نشعر بنقص الأرض من أطرافها بفقد إمام الأئمة وعلم الأعلام وفقيه الأمة وشيخ الدعاة وأستاذ المربين الذي نذر وقته وماله وفكره وجهده خدمة لدعوته ودينه وأمته زهاء 9 عقود من الزمان، ما لانت له قناة، وما وهنت له عزيمة، كان أمة في رجل، وقارة في وطن.
هو مجموعة كفايات جعلها الله تعالى في هذا الإمام علماً وعملاً وإخلاصاً وحالاً، زاوج فيها بين العلم النافع والعمل الصالح، ارتبط بأصله واتصل بعصره، جمع أمته على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، ترك ميراثاً عظيماً من الفكر والعلم والفقه والدعوة، وميراثاً من القدوة والأسوة الحسنة في هديه وسمته ودعوته وسلوكه.
كان آية في حياته، وآية في مماته، ذهب الجسد وبقي ميراث الصدق.
لم يكن الشيخ يوسف لوطنه ولا لبلده، بل كان لأمته على اتساع قاراتها التي طاف الدنيا مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
عالج قضايا الأمة بفقه مستبصر واسع، جمع فيه بين النقل الصحيح والعقل الصريح، بين الثابت والمتغير، رد الفروع إلى الأصول، يسَّر في الفتوى، وبشَّر في الدعوة، وكان يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرّق، واسع الصدر والفكر، نقي القلب، يَألَف ويُؤلَف، تكالب عليه خصومه، ولكنه كان منصفاً مع الصديق والعدو والقريب والبعيد.
كان نقي السريرة صافي القلب.
في ميدان العلم له قرابة 200 عنوان في مختلف العلوم.
وعلى مستوى العمل الخيري رفع شعار «ادفع دولاراً تُنقذ مسلماً».
جمع علماء الأمة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومذاهبهم في «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين».
في واجب الأقليات أنشأ «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث».
في خدمة الإسلام من خلال الإنترنت أنشأ مؤسسة البلاغ التي عنوانها «إسلام أونلاين».
أنشأ «ملتقى الأصحاب والتلاميذ» ليخرِّج الأجيال تلو الأجيال لتحمل النفَس الوسطي.
حارب على كل الجبهات الذين يميِّعون الدين، والذين يغالون فيه؛ فواجه هؤلاء وهؤلاء بمنهج حكيم قائم على الوسطية والاعتدال.
كان حياً لقضايا أمته وعلى رأسها فلسطين، كان منتصراً لقضايا الشعوب في نيلها للحرية والكرامة في مواجهة الاستبداد.
مزج العلم بالعمل، والدعوة بالحركة، ناصر الشعوب فلم يستجب لضغط الحكام ولا لأهواء العوام.
كان يعبِّر عن موقف العالِم الرباني الذي شعاره «الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله».
حقه على الأمة أن ندعو له بظهر الغيب.. حقه على الأمة نترسم خطاه.. حقه على الأمة أن نتأسى بقدوته.. ليس بالمعصوم ولا بالملك المطهر.. ولكن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع(1).
_______________________
(*) من كلمة د. عصام البشير، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في جنازة الإمام يوسف القرضاوي، يرحمه الله تعالى.