أقدم متظاهرون مناهضون للحكومة في سيريلانكا بإحراق أكثر من 70 منزلاً ومكتباً لوزراء سابقين وأعضاء بالحزب الحاكم، كما تم إحراق أو تدمير أكثر من 150 مركبة، جراء أسوأ أزمة اقتصادية في الجزيرة منذ استقلالها عام 1948، في الوقت الذي فرضت فيه البلاد حظراً للتجوال، وطلبت من المواطنين البقاء في المنزل.
وبحسب “وكالة الأنباء الفرنسية”، نشرت سريلانكا الآلاف من عناصر الجيش والشرطة اليوم الثلاثاء لفرض حظر تجول غداة مقتل خمسة أشخاص في أعمال عنف هي الأسوأ خلال أسابيع من الاحتجاجات على أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
وجرح نحو 200 شخص أيضا في أعمال العنف أمس الإثنين توازيا مع استقالة رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا التي لم تساعد كثيرا في تهدئة الغضب الشعبي.
وتدخل الجيش لإنقاذه في عملية قبيل فجر اليوم الثلاثاء، بعد أن اقتحم آلاف المتظاهرين مقره الرسمي في كولومبو ليلا. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وعيارات تحذيرية لصد الحشد.
وقال مسؤول أمني رفيع لوكالة “فرانس برس” إنه “بعد عملية قبيل الفجر، نقل الجيش رئيس الوزراء السابق وعائلته إلى مكان آمن”.
وأكد النجل الأكبر لماهيندا راجاباكسا للوكالة الفرنسية “والدي بمأمن وهو في مكان آمن ويتواصل مع العائلة”.
وقال نامال راجاباكسا (35 عاما) “الكثير من الشائعات تقول إننا سنغادر. لن نغادر البلاد”، معتبرا الغضب الشعبي ضد أسرته “مرحلة صعبة”.
وأدانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أعمال العنف ودعت السلطات للحؤول دون وقوع المزيد من الاضطرابات.
وعبرت باشليه عن “القلق العميق إزاء تصاعد أعمال العنف في سريلانكا بعد أن هاجم أنصار رئيس الوزراء متظاهرين سلميين في كولومبو يوم أمس التاسع من مايو، وما أعقب ذلك من أعمال عنف من جانب حشود ضد أعضاء من الحزب الحاكم”، مضيفة: “أدين جميع أعمال العنف وأدعو السلطات إلى إجراء تحقيق مستقل ودقيق وشفاف في جميع الهجمات التي وقعت”.
أسباب الغضب الشعبي
منذ أشهر تهز حكومةَ راجاباكسا، التي تضم أفرادا من أسرته، احتجاجاتٌ على انقطاع الكهرباء ونقص السلع في أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلال سريلانكا في 1948.
غير أن الرئيس غوتابايا راجاباكسا لا يزال في منصبه ويتمتع بصلاحيات واسعة ويتولى قيادة القوات الأمنية.
بعد أسابيع من تظاهرات سلمية مناهضة للحكومة بشكل عام، اندلعت أعمال عنف أمس الإثنين عندما نزل أنصار ماهيندا راجاباكسا على العاصمة على متن حافلات استخدمت لنقلهم من مناطق ريفية، وهاجموا المحتجين بالعصي والهراوت.
وقال شاهد عيان لوكالة “فرانس برس” طالبا عدم الكشف عن اسمه “تعرضنا للضرب وكذلك وسائل إعلام ونساء وأطفال”.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشود، وأعلنت على الفور حظر تجول في كولومبو، في إجراء تم توسيع نطاقه ليشمل كل مناطق الدولة الواقعة في جنوب آسيا والبالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة.
وقالت السلطات إن حظر التجول سيُرفع صباح الأربعاء، فيما طُلب من المكاتب الحكومية والخاصة والمتاجر والمدارس إغلاق أبوابها اليوم الثلاثاء.
