثير من الاتفاقيات والمفاوضات السرية والمناقشات التي جرت لتأسيس الأمم المتحدة تم الكشف عنها.
وبالتالي، فنحن -على الأقل- في إطار ما يعرف بالتنظيم الدولي ملتزمون بدرجة أساسية فيما تم الإعلان عنه، نحن أمام منظمة دولية نصت في الفصل الأول في المادة الأولى حول مقاصدها على 4 أهداف أساسية، هي:
1 – حفظ الأمن والسلم الدوليين.
2 – إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب.
3 – تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية.
4 – جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
وبالتالي، أصبحت هذه الأهداف الأربعة مرجعاً وركيزة أساسية، بل وفرض على كل المنظمات الإقليمية التي نشأت بعد هذا التاريخ أن تلتزم بهذا الميثاق، بل وفرض على كل دول العالم التي تنضم إلى الأمم المتحدة سواء التي وقعت على الميثاق وعددها 51 دولة، أو الدول التي انضمت لاحقاً وأصبحت اليوم 196 دولة، أن تلتزم بهذه البنود.
ولا يعنينا بدرجة كبيرة هنا هل الفارق بين الالتزام بالنصوص على الورق بعكس الواقع الفعلي، فهذه قضية أخرى، ولكن ما يعنينا بدرجة أساسية هنا أن هناك ميثاقاً بمبادئ محددة يقع في 19 فصلاً، ويتكون من 111 مادة، وهو ميثاق معلن منشور، والهيكل الكامل للمنظمة منشور ومترجم بـ6 لغات عالمية، وبالتالي ليس أمام الدول إلا الالتزام بما هو منشور.
وفي الأخير سواء كان هذا النص أو النصوص محل احترام وتقدير أم ليست محل احترام، فالأمر مرتبط في الأساس بموازين القوى الأساسية داخل المنظمة الدولية، فتصبح القضية الأساسية ليست هي: «هل هناك بنود سرية أو اتفاقيات سرية أو بنود علنية؟»، لكن القضية الأساسية هي القدرة على امتلاك القوى التي تستطيع بها الدول الأطراف في الأمم المتحدة أن تفرض أجندتها على هذه المنظمة.
نحن نتحدث عن عدة كيانات داخل المنظمة سواء مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو غيرها من كيانات ضمن الهيكل، فقدرة الأطراف على الحشد والتعبئة وبناء الكتل التصويتية هو الذي يمكن أن يغير من المعادلات ومن النصوص.
أما البحث عن أن هناك نصوصاً سرية فلا أعتقد أنه سيكون له جدوى كبيرة في هذا التوقيت، خاصة في ظل الظروف التي يمر بها العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة وتحديداً مع تداعيات أزمة «كورونا» وعبور دول الأمم المتحدة هذه الأزمة، ثم نشوب الحرب الروسية الأوكرانية التي تفرض على الدول التعامل مع نصوص الأمم المتحدة كما هي قائمة، وإن كان هناك تحفظ على نص ما فيكون الدفع باتجاه تغييره وليس الدفع بالبحث عن بنود سرية وخلافه حول هذا النص.
إعادة تشكيل المنظمات السياسية الدولية خاصة مجلس الأمن، هل أصبحت ضرورة اليوم لتحقيق السلم والأمن الدوليين فعلياً؟
– الحديث عن إصلاح مجلس الأمن ليس جديداً؛ فالغريب أنه بدأ في عام 1952م، أي بعد مرور 7 سنوات فقط من تأسيس الأمم المتحدة؛ لأن تكوين المجلس والعضوية في المجلس نظرت إليها بعض الدول على أنها غير عادلة، ولا تمثل الأقاليم الأساسية في العالم؛ لأن المجلس، وفقاً للفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة المادة (23)، يتألف من 15 عضواً، وهناك 5 دول دائمة العضوية، هي: أمريكا والصين وفرنسا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا.
والغريب أيضاً أنه كانت هناك مفارقة شديدة الأهمية في تشكيل مجلس الأمن والدول الخمس دائمة العضوية، وهي أن جمهورية الصين عندما تم النص عليها في المادة (23) كان يقصد بها تايوان؛ لأن الصين الشعبية كانت تحت الاستعمار في ذلك التوقيت، وكانت تايوان ينظر إليها على أنها الصين الوطنية؛ فكان هناك خلل جوهري في التشكيل كيف تكون تايوان عضواً دائماً في مجلس الأمن، وتمثل جمهورية الصين الشعبية ذات هذا العدد الهائل من السكان؛ فكانت هناك إشكالية في تشكيل المجلس، ولم تحل إلا بعد الوفاق الدولي بين أمريكا والصين بعد زيارة الرئيس الأمريكي «نيكسون» للصين الشعبية عام 1972م، هذا جانب.
الجانب الآخر، أن الدول العشر أعضاء مجلس الأمن الباقية يراعى فيها الأقاليم؛ بمعنى أن يكون هناك ممثلون لأفريقيا ولأوروبا ولأمريكا الشمالية والوسطى ولآسيا، لكن للأسف الشديد النص في المادة (23) في المادة (أ) ينص على أنه يُراعى التوزيع الجغرافي العادل في عضوية المجلس، وهذا لم يتحقق؛ فأفريقيا تمثل بـدولتين -على سبيل المثال- وهي قارة كاملة، في الوقت الذي نجد فيه دولتين من أوروبا عضوين دائمين بمجلس الأمن، ودولتين من آسيا عضوين دائمين وهما روسيا والصين، ودولة من أمريكا الشمالية، ثم يتم اختيار باقي الأطراف؛ فهناك دول يتم اختيارها من أوروبا وأخرى من آسيا ويصبح التوزيع هنا غير عادل، هذا من جانب، ومن جانب آخر هذا الاختيار كان مرتبطاً بالدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، فهذا فرضته ظروف ما بعد الحرب والدول المنتصرة؛ ولكن هذه الأوضاع تغيرت جذرياً خلال الـ70 عاماً الماضية، وظهرت قوى جديدة شديدة الأهمية والتأثير مقارنة بفرنسا وبريطانيا مثلاً وغيرهما، وهي تستحق أن تكون أعضاء دائمة في مجلس الأمن، وبالتالي مثل هذه المراجعات تحتاج بالفعل إلى إعادة النظر في مستويين:
الأول: حجم التمثيل الدائم في مجلس الأمن.
