بالتزامن مع موت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وانتشار حملات تُذكر بجرائم التاج البريطاني في أفريقيا والعالم، وتدشين أمريكيين هاشتاج يقول: “ارقدي في سلام أيتها الغبية أو المهرجة” (rip bozo)، بسبب احتلال بريطانيا لبلادهم؛ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عربية منشورات وأخبار تزعم اتصال نسب الملكة إليزابيث الثانية بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، رغم أن تلك الأنباء مكررة وغير دقيقة، وفقاً لمصادر تاريخية مختلفة.
استعانت تلك الأنباء بتقرير قديم لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، في 6 أبريل 2018، لكن التقرير نقل وجهة نظر “صحيفة مغربية” في ذلك الوقت.
تقرير “ديلي ميل” زعم أن إليزابيث الثانية من نسل النبي محمد رسول الإسلام بعد تتبع شجرة عائلتها إلى 43 جيلًا وفقاً لمؤرخين، وأن سلالة إليزابيث الثانية تمر عبر إيرل كامبريدج في القرن الرابع عشر، وعبر إسبانيا المسلمة في العصور الوسطى، إلى فاطمة ابنة النبي، وأن سجلات الأنساب في إسبانيا في العصور الوسطى تدعم أيضًا هذا الادعاء!
وزعموا أن الملكة تنحدر من أميرة مسلمة تُدعى زيدا، فرت من مسقط رأسها إشبيلية في القرن الحادي عشر قبل أن تتحول إلى المسيحية، وكانت زيدا الزوجة الرابعة للملك المعتمد بن عباد من إشبيلية، وأنجبت منه ابناً هو سانشو، الذي تزوج سليلة لاحقًا من إيرل كامبريدج في القرن الحادي عشر.
المفتي السابق جمعة يؤكد
من الذين ادعوا أيضاً أن إليزابيث من نسل النبي محمد صلى الله عليهم وسلم مفتي مصر السابق د. علي جمعة، الذي زعم، في حوار تلفزيوني، في 17 يناير 2015، أن ملكة إنجلترا من “أحفاد الرسول”، قائلاً: “لديَّ دراسات تؤكد قولي”؛ حيث زعم أن جد الملكة إليزابيث كان مسلماً، وتعرض للضغط حتى يصبح على ديانة أخرى في عصور سابقة، فاضطر لإخفاء إسلامه، ومن هنا بدأت رحلته في بلاد الغرب، وتم كتابة مؤلفات وكتب تؤكد ذلك.
وأضاف أن ملكة بريطانيا غير مسلمة لأن جدها أعلن أنه نصراني (مسيحي)، وأن إنجلترا قديمًا كانت لا توافق على وجود المسلمين، وأنه تم أسره وهو يدعى الهاشمي من أهل النبي صلى الله عليه وسلم، وأرغموه على أن يترك الإسلام.
ليست جديدة
تلك الشائعات المتداولة عن اتصال نسب الملكة بالنبي محمد ليست جديدة، وتم تداولها سابقاً في أكثر من موضع؛ فقد ظهرت تلك الشائعة لأول مرة في عام 1986 عندما ادعى عالم الأنساب بيرك بيراغ أنه يمكن تتبع نسب إليزابيث الثانية إلى الملوك المسلمين في إسبانيا ومن خلالهم إلى النبي محمد، لكن لم يتم إثبات تلك الادعاءات، وفقاً لصحيفة “التايمز” البريطانية، في 12 أبريل 2018.
وفي العام نفسه، استشهد الكاتب هارولد بروكس بيكر بتلك الشائعات، في خطاب لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، مطالباً إياها بتحسين الأمن للعائلة المالكة، وفقاً لوكالة “UPI”، في 10 أكتوبر 1986.
وأصدر قصر باكنجهام حينها بياناً لتوضيح أن بيكر لا يعرف أياً من أفراد الأسرة الملكية، وأكد أن تصريحاته صدرت دون علم أو سلطة، وفقاً لصحيفة “تلغراف”، في 8 مارس 2005.
وذكرت “التايمز” أن المسؤولين لم يولوا اهتماماً يذكر في الماضي لمزاعم بيكر.
وبعد وفاة بيكر في عام 2005، وصفته صحيفة “تلغراف” البريطانية، في 8 مارس 2005، بأنه مصدر غير موثوق، قائلة: كانت ميزته الكبيرة أنه كان دائماً متاحاً لإبداء تعليق لافت للنظر، لكن كان عيبه أنه غالباً ما كان مخطئاً.
وفي مارس 2018، استعان كاتب مغربي في مقال بصحيفة محلية بأحاديث بيكر، مدعياً أن نسب الملكة يمكن إرجاعه إلى النبي محمد، وهو ما وصفته صحيفة “إيكونوميست”، في 5 أبريل 2018، في تقرير لها بأنها “ادعاءات”.
وأكد المؤرخ الملكي هوغو فيكرز أنه لا يستطيع التعليق على الصلة المزعومة بين الملكة والنبي محمد.
ووصفت المؤرخة البريطانية التي ألفت العديد من الكتب عن الإسلام المبكر ليزلي هازلتون تلك الادعاءات بشائعات مضحكة ليس لها أصل، وفقاً لموقع “هيستوري”، في 29 أبريل 2019، الذي يُعنى بشؤون التاريخ.
وجادل المؤرخون وعلماء الأنساب في الدقة التاريخية التي تم بناء الادعاء عليها، مؤكدين عدم وجود أسانيد تاريخية موثوقة لتلك الشائعات، وفقاً للموقع.
جرائم ملكية
وبرحيل الملكة إليزابيث الثانية تباينت تعليقات العرب والأفارقة بين حزين لرحيلها وغير مكترث لموتها؛ لعدة أسباب، منها نهب بريطانيا لثروات العرب وأفريقيا ودورها في احتلال الصهاينة لفلسطين بـ”وعد بلفور”، واقتران الحكم البريطاني بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وبتاريخ المستعمرات في آسيا وأفريقيا.
فقد كان تاريخ “الأبرتهايد” من تركة الاستعمار البريطاني وإحدى نتائجه جنوب أفريقيا؛ حيث ارتبط اسم بريطانيا بقانون الاجتياز وهو قانون عنصري أسسه الاستعمار البريطاني في جنوب أفريقيا في القرن التاسع عشر، الهدف منه تقييد حركة السكان الأصليين الأفارقة من مناطقهم إلى مواقع يحتلها البيض، ومن هنا نشأ الفصل العنصري.
ورصد نشطاء على مواقع التواصل أنه حتى تاج الملكة مسروق من العالم الإسلامي، وأن أهم 3 حلي تزين تاج ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية مسروقة؛ أولها ماسة “كوهينور” التي كانت جزءاً من تاج السلطان المغولي المسلم جيهان سلطان قبل أن يتناقلها عدة سلاطين في الهند قبل أن تحصل عليها بريطانيا بعد قتل ملك البنجاب واحتلال الهند عام 1849، وظلت الهند تطالب بالجوهرة حتى تنازلت عنها مؤخراً.
وهناك أيضاً “الياقوتة الحمراء” التي تزين تاج الملكة، وهي إحدى جواهر الأمير أبي سعيد الأنصاري من ملوك غرناطة بالأندلس، وقد قام بيدرو، ملك إشبيلية، بقتله غدراً بعد استضافته للحصول على جواهره، ثم أعطاها لأمير إنجليزي هو إدوارد وودستوك الذي قدم له المساعدة العسكرية المطلوبة لدعم حكمه مقابل الحصول على “الياقوتة الحمراء”.
أما ماسة “كولنيان” وهي درة التاج البريطاني فقد تم استخراجها عام 1905 من منجم في جنوب أفريقيا وقد استعبد الأفارقة لحفر هذا المنجم ومات منهم المئات.