وغردت السفيرة الأمريكية جولي تشانغ أن واشنطن تدين “العنف ضد المتظاهرين السلميين” ودعت الحكومة السريلانكية إلى “إجراء تحقيق شامل، بما في ذلك اعتقال ومحاكمة أي شخص يحرض على العنف”.
في ضواحي كولومبو أطلق النائب عن الحزب الحاكم أماركيرثي أتوكورالا النار على شخصين، ما أدى إلى مقتل رجل يبلغ 27 عاما، وذلك بعد أن حاصره حشد من المتظاهرين المناهضين للحكومة، وفق الشرطة.
وقال مسؤول في الشرطة لوكالة “فرانس برس” في اتصال هاتفي إنه بعد ذلك “أطلق النار على نفسه بمسدسه وقتل”.
وعثر على الحارس الشخصي للنائب ميتا في مكان الحادث، بحسب الشرطة.
كما أطلق سياسي آخر من الحزب الحاكم لم يُكشف عن اسمه، النار على متظاهرين فأردى اثنين وجرح خمسة في جنوب الجزيرة، وفق الشرطة.
حرق منازل
وأضرمت حشود غاضبة النار في منازل أكثر من 12 من السياسيين الموالين لراجاباكسا، وأحرقوا عددا من سياراتهم، فيما استُهدفت أيضا حافلات وشاحنات استخدمت لنقل المتظاهرين الموالين للحكومة، في كولومبو ومحيطها.
وأحرقت العديد من المنازل التي تعود لأفراد عائلة راجاباكسا في مختلف أنحاء البلاد.
وتدخل أطباء في مستشفى كولومبو الوطني لعلاج جرحى من مؤيدي الحكومة، فيما خلع جنود بوابات موصدة لنقل الجرحى.
أعلن ماهيندا راجاباكسا (76 عاما) أنه يستقيل ليمهد الطريق أمام حكومة وحدة.
لكن لم يتضح ما إذا كانت المعارضة ستنضم إلى أي حكومة وحدة يشارك فيها أي من أفراد أسرة راجاباكسا.
وبموجب النظام السياسي في سريلانكا وحتى مع حكومة وحدة جديدة، يمسك الرئيس بسلطة تعيين وزراء وإقالتهم، وكذلك القضاة، كما يتمتع بحصانة من الملاحقة القضائية.
وقال المحلل لدى مركز ويلسون مايكل كوغلمان لوكالة “فرانس برس”: “ما لم يتنحَّ الرئيس راجاباكسا لن يرضى أحد، سواء الجماهير في الشوارع أو أصحاب المصلحة من السياسيين الرئيسيين”.
الحلول الممكنة
تأتي التظاهرات على وقع جائحة سددت ضربة قوية لعائدات الجزيرة من السياحة وتحويلات الرعايا في الخارج، ما حرم البلاد من العملة الأجنبية الضرورية لسداد دينها.
أجبر ذلك الحكومة على حظر استيراد العديد من السلع ما أدى إلى نقص حاد في المواد الضرورية، وارتفاع التضخم وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة.
في أبريل أعلنت سريلانكا تخلفها عن سداد دينها الخارجي البالغ 51 مليار دولار.
ولم تتضح بعد الخطوة التالية للرئيس راجاباكسا في مواجهة الاحتجاجات، على ما يقول أخيل بيري من معهد جمعية آسيا للسياسات.
وفضلا عن إمكانية اتباع خطوة شقيقه في الاستقالة، يمكنه أن يعين حكومة انتقالية، قبل الاستقالة، ونشر الجيش والشرطة لإخماد التظاهرات، أو انتظار “أن تخمد بشكل طبيعي”، وفق بيري لـ”فرانس برس”.
لكن مهما يحصل سيكون على الحكومة التالية أن تتخذ “قرارات غير شعبية” لإصلاح الاقتصاد المدمر، وفق بيري.