والثاني: آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن وتحديداً فيما يتعلق بحق «الفيتو».
هناك الكثير من الأطروحات والأفكار مثل أن يتم زيادة عدد الدول الأعضاء بدلاً من 15 إلى 25 دولة، وأن نزيد عدد الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتصبح 15 دولة بدلاً من 5 فقط؛ بحيث يكون هناك توزيع عادل للأقاليم، وأن يُلغى حق «الفيتو» بحيث لا تتحكم دولة واحدة في مقدرات الأمم المتحدة وتؤدي إلى جمودها وعدم قدرتها على اتخاذ القرار وعلى فعالية اتخاذ القرار.
كل هذه الأمور كانت واردة وبقوة قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وكان هناك نوع من أنواع الرفض من الدول المتحكمة في المشهد الدولي وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا؛ لأن مثل هذا القرار ينال من تأثيرهم في المنظومة الدولية، ولكن بعد ما واجهته هذه الدول من سياسات روسية تعتبرها عدوانية وعدائية وتضر بالمنظومة الدولية؛ أصبح هناك تفكير جدي في إعادة هيكلة مجلس الأمن؛ لأنه وفقاً لقرارات المجلس لكل دولة عضو من الأعضاء في المجلس صوت واحد، وتصدر القرار في المسائل الإجرائية بموافقة 9 من الأعضاء، وفي المسائل الموضوعية لا بد أن يكون بموافقة 9 من الأعضاء بشرط أن يكون من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين مجتمعين.
ولكنَّ هناك جزءاً تفصيلياً بالفقرة (3) من المادة (52) يقول: «يمتنع عن التصويت من كان طرفاً في النزاع»، ولكن في هذه الحالة أيضاً حتى لو افترضنا في الأزمة الأوكرانية لو تم منع روسيا من التصويت بوصفها طرفاً في النزاع؛ فإن الصين الموالية لروسيا ستستخدم حق «الفيتو»، وبالتالي يصبح المجلس عاجزاً.
ولذلك، أصبح هناك نوع من أنواع التوافق المرحلي على ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بحق «الفيتو»، ولكن شكل التغيير سيرتبط بدرجة أساسية بموازين القوى الدولية داخل الأمم المتحدة وداخل مجلس الأمن الآن والتي تستطيع فرض أجندتها على كل الأطراف، فحتى لو تم تعديل فلا أعتقد أنه سيكون هناك توزيع عادل للأقاليم المختلفة ولقارات العالم الأساسية داخل منظومة مجلس الأمن.
هل يمكن أن يتحرك قادة الدول الإسلامية الكبرى بالتحالف مع دول الجنوب لتغيير الوضع العالمي الحالي؟
– الملاحظة شديدة الأهمية في الإجابة عن هذا السؤال أيضاً هي عندما نقول قادة الدول الإسلامية الكبرى، فمن هي إذاً تلك الدول الإسلامية الكبرى؟ للأسف لا يوجد اتفاق على مفهوم الدول الإسلامية الكبرى.
كما أن فكرة معيارية تحديد الدول الإسلامية الكبرى التي يمكن أن تتحرك تحتاج إلى ضبط، والحديث عن قادة الدول الإسلامية أيضاً يحتاج إلى ضبط، وإذا كنا نتحدث عن دول إسلامية فلا نجد معياراً ضابطاً إلا إذا كانت تنص في دستورها على أن «الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس أو الوحيد للتشريع»، أو أن أغلبية السكان مسلمون.
إذا كنا نتحدث عن الدول الإسلامية أعضاء منظمة التعاون الإسلامي الـ54 فموقفها معروف، فهي أقرب إلى أن تكون أداة وظيفية يتم استخدامها وفقاً لعلاقاتها الدولية، هذه ملاحظة ثانية.
الملاحظة الأخرى المهمة أنه حتى الدول الإسلامية بينها اختلافات كبيرة جداً في علاقاتها الثنائية، تنعكس سلباً على طبيعة التنسيق والتوافق فيما بينها في إطار المنظمات الدولية؛ بل إنه ليس الأمر كذلك فقط، ولكن أحياناً نجد صراعات داخل المنظمات الإقليمية التي هي بالأساس تتكون من دول إسلامية.
فالدول الإسلامية الكبرى لا أعتقد أنها تتحرك بفعالية أو بتنسيق مشترك فيما بينها؛ لكن للأسف الشديد هناك صراعات كبيرة بين هذه الأطراف.
وهناك أيضاً منافسة كبيرة بين هذه الأطراف حول الدور الإقليمي أو المكانة الإقليمية، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية وحالات عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها بعض الدول الإسلامية الكبرى.
وبالتالي، فالحديث عن إمكانية أن تتحالف هذه الدول مع دول الجنوب لتغيير الوضع العالمي أعتقد أن هذا صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً.